قال الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنه من خلال القراءة الدقيقة للمعاهدات والمواثيق التي عقدها المسلمون مع غيرهم، والدراسة المتأنية لدواعيها نجد أن هناك مبادئ وقواعد حاكمة لتلك المعاهدات وهي ضمان الحقوق والحريات الأساسية للأفراد، وعلى رأسها حرية الاعتقاد، وحرية العبادة، وحرية الرأي، وحرية التنقل، ووثيقة المدينة خير شاهد على ذلك ، والحفاظ على الأرواح وحقن الدماء ووقف القتال، وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، والاهتمام بالمقاصد على حساب الظواهر، وبُعد النظر وعدم الاكتفاء بالمصالح الآنية، وهو ما حدث في صلح الحديبية، وإعلاء قيم الحوار والمواطنة والتعايش السلمي كَسِماتٍ ومبادئَ إنسانيةٍ مشتركة، والتأكيد على قبول الآخر بغض النظر عن دينه أو جنسه أو عِرقه ، والتكامل الاقتصادي والتواصل الاجتماعي بين الأطراف المختلفة، مع استقلال الذمة المالية وعدم الاعتداء على الممتلكات الخاصة أو العامة ، نشر مبادئ العدل والإحسان والمساواة بين الناس، وحماية الأوطان وسلامة أراضيها، وعدم التفريط في حقوقها أو ثرواتها.
وأكد "شومان"، خلال مشاركته فى الملتقي الخامس لمنتدي تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة والذي يعقد تحت عنوان حلف الفضول فرصة للسلام العالمي أن فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الراحل الشيخ محمود شلتوت ، قد أجمل هذه الضوابط بقوله: «والإسلام حينما يترك للمسلمين الحقَّ في إنشاء المعاهدات يشترط في صحة المعاهدة ثلاثة شروط: الشرط الأول: ألَّا تمسَّ قانونه الأساسي وشريعته العامَّة التي بها قِوَامُ الشخصية الإسلامية. الشرط الثاني: أن تكون مبنية على التراضي من الجانبين، ومن هنا لا يرى الإسلام قيمة لمعاهدة تنشأ على أساس من القهر والغلبة وأزيز (النفاثات). وهذا شرط تُمْلِيهِ طبيعة العقد؛ فإذا كان عقد التبادل في سلعة ما - بيعًا وشراءً - لا بُدَّ فيه من عنصر الرضا: {إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} ، فكيف بالمعاهدة، وهي للأُمَّة عقد حياة أو موت؟! الشرط الثالث: أن تكون المعاهدة بيِّنة الأهداف، واضحة المعالم، تُحَدِّدُ الالتزامات والحقوق تحديدًا لا يَدَعُ مجالًا للتأويل والتخريج واللعب بالألفاظ، وما أُصِيبت معاهدات الدول المتحضِّرة - التي تزعم أنها تسعى إلى السِّلم وحقوق الإنسان - بالإخفاق والفشل، وكان سببًا في النكبات العالمية المتتابعة، إلا عن هذا الطريق، طريق الغموض والالتواء في صوغ المعاهدات وتحديد أهدافها. وفي التحذير من هذه المعاهدات يقول الله تعالى: {وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ}».
كما أكد على أهمية التزام المسلمين ووفاءهم بالعهود والمواثيق التي قطعوها على أنفسهم من خلال ممثليهم سواء كانوا حكامًا أو مَن يفوضونهم، هو واجب ديني مستمد من نصوص صريحة، والإخلال بها غدر وخيانة، وما ذاك إلا ليعم الأمن والأمان، وتنعم البشرية بالعدل والسلام، لكن ذلك ينبغى أن يكون عن عزة وقوة لا عن ضعف وخوف؛ فشتانَ شتانَ بين السلام والاستسلام، ومن المعيب الخلط بينهما، بل إن المبالغة في قبول غطرسة المتغطرسين بدعوى أننا أمة سلام لَهِيَ عين الاستسلام والانهزام والانكسار المذموم عُرفًا وعقيدة، وهذه الحال لا تناسب حال أمة العزة والكرامة.
وأشار إلى أن المعادلة المنطقية، بل الواجب الديني، يقتضي أن نكون أمةً مسالمةً مع مَن سالمها، باطشةً أشدَّ البطش مع مَن عاداها وتجبر عليها. ووقائع التاريخ، بل إن موازين القوى في العالم الآن، تثبت بجلاء أنه لا احترام إلا للقوى، وأن الضعيف المتخاذل مطمع لكل طامع، وقد حذرنا رسولنا الكريم من أيام إن لم نكن نعيش فيها الآن، فأظن أننا بتخاذلنا وتشرذمنا وضعفنا قد اقتربنا منها كثيرًا، فقال ﷺ: «يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها. قالوا: من قلة يومئذ؟ قال: لا، بل كثير، ولكن كغثاء السيل»، ولا شك أن ذلك يقتضي أن تستعيد أمتُنا قوتَها ومجدَها وعزتَها، لتكون سلامًا مع مَن سالمها، ونارًا حارقة تفتك بمَن يعاديها.