تحتفل كنيسة الأرمن الكاثوليك اليوم الأحد بعيد القيامة المجيد وفقا للتقويم الغربي وفي هذه المناسبة فإن الانبا كريكور كوسا مطران الإسكندرية للأرمن الكاثوليك قد وجه رسالة لشعب الكنيسة جاء فيها
"في هذا العيد المبارك نُجدّد إيماننا بقيامة السيد المسيح له المجد من بين الأموات ، فيما العالم يتخبّط وسط أحزان ٍ كبيرة بسبب فيروس كورونا هذا المرض الخبيث الفتّاك الذي يُهيمِنُ على البشرية ويُهدِّدَها بالموت . ولكن نور العيد سينزِلُ علينا ويمنع مِنّا سقوط الرجاء بأيام أفضل ، ويجعلنا نتمسّك أكثر فأكثر بكلام السيد المسيح القائل : " تُعانون الشِّدَّة في العالم ، ولكن ثِقوا إنِّي قد غلبتُ العالم " ( يوحنا ١٦ : ٣٣ ) .
لكنَّ السؤال يعودُ إلى الضمائر التي في حيرةٍ من أمرها :
كيف يغلب يسوع العالم ، وما زال العالم يغلب يسوع إلى هذا الحدّ ؟ .
وكيف ينتصر الحُبّ بالمسيح وينتصر معه الحقّ والسلام ، وما زال الحُبّ يغيّب عن ساحات الناس ، والحقّ يزهق فيها على مرأى من المشاهدين ويغتال السلام ؟
أيام الصوم الأربعيني الكبير ، وخلال استعدادنا الروحي لهذا اليوم الأغر ، طهّرنا نفوسنا بالتوبةِ عن أخطأ الماضي ، وسألنا الصفح لبعضنا البعض لكي لا نعود ونقع في مِثلها من جديد .
في عيد القيامة نُجدّد إيماننا بمحبة المسيح يسوع التي أعطانا إياها كوصية جديدة : " أُعطيكم وَصيةًٍ جديدة : أَحِِبُّوا بَعضُكم بعضً. كما أَحبَبتُكم ، أحِِِبُّوا أَنتتُم أيضاً بَعضُكم بَعضاً . ( يوحنا ١٣ : ٣٤ ) .
المحبّة هي طريقُ الخلاص :
إنّ ما يستوقفنا في هذه الأعياد الفصحية عن حُبّ يسوع للبشرية ورفضه العنف ، هي الحادثة التي جرت في بستان الزيتون ، عندما وصل إليه الجنود ليقبضوا عليه ، استلَّ بُطرس سيفاً ليدافع عن مععلِّمهِ ، وضربَ خَادِمَ عظيم الكهنة فقطع أُذُنَه اليُمْنى . فما كان من الرَّبّ يسوع إلاّ أن نهرَ بُطرس وقال له : " إغمِدْ سيفَك ، فكُلُّ من يَأخُذُ بِالسَّيف بِالسَّيفِ يَهلِك " ( متى ٢٦ : ٥٢ ) . وللحال " لمسَ يسوع أُذُن الخادم فشفاه " ( لوقا ٢٢ : ٥١ ) . لم يكن المسيح في كلامه هذا يطلق قاعدةً أخلاقية يأخذها الإنسان في الإعتبار لدى تصرفه مع الآخرين . بل كان يقصد إلى ما هو أبعد من ذلك ، إلى شفاء الإنسانية كُلّٓها من خطيئة الحرب والظلم والقتل .
للموضوع غاية من البساطة أمام العقل النيّر ، ولو كان مستعصي الحلّ على الإرادات البشرية إذا تُركت لوحدها . فالله خَلقَ الناس كلهم من طينةٍ واحدة ، ولم يُسلّط شعباً على شعب ولا أُمَّةً على أُمّه . و كانت وما زالت مشيئته أن تجتمع عائلة أبنائهِ جَميعاً في واحد ، وتحت سقفٍ واحد . وبالحقيقة فإنَّ الإنجيل المُقدّس كُلّه يدور حول هذا المرمى ، مؤكِداً أنّ العنف لا يداوى بالعنف بل بالمحبّة ، وإنَّ إطفاء الشرور لا يكون بمزيدٍ منها بل يتم بالمسامحة والمصالحة والغفران . وإن حسن العلاقات بين الناس لا يصل أحد إليها بقتل الأعداء والتخلّص منهم بل بقتل العداوة والحسد في القلوب ، بما فيها قلوب الأعداء أنفسهم ليبلغ الجميع إلى الأخوٰة وإلى ملكوت المحبّة . هذه هي المسيحية في جوهرها ولا تحتمل أيُّ تفسير آخر يُغَيِّر حقيقتها ويحيدها عن طريقها القويم .
فلنجَدّد إيماننا بالمسيح عريساً للإنسانية الجديدة ومُنقِذاً لها بقوّة قيامته المجيدة وروحه القدُّوس . ولا نستسلم أبداً لليأس ، ولا نقبل بالظلم ولا نخاف من القوّة المادية التي تستطيع أن تقتل الجَسدِ ولا تستطيع قتل النفس . فلا بُدَّ للحقٌ أن ينتصر وإن كان قاسي وصلب يوماً ، فإنَّ له قيامة مع المسيح الذي صُلِبَ وقام . وإن قُهرت شعوب زمناً وتسلّطت ممالك على ممالك ، فالتاريخ يُعلِّمنا أنَّ قصوره لا تعلو بالظلم ولا بالمساوئ . وإنَّ ناره تحرق أبنية القش وتُبقي ما تأسس منها على الصخور الصلبة والمعدن الأصيل .
ونسأله تعالى من أجل رئيس الجمهورية ومعاونيه ، ووزارتي الداخلية والصحة ، ورجال الأمن والجنود البواسل والجيش الأبيض والممرضين وكُلُّ من يعمل في محاربة هذا الوباء الخبيث . كما نُصلّي من أجل بلادنا لتنجلي فيها القلوب وتتشابك الأيادي من أجل إعلاء شأن الوطن وصون مستقبل أبنائه . ولتعود إلى قلوبِنا الطمأنينة والسلام والفرح .
وليغدق الله عليكم وعلى عائلاتكم وعلى العالم عامةً ومصر الحبيبة خاصةً ، بقوة القائم من بين الأموات ، فيضاً من نعمه وبركاته .