قال الدكتور يوسف عامر ،نائب رئيس جامعة الأزهر لشئون التعليم والطلاب ،لقد جاء الإسلامُ لنشر القيمِ الصحيحة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» وهذه المكارمُ لا يرادُ بها أن تكونَ بين المسلمين فقط، وإنما للناس كافة. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" رواه أبو داود والترمذي. والرحمةُ هنا جاءت عامةً أي ليست مقصورةً على بني آدم فقط بل تشملُ الحيوان والنبات والجماد.
وأضاف خلال كلمته باللقاءً الحواري والمنعقد تحت عنوان "حوار السلام والطمأنينة.. سفراء الأزهر والرهبنة الفرنسيسكانية"،والذى تقيمه المنظمة العالمية لخريجي الأزهر بالتعاون مع الرهبان الفرنسيسكان بالقاهرة،ومن مكارم الأخلاق التي يحث عليها الإسلامُ في التعامل مع الناس جميعًا التالي:
عدمُ الظلمِ:حرم اللهُ الظلمَ بين العبادِ حتى مع من يظلمُ، قال اللهُ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون}[المائدة:8]، وذلك ضَمانًا لحياةٍ كريمةٍ لجميعِ البَشَرِ في الشَّرْقِ والغَرْبِ بعيدًا عن سياسةِ الكَيْلِ بمِكيالَيْن.
عدمُ الاعتداءِ على الآخر:أمرنا اللهُ –عز وجل- بالبر مع أهلِ الكتابِ، والبِرُّ أعلى درجاتِ الإحسان، فقال تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ (المائدة: 32). ويقول سبحانه:{لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين}[الممتحنة:8]. ويقول تعالى: (وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة:190) ويقول رسول الله : " إن المؤمنَ مَنْ أَمِنَهُ الناسُ على دمائِهم وأموالِهم".
ثانيًا مبدأُ: الزواجِ: ذلك الرباطُ المقدسُ الذي يكون بين الرجل والمرأة من زواجٍ صحيحٍ يتبعهُ إنجابُ الأبناءِ واستخلافِ ذريةٍ تَعْمُرُ الأرضَ... ما كان الإسلام لِيُقِرَّ هذه العلاقةُ لو أن هناك صراعًا بين الطرفين بحيث يُقْصي كلٌّ منهما الآخر أو يحاولُ القضاءَ عليه؛ لأن علاقةَ الزواجِ هذه من أسمى العلاقاتِ الإنسانية بين البشر، فهي مبنيةٌ على الحب، فالحبُّ هو الوسيلةُ الوحيدةُ التي تسمحُ للجميع بالتعايش.
ثالثًا مبدأُ: عدمِ التمييز: جاء الإسلامُ بعدم التمييز بين جنسٍ وآخر أو لونٍ ولون، وكان من وصايا النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم في حِجَّةِ الوداع: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِي عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلاَّ بِالتَّقْوَى،..».
رابعًا مبدأُ: التعايشِ: دينُ اللهِ واحدٌ: وما كان لشخصٍ أن يفرقَ بين دينٍ ودين: قال اللهُ تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى:13].
خامسًا مبدأُ: حريةٍ الاعتقاد: لم يُجْبرْ الإسلامُ غيرَ المسلمين على اعتناقِ الدينِ الإسلامي، فقال تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}[البقرة:265]، وقال تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين}[الكافرون:6].
واضاف أن الَنوايا الحسنةَ متوفرةٌ من أجلِ سلامٍ يَعمُّ العالمَ، ولن يتمَّ هذا السلامُ إلا بالسعي من أجل تحقيقِ ما تصبو إليه هذه النوايا من خيرٍ لصالح الإنسانية، وذلك من خلال التوحدِ والعملِ المشترك، القائم على الاحترامِ المتبادلِ،وأنَّ السلامَ يتحققُ بالعمل كأسرةٍ واحدةٍ من أجلِ توريثِ أبنائِنا إرثًا غيرَ إرثِ السابقين خاليًا من العداوة والبغضاء...فتعالوا لنعملَ معًا من أجل استخلافِ أبناءٍ صالحين،تعالوا نُصلِحُ ما أفسدته الحروبُ وما خلّفتهُ في نفوسِ الكثيرين من عداوةٍ وبغضاءَ باسم الأديان، والأديان منهم بَراء، فليست الأديانُ هي التي تدعو إلى الإرهاب، ولكن المصالحَ السياسيةِ والصراعاتِ الاقتصاديةِ هي التي تؤججُ الصراعاتِ بين الدول. وبين الناس بعضُهم بعضًا.
وتابع :السلامُ خيارٌ لا بديلَ عنه: إن اللهَ خلق البشرَ جميعًا متساوون في الحقوق والواجبات ودَعاهُم للعَيْشِ كإخوةٍ فيما بَيْنَهم ليُعَمِّروا الأرضَ، ويَنشُروا فيها قِيَمَ الخَيْرِ والمَحَبَّةِ والسَّلام، كما حرَّم إزهاق الأرواح، وقال في كتابه الكريم {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُون}[الحشر:23]، وقال الله تعالى في كتابه الكريم على لسان سيدنا عيسى عليه السلام: {وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}[مريم:33]،ونهى الله –عز وجل- عن قتل النفس بغير حق فقال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون}[الأنعام:151].
وتقد نائب رئيس جامعة الازهر بعدد من التوصيات على النحو الآتى:
1. العملُ المشتركُ وفقَ برنامجٍ يحددُ جوانبَ التقارب، بحيث يتمُّ التركيزُ عليه وترك جوانبِ التباعدِ يَعذُرُ بعضُنا بعضًا فيها، وذلك من أجل نبذِ سياساتِ التعصب والتفرقة التي تَعبَثُ بمَصائِرِ الشُّعُوبِ ومُقَدَّراتِهمِ.
