قضت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، اليوم السبت، برفض الدعوى المطالبة بعدم دستورية نص المادة (33) من قانون نظام البريد رقم 16 لسنة 1970.
وأقامت المحكمة قضاءها تأسيسًا على أن الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقــوق - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط محددة تعتبر توخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها.
ويتمثل جوهر هذه السلطة فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة التى تتزاحم فيما بينها على تنظيم موضوع محدد، فلا يختار من بينها غير الحلول التى يقدر مناسبتها أكثر من غيرها لتحقيق الأغراض التى يتوخاها، وكلما كان التنظيم التشريعى مرتبطًا منطقيًا بهذه الأغراض - وبافتراض مشروعيتها - كان هذا التنظيم موافقًا للدستور.
وحيث كان ما تقدم، وكان من بين الخدمات التى تقدمها مكاتب البريد لعملائها، وفقًا لنص المادة (1) من قانون نظام البريد الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 1970، الخدمات المالية، وينطوى تحت لوائها الشيكات البريدية التى تمنحها لعملائها لاستخدامها فى تعاملاتهم مع الغير، للسحب بموجبها من حساباتهم البريدية الجارية، باعتبارها أداة وفاء تقوم مقام النقود، وتستحق الدفع لدى الاطلاع عليها، شأنها فى ذلك شأن الشيكات المصرفية (البنكية)، وهو ما حدا بالمشرع منذ تاريخ العمل بقانون نظام البريد المشار إليه فى 6/4/1970، لإصباغ الحماية الجنائية عليها، بما نص عليه فى المادة (33) منه على أن "تسرى على الشيكات البريدية أحكام المادة (337) من قانــون العقوبات"، الخاصة بصور جرائم إصدار شيكات لا يقابلها رصيد قائم وقابل للسحب.
واستمرت الحماية الجنائية للشيكات البريدية على هذا النحـــــو، ولمدة ناهــــزت خمسة وثلاثيــــن عامًا، إلـــــى أن صــــدر القانـــون رقـم 158 لسنة 2003 بتعديل بعض أحكام قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، إذ تم بموجب المادة الأولى منه إلغاء نص المادة (337) من قانون العقوبات اعتبارًا من 1/10/2005، ومنذ ذلك التاريخ زالت الحماية الجنائية عن الشيكات البريدية، لعدم وجود محل للإحالة بشأنها إلى أحكام المادة (337) من قانون العقوبات، على نحو ما كانت تنص عليه المادة (33) من قانون نظام البريد، فضلاً عن أن المادة (475) من قانون التجارة المشار إليه، تطلبت فى الصك الذى يعتبر شيكًا، أن يكون مسحوبًا على بنك، ومحررًا على نماذج البنك المسحوب عليه، وهو ما لا يتوافر فى الشيكات البريدية، الأمر الذى حدا بالمشرع لإقرار القانون رقم 179 لسنة 1981، الذى استبدل نص آخر بنص المادة (33) من قانون نظام البريد، ليصير "استثناء من نص المادة (475) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، تسرى فى شأن الشيكات البريدية أحكام الفقرات 1، 3، 4 من المادة (534) من القانون المشار إليه".
وذلك بهدف - وعلى ما ورد بالمذكرة الإيضاحية لمشروع ذلك القانون، وما دار بشأنه من مناقشات بمجلس الشعب - مواجهة ما ترتب على إلغاء نص المادة (337) من قانون العقوبات، مما أدى إلى انحسار الحماية الجنائية المنصوص عليها بالمادة (33) من قانون البريد عن الشيك البريدى، الأمر الذى يستلزم إعادة تلك الحماية بتعديل تشريعى لنص تلك المادة، بما يكفل تحقيق الحماية الجنائية للمعاملات المالية التى تجرى بموجب شيكات بريدية بعد تاريخ العمل بالقانون رقم 179 لسنة 2008، وما يجب أن يتوافر فى التعامل بها من ثقة واطمئنان، باعتبارها أداة وفاء، تقوم مقام النقود، وتؤدى دورًا اقتصاديًا بالغ الأهمية. وقد اتسم مسلك المشرع فى هذا الشأن بالموازنة الدقيقة بين مصلحة المجتمع وما يتطلبه من استقرار المعاملات المالية من جهة، وحقوق وحريات الأفراد من جهة أخرى. وقد ارتبطت الوسيلة التى اتخذها المشرع فى هذا الشأن، ارتباطًا منطقيًا وثيقًا بالغاية التى توخاها.