مع اقتراب موعد العرس يقوم العريس بطبع دعوة فرحه التى يؤرخ فيها موعد سعادته، لكن فى مركز البدرشين محافظة الجيزة طبعت دعوة فرح، لكنها هذه المرة من أجل غرض آخر، إنها دعوة صلح فى خصومة ثأرية أرقت عائلتين ليال عديدة إلى أن جاءت اللحظة التى يرضى فيها الطرفات ويتقدم الجانى بكفنه ليتلقى هو الآخر دعوة لـ”موعد مع الحياة”.
“إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون” – 10 الحجرات- بهذه الآية الكريمة بدأت جلسة صلح ومراسم كفن ” جودة ” عائلة آل شعلان بالبدرشين وعائلة أبو ناصر بالشوبك الغربى ، لثأرٍ عن جريمة قتل.. فمنذ أكثر من عامين نشب خلاف بسبب نسب بين العائلتين ،فقام أحد أبناء عائلة ناصر بقتل أحد أبناء عائلة شعلان ، والقاتل الآن يقضى فترة عقوبته داخل السجون ، ولأن الثأر عادةً تخرب البيوت وتقطف زهور شبابنا وتقضى على الأخضر واليابس ، فسعى أهل البلدة الطيبون لوقف سلسال الدم هذا بين العائلتين.
هذا العرس المهيب حضره كافة أهالى المركز وكبار ورجال الأمن ،فبعد قراءة القرآن الكريم وإلقاء كلماتٍ من الحاضرين لتهدئة النفوس وتهيئتها لحضور الشابُ الذى وقع عليه الاختيار لتقديم كفنه، وقف على المنصة وأمام جميع الحضور، ينتظره عم القتيل وكبير عائلة شعلان مترقبا حضور الفتى الذى سيقدم كفنه.
يذهب كبير المحكمين فى الجلسة مع عدد من رجال الأمن المسلحين حيث يقف الفتى فى المنتصف بين أفراد الشرطة المسلحين حامل كفنه الأبيض بين زراعيه ويتقدم إلى الأمام فى مشهد مهيب ، خمس دقائق هى المسافة بين مكان الفتى وعم القتيل ولكنها بمثابة خمس سنوات يسير فيها الفتى بأقدامٍ أثقل من جوال تملؤه الرمال ، عينيه يملؤها الحزن والأسى والرعب ، وتتعالى دقات قلبه لتزاحم تكبيرات الحاضرين أثناء السير حتى وصل إلى المنصة ، لينحنى ويقدم كنفه لعم القتيل أمام الجمع الغفير من أهالى المركز، فتقبله منه وإحتضنه ثم أقسموا على أن تنتهى الخصومة والعداء بين العائليين ، وسطر هذا المكان بداية حياة جديدة لذلك الفتى خاصة ولعائلته ناصر عامة.