توافدت حشود الجالية المصرية المقيمة فى الكويت صباح اليوم الثلاثاء، على مقر الكنيسة الأرثوذكسية القبطية المصرية بالكويت، للتهنئة بعيد الميلاد المجيد؛ حيث كان فى استقبالهم راعى الكنيسة المصرية بالكويت القمص بيجول الأنبا بيشوى، في مشهد جسد عمق مفهوم الوحدة الوطنية بين المصريين، سواء في الداخل أو الخارج.
كما حرص عدد كبير من المسئولين الكويتيين وكبار شخصيات المجتمع الكويتي، على الحضور لمقر كنيسة مارمرقس المصرية لتقديم التهنئة بالعيد، تجسيدا لعمق وقوة العلاقات المصرية الكويتية، والتي ازدادات متانة ورسوخا في ظل رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.
وتعود جذور الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية بالكويت إلى خمسينيات القرن الماضي؛ حيث بدأت أعداد الأقباط الذين يتوافدون للعمل بالكويت فى التزايد، في وقت كانت الكنيستان الكاثوليكية والإنجيلية مشيدتان في الكويت.
وفى أكتوبر 1959، التقت مجموعة من الأقباط العاملين بالكويت، نيافة المتنيح الأنبا باسيليوس مطران الكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى، وطلبوا منه معاونتهم لبناء كنيسة قبطية أرثوذكسية بالكويت، على أساس أن الأقباط المقيمين بالكويت، يعتبرون جزءا من إيبارشية القدس والشرق الأدنى، ووعد نيافته في ذلك الوقت ببذل كل الجهود والإمكانات في سبيل تحقيق مطلبهم، وطلب منهم إيفاد مندوب عنهم لاستكمال بحث تفاصيل المشروع.
وبالفعل تم إيفاد رمزي زكي إسكندر - نهاية شهر ديسمبر 1959 - حاملا التماسا من الأقباط المقيمين بالكويت؛ ليقوم المتنيح الأنبا باسيليوس، برفعه إلى صاحب الغبطة والقداسة البابا كيرلس السادس، للاتصال بالمسؤولين في الكويت، للحصول على موافقتهم والبدء في اتخاذ الخطوات اللازمة.
ووجه قداسة البابا كيرلس السادس - في 17 مارس 1960 - خطابا إلى أمير الكويت - حينذاك - المغفور له الشيخ عبدالله السالم، يشكره فيه على ما يقابله المسيحيون الأرثوذكس المقيمون بالكويت من رعاية، ويرجوه التصريح ببناء كنيسة أرثوذكسية بالكويت؛ لتأدية الشعائر الدينية الخاصة بالأقباط الأرثوذكس، وحمل رمزي زكي رسالة قداسة البابا كيرلس إلى أمير الكويت؛ حيث طلب بمجرد وصوله إلى الكويت، مقابلة سكرتيره الخاص محمد سليمان العتيبي، إلا أنه كان قد سافر إلى القاهرة، فقام بتقديم رسالة البابا إلى نجله سليمان، الذي كان يقوم بعمل والده، والذى طلب منه الحضور لمقابلة أمير الكويت رابع يوم عيد الفطر.
وبمجرد أن تسلم الشيخ عبدالله السالم رسالة قداسة البابا كيرلس السادس، أرسل إلى قداسته خطابا - في 7 أبريل 1960 - يشكره على رسالته، ويعبر عن سعادته بإقامة أبناء الكنيسة الأرثوذكسية بالكويت، وقيامهم بأعمالهم في جو من الصداقة والأخوة التي تربط بين جميع أهالي الكويت، ويبلغه بأنه سيأخذ رغبة قداسة البابا في بناء كنيسة بالكويت بعين الاعتبار، وأن طلبه هذا سيكون موضع عنايته، وسينظر فيه على ضوء الظروف الحالية، وسيفيده بالنتيجة في الوقت المناسب.
وأرسل سكرتير أمير الكويت الخاص - آنذاك - محمد سليمان العتيبي، رسالة إلى القمص مكاري السرياني سكرتير خاص قداسة البابا في 7 يونيو 1960، أبلغه فيها بأنه عرض على الأمير موضوع تأجير مكان لإقامة الشعائر الدينية مؤقتا، وأن الأمير وافق على طلب التأجير حتى يحين وقت بناء الكنيسة الجديدة، وقد كان لموافقة أمير الكويت على إقامة الشعائر الدينية فرحة كبيرة بين أبناء الشعب القبطي بالكويت ومصر كلها.
وتم تحديد المنزل الذي ستقام فيه الشعائر الدينية للمسيحيين الأرثوذكس بالكويت؛ حيث تم الاتفاق على أن يكون الإيجار 650 روبية شهريا (الروبية هي العملة الهندية التي كان يتم التعامل بها في الكويت، قبل إصدار أول عملة خاصة بالكويت عام 1961)، وبعد ذلك تم العثور على موقع أفضل يقع بمنطقة (القبلة) المجاورة لمركز مدينة الكويت، وكان مستخدما كناد للخريجين قبل ذلك الوقت، وهو عبارة عن بيت قديم ملك خالد عبداللطيف الحمد وإخوانه، ويتميز بوقوعه مقابل الكنيسة الكاثوليكية، وقربه من الكنيسة الإنجيلية، كما تحيط به ساحة كبيرة جدا، يمكن استخدامها لوقوف سيارات المصلين.
