أكد الدكتور محمد بشارى المفكر، وأمين عام المجلس العالمى للمجتمعات المسلمة، أن المفاهيم تغيرت بعد النبى صلى الله عليه وسلم.
وأضاف البشارى، خلال المؤتمر الثلاثون للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية (فقه بناء الدول... دراسة فقهية عصرية)، أن التحولات المتسارعة الطارئة على العالم العربى، أوجدت مساحة واسعة، سمحت بنشر المعمعة الفكرية، وزيادة الضبابية، التى اتخذ منها الكثير "فرصة تنصيب" وأرضية خصبة لفرض أفكارهم المبنية على قضاء مصالحهم المبطنة، ليبثوا على الصعيد الثقافى والإعلامى فقط مئات المنشورات والمؤلفات آخذة من قضية "بناء الدول" طعماً لها، ليكون الهدف هو تطويع الظروف ونزع مقومات وأساسات الدول و"أسلمتها" انتصاراً لفكرة "الدولة الإسلامية"، عن طريق تجييش المجتمعات "عاطفياً"، دون الالتفات عما إذا قد أفرز الإسلام نموذج دولة فعلية قابلة للتعميم، وعن ظروف تكوين تلك الدولة وصلاحية استنساخها لكل زمان ومكان. فالنبى الكريم – صلى الله عليه وسلم - قد جاء لنا بالكثير من سننه الشريفة والتصرفات النبوية التى وُجدت لتصرف لكافة أمور الأزمان إذا ما صَلحت لذلك، ومنها ما وَرَد للتطوير منه والأخذ بأسبابه والتصرف بما يناسبه، ومثال ذلك موقف "تأبير النخل" المعروف. وليس لجهة ولا لفرد أن يطوع ثانى مصادر التشريع لما يراه هو آخذاً ما وافقه، ومتجنباً ما يقيم الحجة عليه.
واشار إلى أن اضطراب المفاهيم بعد العصر النبوي
إن الدولة "الإسلامية" التى بناها الرسول(ص) كانت تجاوزا راديكالياً للانتظام القبلى، وتجلى هذا التجاوز بشكل رئيس فى بناء العضوية أو المواطنة على التزام تعاقدى يستند إلى جملة من المصالح، وليس على الرابطة التى ضعفت وخف وهج الالتفات اليها وهى رابطة الدم، ولكن جرت العديد من الحوادث والتطورات السياسية التى لها ما لها من ارتباط بالصراع فيما بين الجماعة الإسلامية وقريش أفقرت المواطنة وأضعفت محتواها المتعدد دينيا وسياسيا، ويرجع ذلك لتورط اليهود بحبك مؤامرات تستهدف أمن دولة الرسول الكريم، مما أدى لظهور دولة إسلامية بمعناها الكامل الذى لم يعترف بالمواطنة إلا لأهل الملة المسلمة.
وقال لقد كان إعلان وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم - صدمة للضّمير الدّينى الإسلامى. باعتباره الوسيط بين السّماء والأرض، لذلك اختلفت طرق التّقبّل وردود الأفعال باختلاف الفاعلين الاجتماعيّين؛ فبرز أول موقف انفعالى بعمر بن الذى لم يصدّق نبأ الوفاة. وقد أورد ابن هشام فى السّيرة النبويّة تفاصيل هذا الموقف " لمّا توفّى رسول الله (ص) قام عمر بن الخطّاب فقال: أن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله (ص) قد توفّى، وإنّ رسول الله (ص) والله ما مات، ولكنّه ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى بن عمران فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثمّ رجع إليهم بعد أن قيل قد مات، والله ليرجعنّ رسول الله (ص) كما رجع موسى فليقطعنّ أيدى رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله (ص) مات. "
وقال أن ما تحاول جماعات "الإسلام السياسي" من فرضه على شكل وهيكلة "الدولة" فى العالم، لا يتخذ من الإسلام الحق قدوة حسنة، بل أن انحسارها فى الإطار الدينى يشبه لدرجة كبيرة شكل الدولة الدينية التى سادت فى العصور الوسطى فى أوروبا والتى قامت على الإقطاع وتحالف السلطة الدينية مع السلطة المدنية فى تأسيس دولة "المدينة".