قال الدكتور جمال فاروق عميد كلية الدعوة السابق، إن الحق سبحانه وتعالى أرسل نبينا العظيم (صلى الله عليه وسلم) رحمة العالمين، فقال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"، وجعل عنوان رسالته الرحمة، فقال سبحانه: " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ " ، وهذا هو العنوان العام للدين الإسلامي الحنيف، فالشريعة الإسلامية هي شريعة الرحمة والتيسير في كل جوانبها، لا تخرج عن هذا الإطار بحال من للأحوال، بل إن الشريعة الإسلامية تغير الحكم من شيء ثقيل فيه مشقة عند العذر لذوي الأعذار أو عند المرض أو عند الحالات الطارئة ، يتغير الحكم من حالة فيها مشقة لا يطيقها الإنسان إلى أمر آخر فيه تخفيف وتيسير ، وصدق المولى تبارك وتعالى إذ يقول في كتابه العزيز واصفًا هذا الدين الخاتم : " وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ "، أي : من مشقة أو من عنت.
وأضاف فاروق، خلال الحلقة السابعة لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وجاءت بعنوان: "الجوانب الإنسانية وفقه التيسير في الشريعة الإسلامية "، أن الإسلام راعى الجانب الإنساني في التشريع ، حيث شرعت جوانب التيسير من أجل التخفيف على الإنسان ، ومن أجل مداومته على الطاعة والتكاليف الشرعية بحب ، فالجوانب الإنسانية في التشريع الإسلامي تحمل معنى اليسر والتيسير للأمة بأسرها ، مشيرًا إلى أن الله تعالى قد تعامل مع بني الإنسان أنهم أصحاب طاقات وقدرات محدودة ، فلم يكلف الإنسان فوق طاقته ، قال تعالى: " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" ، وقال سبحانه : " لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها " ، فهذا من أجل التخفيف ، ومن أجل مراعاة حال الإنسان ؛ لكي يستطيع أن يواظب وأن يداوم وأن يكون مستمرًا على التكاليف ؛ لأنه لو أصابه العنت ، أو أصابه الحرج ، لترك التكاليف جملة واحدة ، فالإنسان له طاقة ، وله قدرة ، وله استطاعة ، فلم يكلفه الإسلام الحنيف شيئًا فوق استطاعته أو فوق مقدرته ، بل إنه يخفف عنه في جوانب كثيرة من العبادة ، فعندما فرض الله تعالى علينا الصيام ، قال : " فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ " فشُرع للمريض وللمسافر أن يفطر في شهر رمضان تخفيفا وتيسيرًا ، فهذه رخصة ، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول : " إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ ، كَمَا يُحِبُّ أنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ " فالإنسان الذي يتعذر عليه أن القيام للصلاة صلى جالسا ، قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : " مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا فَلْيُصَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَجَالِسًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَمُضَّجِعًا يُومِئُ إِيمَاءً" ، فمن أجل أن يداوم الإنسان على العبادة وأن يكون ملتزمًا بالتكاليف ، جاءت الشريعة بأحوال مختلفة تناسب الناس جميعا على اختلاف أحوالهم وظروفهم.
كما أشار فضيلته إلى التيسير والتخفيف في جانب المعاملات، ومن مظاهر ذلك ما كان بشأن الزكاة ، فلم يفرضها علينا الإسلام في جميع الأحوال ، ولا في جميع الأصناف، بل جعل من الأصناف ما تخرج منه الزكاة ، ومنها ما لا تخرج منه الزكاة ، وربط الزكاة بأمرين فيهما تيسير وتخفيف على الناس ، فليس كل من ملك مالًا يُخرج الزكاة ، بل لا بد أن يبلغ هذا المال نصاب الزكاة ، والشرط الثاني : أن يحول عليه الحول .
وفي ختام كلمته أكد الدكتور جمال فاروق، أننا لو استعرضنا جميع التكاليف الشرعية لا نجد فيها معنى المشقة ولا معنى الحرج ، فالشريعة كلها تخفيف وتيسير ، يترتب على ذلك فوائد كثيرة وبدائع عجيبة ، وصدق الله العظيم حيث يقول :" يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" .
وفي كلمته أكد الشيخ إسلام النواوي عضو الإدارة العامة للفتوى وبحوث الدعوة بوزارة الأوقاف أن الجوانب الإنسانية في التشريع الإسلامي تحمل معنى اليسر والتيسير ، وأن التيسير سمة من سمات الإسلام ، فنبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول : "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وشيء مِنَ الدُّلْجَةِ ..) ، مشيرًا إلى بعض النماذج التي تبرز جانب التيسير في التشريع الإسلامي ، ومنها : الطهارة التي هي شرط للصلاة ، حيث رخص الإسلام لمن يتعذر عليه استعمال الماء أن يتيمم ، قال تعالى: " وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا " ، ومنها الصلاة ، حيث رخص للمريض أن يصلي قاعدا أو مضطجعا أو على جنب أو مستلقيا على ظهره ، وفي السفر تصبح الرباعية ركعتين ، مستشهدا بقول ابن عباس (رضي الله عنهما) : " فرض الله الصلاة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين .." .
وفي ختام كلمته أكد أن الدين الإسلامي وما به من تكليفات وتشريعات لم تنزل لشقاء البشرية ، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) نهى عن أي شكل من أشكال التشدد والإثقال على النفس حتى ولو من باب التدين ، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه – أنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما أُخبِروا كأنهم تقالُّوها [أي: عدُّوها قليلة]، فقالوا: أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا [أي: دائما دون انقطاع]، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر [أي: أواصل الصيام يومًا بعد يوم]، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" ، ولو تتبعنا مظاهر التيسير في الإسلام لوجدنا له صورا عديدة ونماذج كثيرة .