قال الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر، إن ما تحدثه الجماعات الإرهابية من إرعاب وتدمير وتخريب وسفك لدماء الأبرياء يجعل الغضب الكامن فى صدور الشرفاء المستنكرين لهذه الفظائع التى يرتكبها هؤلاء المجرمون، يدفع كثيرًا منهم إلى الوقوع فى أخطاء علمية عند التحدث عن هؤلاء المجرمين، ولعل ما يدفعهم إلى الوقوع فى هذه الأخطاء هو البحث عن أشد الأوصاف لهؤلاء الأشرار جزاء ما يرتكبونه من جرائم، لكنهم لا يدركون أنهم بهذه الأوصاف يخففون عنهم من حيث يريدون تحقير شأنهم والتشدد فى وصفهم.
وأضاف خلال محاضرته بكلية التدريب والتنمية بأكاديمية الشرطة، أن من هذه الأخطاء أن يوصَف هؤلاء الإرهابيون بأنهم خوارج أو بغاة أو خارجون عن ملة الإسلام، فهذه الأوصاف وإن كانت فى ظاهرها تبلغ المنتهى فى النيل من هذه الجماعات المجرمة فى ظن الناطقين بها، فإنها فى الحقيقة تخفيف لا يستحقه هؤلاء المجرمون؛ فوصفهم بخوارج العصر أو البغاة غير دقيق، وهو تخفيف لا يستحقونه، ذلك أن البغى له معنى معين وضوابط محددة فى الفقه الإسلامى، فهو الخروج عن طاعة ولى الأمر ورفض الاعتراف به، ولا يوصَف البغاة بذلك إلا إذا تحقق فى شأنهم جملة من الشروط، أهمها: امتلاكهم شبهة قوية فى الظاهر يجعلونها دليلًا لخروجهم على ولى الأمر، كشبهة الخروج على سيدنا على حين قَبِلَ تحكيم أبى موسى الأشعرى وعمرو بن العاص بينه وبين معاوية - رضى الله عنهم جميعًا - حيث رأى الخارجون عليه أن فى ذلك مخالفة لكتاب الله عز وجل الذى يقول فيه: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ).
ويُشترط كذلك أن يكون للخارجين على ولى الأمر قوة ومِنعة تمكِّنهم من قتال جيش الحاكم الذى خرجوا عليه، وأن يكونوا متحيزين بمكان ما يسيطرون عليه ويمنعون الحاكم ومَن معه من دخوله أو إنفاذ قوانينه فيه.
وأكد وكيل الأزهر أن المتابع لجماعات الإرهاب المتعددة المنتشرة فى بلاد العرب والمسلمين، بل فى العالم شرقه وغربه، لا يرى اكتمال هذه الشروط فيها، فكل جماعة من هذه الجماعات يتوافر فيها بعض هذه الشروط وينتفى عنها بعضها الآخر، ومن ثم فلا يصح إطلاق وصف الخوارج أو البغاة عليهم، فضلًا عن أنه يمنحهم تخفيفًا لا يستحقونه أصلًا.
وأشار عباس شومان إلى أن وجه التخفيف الذى يترتب على وصف هؤلاء المجرمين بالبغاة أو الخوارج، أن للبغاة فى شريعتنا أحكامًا معينة، منها أنهم لا يقاتَلون ما لم يبدءوا هم بالقتال، حتى لو أعلنوا خروجهم على الحاكم، وامتلكوا القوة وتحيزوا، وهذا ما فعله الإمام على مع الخارجين عليه حين كانوا يعرِّضون به كلما رأوه قائلين: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)؛ حيث قال لهم: (كلمة حق أريدَ بها باطل، لكم علينا ألا نمنعكم مساجد الله ولا نبدؤكم بقتال). وهناك ضابط آخر فى قتال الخوارج، وهو أنه إذا كان قتال، فإنه يبدأ متدرجًا من الأخف إلى الأشد، فإن كان شرهم وخطرهم يندفع بالوعظ والإرشاد وتصحيح فهمهم للشبهة أو الشبهات التى جعلتهم يرفضون طاعة الحاكم، فلا يجوز قتالهم، وإلا فتهديدهم باستخدام القوة، فاستخدامها استخدامًا متدرجًا من الضرب إلى الإصابة بالجروح والكسور دون الإجهاز على الجريح منهم بالقتل، ودون إتباع المدبر الذى يفر من ساحة القتال، فإن لم تنكسر شوكتهم إلا بالقتل جاز القتل.
