قال اللواء محمد ابراهيم الدويرى نائب مدير المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية إن اعتزام إسرائيل ضم منطقة غور الأردن فى الضفة الغربية المحتلة يتطلب تحركاً عاجلاً مؤثراً على المستويات الفلسطينية والعربية والدولية من أجل بلورة الأسلوب الأكثر فعالية للتعامل مع هذا القرار الإسرائيلى المتوقع وممارسة الضغوط المتاحة لإثناء إسرائيل عن هذا التوجه.
وكتب اللواء محمد ابراهيم - فى مقال على الموقع الالكترونى للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية اليوم /السبت/ -"لست من أولئك الذين يراهنون على أن إسرائيل قد تُعيد حساباتها حول إمكانية ضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت من عدمه. ففى رأيى أن إسرائيل حسمت أمرها واتخذت قرارها بالضم، ولم يتبقَّ لها سوى البدء باتخاذ الإجراءات الرسمية لتنفيذ هذا القرار الذى يُعيد إلينا سيناريو ضم مدينة القدس الشرقية والجولان السورية بقرارات تراوحت بين أن تكون حزبية أو برلمانية أو حكومية، وكلها قرارات تم اتخاذها بين عامى 1967 و1980".
وأوضح أن هناك خمس نقاط رئيسية من المهم الإشارة إليها، النقطة الأولى: أن إسرائيل بدأت إجراءات الضم الفعلى لمنطقة غور الأردن (تمثل 30% من مساحة الضفة الغربية) منذ أن بدأت فى تطبيق ما يُسمى بخطة آلون فى أعقاب احتلالها الضفة الغربية عام 1967. وقامت منذ ذلك الحين بتهيئة هذه المنطقة عسكريًّا وأمنيًّا واستيطانيًّا وإداريًّا ليتسنّى ضم أجزاء منها على الأقل عندما تحين الظروف المناسبة لذلك.
والنقطة الثانية: إن معظم أراضى الغور تقع داخل المنطقة التى تُسمى طبقًا لاتفاق أوسلو (بالمنطقة C) التى تخضع أمنيًّا وإداريًّا لإسرائيل، وهى تمثل حوالى 60% من مساحة الضفة الغربية (تشير الإحصائيات المتوافرة إلى أن منطقة الغور يقطن فى مدنها وبلدياتها الفلسطينية حوالى 70 ألف فلسطيني، فى حين يتواجد بها حوالى 15 ألف مستوطن يقطنون 19 مستوطنة).
والنقطة الثالثة: أن إسرائيل سعت بكافة الوسائل إلى منح هذه المنطقة أهمية أمنية متميزة من خلال ربطها بمنظومة الأمن القومى الإسرائيلي، وضرورة أن تكون تحت سيادتها الكاملة، بدعوى تأمين جبهتها الشرقية، وهو ما نجحت فى أن تقنع به إدارة الرئيس ترامب.
والنقطة الرابعة: أن هناك توافقًا إسرائيليًّا داخليًّا على أن منطقة الغور لا بد أن تكون لها وضعية خاصة فى ظل أية تسوية سياسية مستقبلية.
كما أن هناك إجماعًا داخل اليمين واليمين المتطرف والأحزاب الدينية على عدم التنازل عنها تحت أية ظروف أو حتى فى ظل عملية سلام.
والنقطة الخامسة: أن اللجنة الثنائية الأمريكية الإسرائيلية المشتركة، الخاصة بترسيم الحدود وطبيعة المناطق التى ستضمها إسرائيل فى الضفة الغربية، والتى تشكلت فى أعقاب طرح خطة السلام الأمريكية فى أكتوبر عام 2019، عقدت العديد من الاجتماعات الميدانية على الأرض فى منطقة الغور، وتوصلت إلى رسم بعض الخرائط التى سيتم اعتمادها بشأن عملية الضم، وإن كان لم يتم الانتهاء من أعمال هذه اللجنة حتى الآن حيث تعطلت بسبب تفشى وباء كورونا.
