أكد الدكتور نوح العيسوى وكيل وزارة الأوقاف لشئون المساجد، أن شهر رمضان هو شهر غذاء الأرواح، فيه نزل القرآن، وفيه تفتح أبواب الجنان وتُغلّق أبواب النيران، وفيه تتنزل الرحمات وتضاعف الحسنات، وفيه ترفع الدرجات وتكفّر السيئات، ففي الحديث " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) : إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي " (صحيح مسلم) .
وأشار نوح خلال الحلقة الخامسة لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وجاءت بعنوان: "رمضان شهر القرآن"، إلى أن العلاقة بين الصيام والقرآن علاقة وطيدة، فالحق سبحانه وتعالى اختص شهر رمضان بالصيام دون غيره من الشهور تخليدا لذكرى نزول القرآن الكريم فيه، وقد قال بعض العلماء "مدح الله شهر الصيام من بين سائر الشهور؛ لأنه قد شرف بنزول القرآن الكريم فيه"، قال سبحانه وتعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] ، ومن هنا كان صيام شهر رمضان شكرا لله على نعمة نزول القرآن الكريم فيه .
كما أكد نوح أن شهر رمضان وُصف بشهر القرآن؛ لأن جبريل (عليه السلام) كان يلقى النبي (صلى الله عليه وسلم) في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلما كان العام الذي قبض فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) دارسه جبريل (عليه السلام) القرآن فيه مرتين، ومن هنا كان رمضان شهر القرآن، أكرم الله (عز وجل) به نبيَّنا محمَّدًا (صلى الله عليه وسلم)، والقرآن كما عرفه العلماء : هو كتاب الله تعالى المنزل على قلب الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) المنقول إلينا تواترًا، المتعبد بتلاوته، المتحدى بأقصر سورة منه، وقد أنزله الله على نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) في شهر رمضان، فهو أصل الدين ومنبع التشريع، ومنه تنبثق علوم الدنيا والدين ، وهو المعجزة الكبرى لسيد المرسلين، تكفل الله (عز وجل) بحفظه ، وصانه من التحريف والتبديل، فقال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] .
كما أكد أن الحق سبحانه وتعالى أنزل القرآن على قلب الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) لأهداف كثيرة ، منها: أنه كتاب هداية للخلق أجمعين، يهدي به الناس إلى طريق الحق وإلى الصراط المستقيم، وفي ذلك يقول سبحانه: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة: 1، 2] ، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9]، وأنه كتاب إعجاز للخلق كافة ، تحدى به العرب أهل الفصاحة والبلاغة والبيان حين كفروا به وقالوا : إنه من عند محمد وليس من عند الله تعالى ، فتحداهم رب العالمين على مراحل ثلاث: المرحلة الأولى: تحداهم أن يأتوا بمثله فعجزوا ، فقال سبحانه:{أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور: 33، 34] ، وقال عز وجل : {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88]. ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا ، فقال: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود: 13]. ثم تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثله فعجزوا ، فقال : {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [البقرة: 23، 24].
وفي ختام كلمته أكد وكيل وزارة الأوقاف لشئون المساجد، أننا جميعا علينا أن نقتدى بنبينا (صلى الله عليه وسلم) وأن نكثر من تلاوة القرآن في شهر القرآن؛ حتى ننال الفضل العظيم والأجر الجزيل الذي أخبرنا به (صلى الله عليه وسلم) حيث قال: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُولُ الْم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ " (سنن الترمذي)، إضافة إلى أن القرآن الكريم يشفع لصاحبه يوم القيامة، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ" (صحيح مسلم).
وفي كلمته أكد الشيخ محمد البسطويسي مدير عام المساجد الأثرية بوزارة الأوقاف أن القرآن الكريم هو معجزة الله الخالدة الباقية ، " مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِىَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ "، كيف لا؟ وقد بين المصطفى (صلى الله عليه وسلم) أنه جلاء للقلوب ، فقال: " إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ تَصْدَأُ كَمَا يَصْدَأُ الْحَدِيدَ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَمَا جِلَاؤُهَا؟ قَالَ: "تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ" وفي حديث آخر يقول (صلى الله عليه وسلم) : " إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ"، مشيرًا إلى أن الله (عز وجل) جعل شهر رمضان شهر القرآن ، قال تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] ، وقال سبحانه في سورة الدخان : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: 3] ، فلم نجد منحة ولا عطية من الله تعالى أعظم من القرآن الكريم .
كما أشار البسطويسي، إلى أن القرآن الكريم له خصوصيات ترقى بالأمة ، وأن السَّعادة الحقيقية تكمن في التمسك بكتاب الله والاسترشاد بتعاليمه ، فالقرآن الكريم هو سرُّ سعادة الإنسان ونجاحه في الدنيا والآخرة؛ إنْ تدبَّر آياته وعمِل بما فيه من أحكام ومبادئ ، ولنا في السلف الصالح رضوان الله عليهم القدوة الحسنة ؛ حيث كانوا لا يتجاوزون الآية القرآنية إلا بعد إتمام حفظها وفَهمها وتطبيقها.
وفي ختام كلمته أكد أننا في هذه الأيام التي يعيشها العالم بأسره نعلم أن الله تعالى هو الذي يرفع البلاء والداء ، فعلينا أن نكثر من تلاوة القرآن الكريم آناءَ الليل وأطراف النهار ، وخاصة في شهر الصيام ؛ حتى نسعد في الدنيا والآخرة ، فهو دستور الأمة الإسلامية الذي أنزله الله على نبيِّه (صلى الله عليه وسلم) لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ، قال تعالى: { قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [المائدة: 15، 16] ، وقال تعالى: " الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ " [إبراهيم: 1].