قال فضيلة الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية: "إن عقد الزواج عقد جليل ورباط قويم، وقد وصفه القرآن الكريم بأنه ميثاق غليظ وفى ذلك إشارة إلى قوة ومتانة هذا العقد الذي يعسر نقضه، كالثوب الغليظ الذي يعسر شقه أو تمزيقه".
جاء ذلك فى الحوار الأسبوعى من حلقة برنامج "مع المفتي" المُذاع على "قناة الناس" الذي يقدِّمه الإعلامي شريف فؤاد، مضيفًا فضيلته أن وصف عقد الزواج بالميثاق الغليظ يضفي على هذا العقدِ جلالاً وهيبة، وتقديرًا واحترامًا، وينبّه الزوجين إلى أن هذا العقد مستمر ومقاوم للعواصف الأسرية والأزمات الحياتية والصعاب المختلفة، ومحفزًا لهما أن يأخذا على أنفسهما العهد والميثاق بأن يحسنا العشرة فيما بينهما مصداقًا وتطبيقًا لقوله عز وجل: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا" (سورة النساء 19).
وأضاف أن عدم استحضار أهمية هذا الميثاق الغليظ هو من أهم أسباب فشل العلاقة الأسرية في الخمس سنوات الأولي في معظم حالات الطلاق مما يبين عدم الاستعداد الجيد لهذه المرحلة الجديدة؛ لذا فنحن نقدر اقتراح دورات المقبلين على الزواج التي أنشأناهم فيدار الإفتاء المصرية، والتي أطلقنا عليها فيما بعد دورات المقبلين على الحياة.
ولفت المفتى النظر إلى أن الاستعداد لعقد الزواج بكل إجراء من شأنه تحقيق حماية الأسرة أولى من الاستعداد للمشروعات الكبيرة، فهو لا يُقدم عليها إلا بعد دراسة شاملة لكل أوجه هذه المشروعات من دراسة الجدوى ونحوها، لكي تثمر ثمرات حقيقية تحقق الأهداف المرجوة منها، ولا ريب أن هذا العقد الجليل – عقد الزواج -هو أهم مشروع يفعله الإنسان في حياته، ولهذا كان لا بد قبل الإقبال عليه أن يتعرف كل طرف من طرفي هذا العقد على الآخر تعرُّفًا يؤدي إلى تحقيق الوئام بينهما إذا ما تم هذا العقد؛ ولهذا كانت مرحلة الخِطْبة من الأمور المهمة للسير في هذا الشأن الكبير.
ونبّه مفتى الجمهورية إلى أنحل المشكلات بالضرب يخالف الميثاق الغليظ؛ فالضرب مسلك الضعفاء الذين لا يديرون الأسرة إدارة حسنة، وهو مسلك الرجل الأرعن وهو مخالف للمسلك النبوي الشريف ومغاير للنموذج النبوي في التعامل مع زوجاته، فتقول السيدة عائشة رضى الله عنها وعن أبيها: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا من نسائه قط، ولا ضرب خادمًا قط، ولا ضرب شيئًا بيمينه قط إلا أن يجاهد في سبيل الله ".
وأشار فضيلته إلى أن الميثاق الغليظ للزواج يقتضي الامتزاج بين الطرفين وأن يحفظ كل من الزوجين سر الآخر وأن يكون ساترًا لعيوبه كما يكون ساتراً لعورته مصداقًا لوصف الله عز وجل ذلك بقوله: "هُنَّ لِبَاسٌلَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ" (سورة البقرة 188)
واستدل المفتى بقول الإمام القرافي المالكي بعظم عقد الزواج عن غيره من العقود بقوله: " إن الشيء إذا عظم قدره شدد فيه الشارع ما لم يشدد فيما ليس كذلك، ولما كان النكاح عظيم الخطر، جليل القدر؛ لأنه سبب بقاء النوع الإنساني وسبب العفاف الحاسم لمادة الفساد واختلاط الأنساب وغير ذلك من المصالح، لما كان الأمر كذلك شدد فيه الشارع ما لم يشدد في البيع؛ نظرا لسهولة أمر البيع".
وأضاف أن الزواج هو آية من آيات الله فقد جمع الله بين شخصين مختلفين في البيئة والفكر والثقافة والطباع وإن كان هناك تشابه في بعض الجوانب إلا أنه ليس تماثلا تاما فهذا من آيات الله فيقول الله عز وجل: " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ "(سورة الروم 21)
وختم فضيلة المفتى حواره بقوله: "ينبغى أن يتحمل كلمن الزوجين هفوات الآخر وأن يصبر عليه ويتسامح على الزلات وتوافه وعظائم الأمور ويلتمس الأعذار، بل ويعمل على إيجاد الوسائل التي تخلّص الطرف الآخر من المتاعب لتحقيق السكن والمودة، وهذا من مقتضيات الميثاق الغليظ".