قال الدكتور محمد المحرصاوى، رئيس جامعة الأزهر، نائبا عن فضيلة الامام الأكبر الدكتور أحمد الطيب،شيخ الازهر الشريف، إنَّ المتدبر لآيات القرآن الكريم، والناظرِ فيها بعين المتأمل يرى بما لا يدع مجالًا للشك أن السلام وتحقيقه بين بني البشر جميعًا يمثل القاعدة الكلية للإسلام، تلك القاعدة التي تقتضي تحقيق السلام مع النفس، والسلام مع النبات، والسلام مع الطير، والسلام مع الحيوان، والسلام مع الجماد، والسلام مع البيئة، والسلام مع الإنسان الذي هو أخ للمسلم – أيًّا كان معتقده، أو جنسه أو لونه، وتمنع وقوع العداوة والبغضاء، والحقد والشحناء والتي تؤدي بدورها إلى الحروب والدمار والفوضى.
وأكد المحرصاوى، في كلمته التى حملت عنوان السلام في الإسلام خلال افتتاح فعاليات الملتقى الخامس لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة - حلف الفضول فرصة للسلام العالمي – في حضور الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي والشيخ عبدالله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم ، أن تحقيق السلام في الإسلام يمثل القاعدة الكلية لهذا الدين قطعًا فمن المحال شرعًا وعقلًا أن يكون السلام مقتصرًا على المسلم مع أخيه المسلم، بل الحق الذي لا محيد عنه، والذي تدل عليه كليَّات الشرعية، ونصوصها الغرَّاء أنَّ السلام في عقيدتنا وشريعتنا نحن المسلمين يتناول غير المسلم من أصحاب الشرائع الأخرى، وهذا ما نطقت به نصوص شريعتنا .
وقال المحرصاوى ، أن مسالمة المسلم لغيره عند برِّه وحسن معاملته والقسطِ إليه فقط؛ بل تتجاوز ذلك بكثير حتى إن المسلم مطالبٌ شرعًا أن يجير من استجار به، وأن يقوم بحمايته وردِّه إلى داره آمنًا، حتى إنَّ بعض العلماء يقول: تأشيرة الدخول التي تمنحها الدولة لأحد من غير رعاياها تعد عقد أمان في الإسلام يجب الوفاء به، يقول الله تعالى : وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ.
وتابع :"لقد بلغت كلمة السلام بمشتقاتها في القرآن مائة وأربعين مرة ، وفي هذا دلالة على أن السلام هو المقصد الأسمى في الإسلام ، وهو الغاية المأمولة لتحقيق الاستقرار، في المجتمعات بين بني البشر ، وهو أمرٌ من أخص خصائص هذا الدين ومقاصده الكلية" ، مشيرا الى أن المتابع لجهود فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، لا يخفى عليه ما يقوم به فضيلته من ترسيخ للسلام مع الآخر ، ونشر ثقافة التعايش السلمي بين بني البشر ، وألا أدل على ذلك من تلك الكلمة التي وجهها فضيلته إلى رجال الدين بالغرب في جامعة مونستر ، والتي اتسمت بالصراحة والمصارحة الشديدتين حيث قال: « أيها السادة العلماء : والآن كيف ننزل بمفهوم السلام في الأديان إلى هذا الواقع المعقد ؟ والإجابة التي أختم بها كلمتي هي: لابد أولاً من صنع السلام بين رجال الأديان أنفسهم ، وليس بين رجال الدين الواحد ، بل بينهم وبين المفكرين وأصحاب القرارات المصيرية، والتي كثيراً ما تعول في قرارها على المصالح والأغراض بعيداً عن القيم والمبادئ الإنسانية ، وهذه معضلة تحتاج – أولاً – إلى حوار باحث عن المشتركات بين الأديان، وما أكثرها وأهمها ، فما لم يتصالح رجال الأديان فيما بينهم ، فإنه لا أمل في قدرتهم على الدعوة للسلام ، والتبشير به بين الناس ، إذ فاقد الشيء لا يعطيه » .
وأضاف المحرصاوى " ولا يَزالُ الأزهرُ يسعى من أجلِ التعاون في مجال الدَّعوَةِ إلى ترسيخ فلسفة العَيْش المُشتَرَك وإحياء منهجِ الحوار، واحتِرام عقائد الآخرين، والعملِ معًا في مجالِ المُتفق عليه بين المؤمنينَ بالأديان وهو كثيرٌ وكثيرٌ... فلْنَسْعَ معًا من أجلِ المُستضعَفِين والجائِعين والخائفين والأسرى والمُعذَّبين في الأرضِ دون فرزٍ ولا تصنيفٍ ولا تمييز".