2. إعلاءُ قِيَمِ التعارُّفِ المُتبادَلِ من أجل خلقِ مناخِ الحُرِّيَّةِ التي وَهَبَها اللهُ لكُلِّ البَشَرِ وفطَرَهُم عليها ومَيَّزَهُم بها، كما يساعدُ على الحوار. فلنجعل التعارُفَ المُتَبادَلِ نَهْجًا وطَرِيقًا للعمل بين الجميع، ولن يتحققُ السلامُ إلا إذا ألزمنا أنفُسَنا ودعَوْنا قادَةَ العالَمِ، وصُنَّاعَ السِّياساتِ الدَّولِيَّةِ والاقتصادِ العالَمِيِّ، بالعمَلِ على نَشْرِ ثقافةِ التَّسامُحِ والتعايُشِ والسَّلامِ، ووقف سَيْلِ الدِّماءِ البَرِيئة.
3. إن اللهَ خلقَ في الكون الجمال، وساوى بين الناس فلم يجعل لأعجمي فضل على عربي ولا لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، ولن ننعم بالجمال دون تعايش سلمي، ولن يكون لدين انفراد بالكون على حساب دين آخر، ولا لطائفة على أخرى... فلنعمل معًا في ظل هذا الاختلاف والتنوع، لأنه ليس لدينا خيار آخر.
4. إنَّ عالَمنا المُعاصِرِ يحتاج إلى يقظة الضميرِ الإنسانيِّ والتمسك بالأخلاقِ الدِّينيَّةِ، والحرص على إعلاء المَبادِئِ العُلْيَا.
5. إننا في حاجة إلى وقف التَراجَع الأخلاقي ووقف تراجع القِيَمُ الرُّوحِيَّةُ، والعمل على الشُّعُور بالمَسؤُوليَّةِ.
6. التأكيد على أهميَّةِ إيقاظِ الحِسِّ الدِّينيِّ والحاجةِ لبَعْثِه مُجدَّدًا في نُفُوسِ الأجيالِ الجديدةِ عن طريقِ التَّربيةِ الصَّحِيحةِ والتنشئةِ السَّليمةِ والتحلِّي بالأخلاقِ والتَّمسُّكِ بالتعاليمِ الدِّينيَّةِ القَوِيمةِ لمُواجَهةِ النَّزعاتِ الفرديَّةِ والأنانيَّةِ والصِّدامِيَّةِ، والتَّطرُّفِ والتعصُّبِ الأعمى بكُلِّ أشكالِه وصُوَرِه.
7. رفض كُلَّ المُمارَسات التي تُهدِّدُ الحياةَ؛ كالإبادةِ الجماعيَّةِ، والعَمَليَّاتِ الإرهابيَّة، وغيرها.
8. وَقْفِ استخدامِ الأديانِ في تأجيجِ الكراهيةِ والعُنْفِ والتطرُّفِ والتعصُّبِ الأعمى، والكَفِّ عن استخدامِ اسمِ الله لتبريرِ أعمالِ القتلِ والتشريدِ والإرهابِ والبَطْشِ.
9. استغلالُ دَوْرِ الأديانِ في بِناءِ السَّلامِ العالميِّ، من خلال التمسُّك بقِيَمِ السلام.
10. إيقاظِ نَزْعَةِ التديُّن لدى النَّشْءِ والشبابِ؛ لحمايةِ الأجيالِ الجديدةِ من سَيْطَرَةِ الفكرِ المادِّيِّ.
11. تعزيزُ دورِ الحوارَ والتفاهُمَ ونشرَ ثقافةِ التسامُحِ وقَبُولِ الآخَرِ لاحتواءِ كثيرٍ من المشكلاتِ الاجتماعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة والبيئيَّة التي يعاني منها الجميع.
12. حمايةَ دُورِ العبادةِ، من مَعابِدَ وكَنائِسَ ومَساجِدَ، واجبٌ تَكفُلُه كُلُّ الأديانِ.
13. تصحيح المفاهيم الخاطئةِ لنُصُوصِ الأديانِ.
14. زيادة المساحة الإعلامية لمحاربة الجماعات المتطرفة، والأفكار الهدامة.
15. التركيز على دور المرأة في التعليمِ والعملِ وتنشئة أجيال صالحة تتعامل مع البشر على مبدأ الأخوة الإنسانية.
16. التواصل مع صُنَّاعِ القرارِ العالميِّ؛ لنشرِ مَبادِئَ الخير والحب والبعد عن الصراعات، وترجمته في قَراراتٍ ونُصوصٍ تشريعيَّةٍ، ومَناهجَ تعليميَّةٍ ومَوادَّ إعلاميَّةٍ.
17. تشكيل فريق عمل مشترك لتنفيذ توصيات هذه الفاعلية.
اللقاء يأتي في إطار التعاون وإحياء لذكرى اللقاء الذى تم في مدينة دمياط عام 616هجرياً الموافق 1219 ميلادياً بين القديس فرنسيس الأسيزي – مؤسس الرهبنة الفرنسيسكانية الكالثولوكية وخامس سلاطين الدولة الأيوبية "الكامل اليوبي"، والتي تعد أحد ركائز حوار السلام ونشر الطمأنينة بين الشعوب وهو ماترتب عليه تواجد الفرنسيسكان في مدينة القدس والتواجد في مصر والشرق الأوسط.