وقام مالك المنزل خالد عبداللطيف الحمد، بتقديم طلب لبلدية الكويت، لإجراء تعديلات وتوسعات في البناء القديم وجعله كنيسة، طبقاً للمخططات التي أرفقها فى خطابه رمزى اسكندر مندوب قداسة البابا كيرلس السادس؛ حيث أصدرت بلدية الكويت رخصة البناء رقم 253 (ملف رقم أ. ت 1/2/7/20 - بتاريخ 2/3/1961) بعد موافقة لجنة ترخيص ومراقبة البناء بجلستها الواحدة والعشرين فى 20 فبراير 1961.
كما وافق رئيس دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل بالكويت في 11 مارس 1961، على قيام القمص أنجيلوس المحرقي، والشماس سمير خير، ورمزي زكي، بجمع التبرعات لتغطية مصروفات تجهيز المنزل لإقامة الشعائر الدينية فيه؛ وذلك لمدة ثلاثة أشهر تبدأ من 15 مارس وحتى 14 يونيو 1961.
ثم تقدم رمزي زكي بصفته مندوبا عن قداسة البابا، بطلب فى 22 مارس 1961، إلى رئيس دائرة الكهرباء والماء الكويتية، لإصدار تعليماته بتوصيل التيار الكهربائى إلى المنزل الذي تم استئجاره لتحويله إلى كنيسة للمسيحيين الأرثوذكس بالكويت، وطلب إعفاء الكنيسة من دفع ثمن التيار الكهربائي، أسوة بأماكن العبادة الأخرى، ووافق رئيس دائرة الكهرباء والماء في نفس اليوم الذي تم فيه توصيل التيار الكهربائي إلى الكنيسة.
وفي 12 ديسمبر 1983، أصدر المجلس البلدي الكويتي قرارا، باستملاك مبني الكنيسة من مالكه، أسوة باستملاك العديد من المباني في منطقة (القبلة) من الكويت العاصمة، لتنتقل ملكية المبني من مالكه الأصلي إلى وزارة المالية، باعتبار أن المبني أصبح ضمن أملاك الدولة، لتبدأ قصة نقل الكنيسة من موقعها السابق في الكويت العاصمة، إلي موقعها الحالي بمحافظة حولي.
إلا أنه وبعد صدور قرار الاستملاك في عام 1983، خاطبت وزارة المالية الكنيسة في 11 يوليو 1986، بإمكانية تمديد فترة الانتفاع (دون تحديد موعد لذلك)، على أن يتم الإخلاء عند طلب البلدية، وأنه على الكنيسة إيجاد موقع بديل بالسرعة الممكنة، وامتدت فترة الانتفاع في منطقة (القبلة) حتى بعد صلاة قداس يوم الأحد 5 أكتوبر 2008، عندما قامت الكنيسة بإخلاء المبني بعد 25 عاما من قرار الاستملاك.
وفي 28 مايو 2002، خاطبت بلدية الكويت الكنيسة لإخلاء المبنى، لأن وزارة الأشغال الكويتية، أعادت إحياء مشروع (الطريق الدائرى الأول السريع)، وكانت إجابة راعى الكنيسة القمص بيجول الأنبا بيشوى على بلدية الكويت قائلا :"بكل سرور، لا مانع عندنا من ترك الكنيسة.. بالطبع يهمنا عمار الكويت.. ولكن نحتاج مكانا بديلا لكى نُقيم فيه شعائرنا الدينية".
وبدأت الكنيسة فوراً في صباح اليوم التالي بمخاطبة المسئولين في الكويت، والتي جاءت استجابتهم شبه فورية بعد أقل من أسبوعين، وتحديدا في 9 يونيو 2002، بصدور قرار من مجلس الوزراء، بصفته أعلى جهة تنفيذية، إلى بلدية الكويت، بإرجاء تنفيذ أمر إخلاء الكنيسة القبطية المصرية في الكويت، إلى حين إيجاد البديل المناسب للموقع المطلوب إخلائه .. وفى 8 أكتوبر 2002، وافق مجلس الوزراء على طلب بلدية الكويت، بتخصيص موقع بديل للكنيسة القبطية.
وفي هذه الأثناء، قامت المغفور لها الشيخة فريحة الأحمد الجابر الصباح (شقيقة أمير الكويت) بزيارة الكنيسة فى 21 أكتوبر 2003، وقال لها راعى الكنيسة القمص بيجول الأنبا بيشوى "معالى الشيخة المكان غير مناسب، وضيق والسلالم متعبة، ولكن نرجو أنه فى مرة أخرى نستقبل معاليكِ فى مكان أكثر مناسبة"، وطلب منها تذكير البلدية للحصول على مكان بديل، ومع حلول عيد الميلاد، طلبت الشيخة فريحة الأحمد زيارة الكنيسة، وبالفعل قامت بزيارتها، وعندما سألت عن الجديد فى موضوع نقل الكنيسة، أجابها القمص بيجول، بأنه لا جديد حتى الآن، فقامت بالاتصال بوزير الأشغال العامة والبلدية، والذى طلب القمص بيجول لمعرفة طلبه؛ حيث أجابه بحاجة الكنيسة الى 5 الاف متر.
وبدأت الجهات المختصة في البحث عن أرض جديدة للكنيسة خارج الكويت العاصمة، وبعد استعراض الأماكن المتاحة، وقع الاختيار على قطعة الأرض الحالية بمنطقة حولى، وقام أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، بمنح الكنيسة 6500 متر وليس 5000 متر كما طلبت، وحينها قال المتنيح قداسة البابا شنوده الثالث جملته الشهيرة، "طلبنا من الكويت.. فأعطتنا أكثر مما طلبنا"، وتظل جميع تلك المراسلات، والتى تمتلك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية بالكويت صورا ضوئية منها للتاريخ، شاهدة بوضوح على مدى تقدير حكام الكويت لأبناء مصر، ومدى قوة العلاقات التاريخية والأخوية الوطيدة التى تربط بين البلدين الشقيقين.