في عالم الجريمة كل شيء مباح، اتهام وتخفي وإلصاق التهم بأخرين، ففي النهاية خلف القضبان كل شيء يمكن فعله، لكن ورغم هذا فالحقيقة أيضاً لا يمكن إخفاؤها مهما طال الزمان، ومهما كان فاعلها فلابد أن تأتي اللحظة الفارقة التي تكشف فيها الحقائق، ويعود الحق لأصحابه، "انفراد" يقدم خلال شهر رمضان حلقات متتالية تحت عنوان " غرائب خلف القضبان" من وقائع كتاب " أغرب القضايا" للمستشار بهاء أبو شقة.
الحلقة الرابعة عشر
انتهى الجزء الأول باعتراف زوجة العم والأخ الأكبر، على الاخ الأصغر واتهامه بقتل عمه بساطور أثناء الصلاة، و تم تقديم الاخ الأصغر للمحاكمة، وقضت محكمة اول درجة بإعدامه شنقاً.
ويقول المستشار بهاء أبو شقة، بحثت كثيراً على نسبب لنقض الحكم لإعادة المحاكمة، وبما أن الأخ الأكبر شهد بناءً على سمعه الواقعة من زوجة عمه، فتعتبر شهادته سمعية لأنه لم يرى الواقعة بعينه، وهو ما يعتبر خطاء قانونى فى الإسناد، وتقدمت بتلك الأسبابا لمحكمة النقض، التى قررت نقض الحكم وإعادة محاكمة المتهم.
كان أول ما استوقفت عنده بعد إطلاعى على أوراق الدعوى عدة أمور، أولها عدم العثور على أداة الجريمة "الساطور".. وقانيهما أم الصورة التى صورت بها الشاهدة كيفية وقوع الجريمة حسبما رصدها وكيل النيابة تفصيلاً فى المعاينة التصويرية التى صورت بها الشاهدة الحالة التى كان عليها المجنى عليه، لحظة اعتداء المتهم بالساطور عليه أنه كان ساجداً أثناء الصلاة.. راكعاً على جبهته، وثالثاً أن المتهم قام بضربه بساطور على مؤخرة رأسه.
ورغم رواية زوجة العم، إلا أن تقرير الصفة التشريحية إلا أن الإصابة أحدثت تفتتاً بمقدمة الجبهة وهو ما يستحيل حدوثه مادام أن المجنى عليه كان ساجداً يصلى وجبهنه على الأرض، كما أن إصابات مقدمة الجبهة قطع الطبيب الشرعى أنها أحدثت تفتيتاً فى عظام الرأس، وهو ما يحدث من الاعتداء بألة راضة كعصا ولا تحدث فنياً من الاعتداء بساطور يتعين أن يخلف إصابات قطعية رضية.
من أجل ذلك طلبت من المحكمة مناقشة الطبيب الشرعى.. وسألته هل تبينت من تشريح الرأس وجود إصابات بمؤخرة الرأس؟
فأجاب .. نفياً وقال.."إن الإصابة الوحيدة كانت فى الجبهة من الأمام"..
فسألته .. عن الألة التى أحدثت تلك الإصابة المتفتتة على النحو الذى بأن له من تشريح الرأس وأثبته فى تقريره..
فأجاب الإجابة التى كنت أتوقعها..أنها من ألة راضية، وأن الإصابة الرضية تحدث نتيجة ضربة أو ضربات على الجبهة بألة رضية ثقيلة كقطعة حديد أو "شومة".
أعدت سؤال الطبيب أهم سؤال .. ققرت الزوجة وهى الشاهدة الوحيدة أن المتهم اعتدى على المجنى عليه أثناء سجوده بساطور، فهل من المتصور حدوث إصابات المجنى عليه التفتيتية بمقدمة الجبهة وفقاً لهذا التصوير؟
فأجاب.. مستحيل طبعاً من الناحية الفنية، إذ إنه وفقاً لتصورها ما دام ساجداً يتعين أن تكون الإصابة بمؤخرة الرأس وليس بمقدمة الجبهة، كما انه يستحيل أن تحدث إصابات الجبهة التفتيتية على النحو الموصوف بتقرير الصفة التشريحية بساطور، وإنما يتعين أن تحدث بألة راضة كعصا أو شومة.
ترافعت فى القضية .. ولم تكن مرافعة طويلة.. بدأتها .. الآن حصحص الحق وانقشع الزيغ الذى كان يحول بين المتهم وبين الحقيقة المجردة.. لقد بان فرى الحديث وإفك الكلمة وفساد التصوير.. لقد ظهر جلياً أن الزوجة كاذبة وأن حديثها افتراء وبهتان مبين، وأن الحقيقة لها صورة أخرى تعمدت الزوجة أن تخفيها، إنها تعلم علم اليقين أن للواقعة صورة أخرى مغايرة تمام التغاير ومخالفة كل الاختلاف لهذا الإدعاء الباطل على هذا البرىء.. فقد ثبت تناقض أقوالها وعدم مواءمتها مع الدليل الفنى وأقوال الطبيب الشرعى، .. والأن سطع نور الحقيقة على الواقعة التى قدر لها على لسان الشاهدة أن تظل فى غياهب الظلم والظلمات..أن للمتهم أن يحظى بحريته..وأن لكم أن تنطقوا ببراءته.
رفعت المحكمة الجلسة.. وعادت لتنطق بالحق.. وقضت ببراءة المتهم بعد أن كان بين يدى عشماوى.
لكن باب الحقيقة مازال موصوداً حتى الآن .. مغلقاً عليها .. وبات التساؤل الذى يحير بال الجميع ويقلق فكرهم..من القاتل إذاً؟.. ما الدافع الذى حدا به إلى قتل هذا الشيخ الطاهر النقى الذى لقى ربه وهو ساجد؟.
ما أقسى على ضمير الحقيقة وذمة العدالة أن يزال القاتل حراً طليقاً.. وبات من المتيقن فى ضميرى أن وراء مصرع المجنى عليه سراً تخفيه هذه السيدة، ولكن ما هذا السر.. هل بعد أن أصبحت تحمل جنيناً منه ستكون بمولده هى المهيمنة والمسيطرة على ثروة زوجها، يكمن هذا السر بعد أن أصبحت هى المستفيدة وواضعة اليد على كل أملاك زوجها بلا منازع، ولكن ما الدليل؟.