وأكد اللواء محمد ابراهيم أنه من الضرورى الوقوف عند تطورين فى قمة الأهمية لتأكيد مدى جدية هذا التوجه الإسرائيلي، التطور الأول: أن خطة السلام الأمريكية فتحت المجال أمام هذا الضم، حيث نصت فى قسمها الرابع (الخاص بالحدود)، على أن غور الأردن –وهو أمر حاسم للأمن القومى الإسرائيلي– سيكون تحت السيادة الإسرائيلية، وسيتم دمج حوالى 97% من المستوطنين الإسرائيليين فى الضفة الغربية فى الأراضى الإسرائيلية المتجاورة (أى التى ستضمها إسرائيل من أراضى منطقة الغور). كما نصت الخطة فى الملحق رقم 2 أ، فيما يتعلق بما أسمته الخرائط المفاهيمية، على أنه إذا انسحبت إسرائيل من غور الأردن فسوف تترتب على ذلك تبعات كبيرة على الأمن الإقليمى فى الشرق الأوسط. التطور الثاني: أن الاتفاق الذى وقّعه كل من “نتنياهو” و”جانتس” يوم 20 أبريل بشأن تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة تضمن لأول مرة وبأسلوب غير مسبوق تحديد توقيت واضح للبدء فى الإجراءات التشريعية والتنفيذية لضم ما أُطلق عليه فى الاتفاق تعبير “فرض السيادة على المستوطنات ومناطق شاسعة فى الضفة الغربية”، وذلك بالنص على بداية يوليو 2020 كتاريخ محدد لتنفيذ هذا الأمر وعرض الخطة الأمريكية. ونشير هنا إلى أن هذا الاتفاق الحكومى قد حظى بتأييد كل من الأحزاب اليمينية المتطرفة والأحزاب الدينية وحزب جانتس وكذا حزب العمل ذى التوجهات اليسارية.
وحول وجود عقبات فعلية تَحُولُ دون قيام إسرائيل بعملية الضم، قال: "فى رأيى أنه لا يوجد حتى الآن عائق حقيقى يحول دون اتمام هذا الإجراء، وذلك فى ضوء العاملين الرئيسيين التاليين، العامل الأول: تصميم وتمسك “نتنياهو” وامتلاكه الأغلبية اليمينية التى تمكنه من تمرير هذا القرار فى الكنيست حتى لو اتجه “جانتس” إلى معارضة هذا القرار. ويمكن لـ”نتنياهو” أيضًا تمريره داخل الحكومة والمجلس الوزارى المصغر. وفى التقدير، أن “جانتس” الذى يهدف وبقوة إلى تولى منصب رئيس الوزراء فى أكتوبر 2021 -فى حالة تنفيذ التناوب- لن يستطيع المناورة حتى النهاية إذا أراد منع تمرير القرار الذى سبق أن وافق عليه، خاصة إذا أصرت واشنطن على تنفيذ خطتها، وبالتالى لن يرغب “جانتس” فى الدخول فى مواجهة خاسرة مع الإدارة الأمريكية. العامل الثاني: أن إجراء الضم -فى حد ذاته- لا يتعارض فى جوهره مع خطة السلام الأمريكية التى طرحها الرئيس “ترامب” بنفسه باعتبارها إنجازًا لإدارته، ووافق عليها كل من “نتنياهو” و”جانتس”، وبالتالى يمكن تنفيذ هذا الإجراء دفعة واحدة أو تدريجيًّا استنادًا إلى بنود هذه الخطة."
ورأى اللواء محمد ابراهيم أن “نتنياهو” الذى نجح فى أن يكتب لنفسه تاريخًا غير مسبوق فى الحياة السياسية الإسرائيلية، واقتراب توليه رئاسة الوزراء للمرة الخامسة، فضلًا عن نجاحه فى الهروب من خضوعه للمحاكمة أو السجن لاتهامه فى العديد من قضايا الفساد؛ سوف يحرص على اتخاذ هذه الخطوة التى وعد بها ناخبيه خلال حملته الانتخابية التى حصل فيها حزبه على أكبر عدد من المقاعد (36 مقعدًا) حتى يسجل لنفسه أنه صاحب القرار الاستراتيجى الأهم فى دعم منظومة الأمن القومى الإسرائيلي، وترسيم حدودها الشرقية بالشكل الذى يُحقق المصلحة الإسرائيلية أساسًا.