ومن ثم، فإن التعامل مع الخوارج أو البغاة إنما هو لكسر شوكتهم وإضعافهم وليس لإفنائهم؛ فالبغاة فى نظر الإسلام - مع بغيهم - فريق من المسلمين ليس مطلوبًا القضاء عليهم وإنما كف شرهم ومنع أذاهم متى أمكن ذلك، فالله سبحانه أثبت فى قرآنه صفة الإيمان للفئة الباغية، يقول الله عز وجل: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا)، فوصف المولى تعالى الطائفتين المتقاتلتين بالمؤمنين ولم يجردهم من الإيمان، ولا أظن أن مَن يصفون الإرهابيين بالخوارج أو البغاة يرضيهم هذا النوع من التعامل مع هؤلاء المجرمين!
وأوضح وكيل الأزهر أنه فى بعض الأحيان يصف بعض الناس هؤلاء المجرمين بالكفر، رغبة فى مجازاتهم بخستهم وحقارتهم، لكن الكفر وإن بدا فى ظاهره وصفًا ينال منهم، إلا أنه فى الحقيقة قد يمكِّنهم من الإفلات من العقوبة إذا ما أمسك بهم رجال الجيش أو الشرطة وأحيلوا للمحاكمة؛ حيث يمكنهم قبل النطق بالحكم عليهم إعلان توبتهم ونطقهم بالشهادتين، وهنا يلزم القاضى الحكم ببراءتهم؛ لأن الإسلام يَجُبُّ ما قبله، ولا أظن أيضًا أن المطالبين بتكفيرهم يريدون أو يقبلون إفلات هؤلاء المجرمين من العقاب بهذه الحيلة!
وحدد وكيل الأزهر التوصيف الشرعى اللائق بهؤلاء الإرهابيين والذى لا ينبغى أن يوصفوا بغيره، هو أنهم محاربون لله ورسوله، أو مفسدون فى الأرض، أو قطاع طريق. وإنما كان وصف الإرهابيين بالمحاربين لله ورسوله المفسدين فى الأرض هو الوصف المناسب لهم؛ لأنه الوصف الذى يمكِّن من التعامل مع هؤلاء الإرهابيين بما يتناسب وهول الجرائم التى يرتكبونها، ويفوِّت عليهم فرصة الإفلات من العقاب بأى حيلة كانت؛ لأن مجرد اجتماع المفسدين وعزمهم تنفيذ جرائم ضد الآمنين يجيز البدء فى التعامل معهم كمجرمين وإن لم يرتكبوا جرائم بالفعل، وإذا ما ثبت لهم وصف الإفساد فى الأرض، يحق للقاضى عندئذ أن يُنزل بهم أشد عقوبة وردت فى شريعة الإسلام دون نظر لنوع الجرائم التى ارتكبوها، يقول الله تعالى: (إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْى فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، كما أن إعلانهم التوبة بين يدى القاضى غير مقبول ولا يعفيهم من العقاب؛ وذلك لقول الله تعالى بعد الآية السابقة مباشرة: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أن اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، فتوبتهم مقبولة متى كانت قبل وقوعهم فى قبضة رجال الأمن، أما بعدها فلا، بخلاف التوبة من الكفر، فهى مقبولة حتى بين يدى القاضى، ولا شك أنهم لا يستحقون ذلك بعد ما ارتكبوه من فظائع، ووصفهم بالخوارج كذلك مانع من التعرض لهم ما داموا لم يستخدموا القوة بالفعل.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن وصفهم بالمفسدين فى الأرض يمكِّن من معاقبة مَن ساعدهم أو تستر عليهم وليس مَن اشترك فى تنفيذ الجرائم فقط، كما يمكِّن وصفهم بالمفسدين فى الأرض قوات الجيش والشرطة من مباغتتهم دون إنذار، واستخدام القوة اللازمة للقضاء عليهم دون اشتراط تدرج فى استخدامها متى تأكد أن هؤلاء إرهابيون أفرادًا كانوا أو جماعات، ولا يمكِّن أى مصطلح آخر يطلق عليهم من ذلك.
وفى ختام محاضرته طالب وكيل الأزهر بضرورة التوقف عن وصفهم بالخوارج أو البغاة أو الكفار، فالوصف الأليق بهم الذى يترتب عليه العقوبة الأشد فى شريعة الإسلام هو وصفهم بالمفسدين فى الأرض المحاربين لله ورسوله، وهذا العقاب هو ما يثلج صدورنا وصدور ذوى شهدائنا الأبرار، فضلًا عن أننا من الناحية العلمية لا نملك وصفهم بوصف ثم نخرج عن ضوابطه المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله، كما هو الحال فى وصفهم بالخوارج أو البغاة.