وفيما يتعلق بالموقف الأمريكي، لفت الى ان واشنطن حاولت مؤخرًا توضيح بعض المواقف فى أعقاب إعلان اعتزام إسرائيل ضم منطقة الغور، حيث صدرت تصريحات من البيت الأبيض أشارت إلى ما يلي:
–أن الولايات المتحدة لم تُعطِ إسرائيل الضوء الأخضر حتى الآن فيما يتعلق بضم مناطق فى الضفة الغربية.
– أن مسألة الضم مرتبطة بموافقة إسرائيل على التبنى الكامل لخطة السلام الأمريكية بما فى ذلك إقامة الدولة الفلسطينية.
– أن الموافقة الأمريكية على الضم ستكون فى إطار مسار شامل توافق فيه إسرائيل على التفاوض مع الفلسطينيين.
واعتبر اللواء محمد ابراهيم أن هذه المواقف الأمريكية حتى وإن بدت مقبولة - إلى حدٍّ ما - من حيث الشكل، إلا أنها غير مؤثرة من حيث المضمون، ولا تمنع إسرائيل من الإقدام على هذه الخطوة، ولا تمثل لها إلزامًا قاطعًا بعدم ضم الأغوار، وسينتهى الأمر إلى موافقة واشنطن على الضم (المنصوص عليه بوضوح فى خطتها) استنادًا إلى الذريعتين التاليتين، الأولى: أن هذه المنطقة تُعتبر منطقة استراتيجية بالنسبة للأمن الإسرائيلى ومواجهة الإرهاب، وهى جزء من خطة سلام أمريكية شاملة تبناها الرئيس “دونالد ترمب” ويعتزم تنفيذها، وعلى الفلسطينيين القبول بها والحصول على ما تمنحه لهم الخطة من أراضٍ أو دولة طبقًا للمعايير والمحددات والتوقيتات الواردة فى الخطة. والثانية: وستستند إلى عدم وجود شريك فلسطينى فى عملية السلام، خاصة إذا أخذنا فى الاعتبار أن السلطة الفلسطينية رفضت الخطة تمامًا، وأعلنت أنها لن تتعامل معها مستقبلًا، نظرًا لأنها مجحفة بالحقوق الفلسطينية. وبالتالي، ستقوم واشنطن بمنح إسرائيل الضوء الأخضر لبدء تنفيذ الخطة من جانب واحد، وفرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن.
ونوه بأنه لا يجب أن يفوتنا هنا حدوث متغير قد يبدو مهمًّا، وهو تصريحات المرشح الديمقراطى المحتمل للرئاسة الأمريكية “جو بايدن” حول معارضته للخطوة الإسرائيلية باعتبارها خطوة أحادية الجانب تعرقل عملية السلام وحل الدولتين.
ورأى أن هذا الأمر سوف يكون له تأثير إيجابى لصالح “نتنياهو” الذى سيتحرك بشكل أقوى لإتمام عملية الضم تحسبًا لأية احتمالات بإمكانية فوز “بايدن” بالرئاسة الأمريكية فى الانتخابات المزمعة نهاية العام الجاري، وهو ما قد يؤدى –فى هذه الحالة- إلى إثارة عقبات حقيقية أمام وضع هذه الخطوة موضع التنفيذ.
ولفت الى أن إسرائيل سوف تتعامل مع قضية الضم بطريقة متدرجة، حيث ستحرص فى البداية على التنسيق مع واشنطن بشأن الخطة ككل طبقًا لما تم النص عليه، وتمشيًا مع مطلب البيت الأبيض مؤخرًا، وتعلن موافقة الحكومة الإسرائيلية الجديدة عليها؛ ثم ستدعو الفلسطينيين للتفاوض معها بناء على الخطة الأمريكية، وهى تدرك تمامًا رفض السلطة الفلسطينية مسبقًا لهذه الدعوة؛ وفى أعقاب ذلك ستتجه إسرائيل إلى إعلان ضم منطقة الأغوار التى سيتم تحديد معالمها بالتوافق الأمريكى الإسرائيلى فقط من خلال اللجنة المشتركة بينهما لترسيم الحدود فى الضفة الغربية.
وفيما يتعلق بالتحركات العربية والدولية المبدئية تجاه الموقف الإسرائيلي، قال اللواء محمد ابراهيم انه لا شك أن اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزارى فى دورة غير عادية يوم 30 أبريل الماضى واتخاذه القرار رقم 8522 الذى يتضمن 12 بندًا فى مواجهة القرار الإسرائيلى والدعم الأمريكى يُعد خطوة جيدة؛ كما أن تقديم سفير الاتحاد الأوروبى وسفراء تسع دول أوروبية يوم 30 أبريل احتجاجًا رسميًّا لكل من “نتنياهو” و”جانتس” على خطط الحكومة الإسرائيلية بشأن ضم أجزاء من الضفة الغربية؛ يُعد أيضًا تحركًا إيجابيًّا يعكس طبيعة الموقف الأوروبى المؤيد للموقف الفلسطيني، مضيفا انه بالتوازى مع هذه المواقف الإيجابية فإن الأمر أصبح يتطلب تحركات عاجلة أكثر تأثيرًا.
واقترح اللواء محمد ابراهيم - فى مقاله - ستة تحركات أو إجراءات عاجلة (ثلاثة على المستوى الدولي، وثلاثة على المستوى الفلسطينى والعربي)، وذلك على النحو التالي:
أولًا- على المستوى الدولي:
1- الدعوة لعقد اجتماع عاجل (افتراضي) لمجلس الأمن فى أقرب توقيت ممكن لبحث مسألة ضم الأغوار وتداعياتها، ولا مانع فى أن يتم بلورة مشروع قرار يُطرح للتصويت إذا كان ذلك متاحًا. وبالرغم من أن واشنطن سوف تستخدم حق الفيتو لمنع إصدار أى قرار ضد إسرائيل، إلا أن الجانب الإيجابى هنا يتمثل فى منح هذا الموضوع الزخم الدولى المطلوب، وأن يكون ذلك بمثابة عامل ضغط أو إحراج لإسرائيل ومن يؤيدها.
2- طرح رؤية عربية فلسطينية موحدة ومتفق عليها بشأن التسوية السياسية الشاملة والعادلة فى الجمعية العامة للأمم المتحدة (اجتماع افتراضي) حتى تحظى هذه الرؤية بقبول دولى كبير (متوقع تأييد أكثر من 150 دولة)، وهو ما سيدعم التحرك العربى لتجميع الزخم الدولى المطلوب.
3-إبلاغ الولايات المتحدة (بصورة رسمية) أن القرار الإسرائيلى فى حالة اتخاذه سوف تكون له تداعياته على الأمن والاستقرار فى المنطقة، ومن شأنه أن يؤدى إلى إثارة قلاقل وتوترات داخل الضفة الغربية من الصعب أن يسيطر عليها أحد، وقد يصل الأمر إلى تداعيات أمنية أكثر على مستوى المنطقة كلها. كما أن هذا القرار قد يؤدى إلى مزيدٍ من إضعاف السلطة الفلسطينية، وبالتالى تغيير كامل فى طبيعة المعادلة السياسية الفلسطينية. ومن ثم ينبغى أن يتم الضغط الأمريكى على إسرائيل لإلغاء هذا القرار أو على الأقل تأجيله لفترة غير محددة حتى يمكن تهيئة المجال نحو البدء فى عملية سلام مقبولة من الجميع.
ثانيًا- على المستويين الفلسطينى والعربي:
1- من الضرورى أن تظل هذه القضية حاضرة فى كافة التحركات العربية والفلسطينية على أعلى المستويات، ومنحها الأولوية فى كل ما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية، مع إعطائها التركيز الإعلامى المطلوب.
2- لا بد أن يمتلك العرب والفلسطينيون البديل الملائم أو المشروع السياسى لعدم ترك الساحة خالية أمام خطة السلام الأمريكية وحدها التى تعتمد عليها إسرائيل فى عملية الضم، لا سيما أن الرهان الأمريكى الإسرائيلى يتركز على عامل الرفض الفلسطينى للخطة. مع ضرورة إظهار أن هناك شريكًا فلسطينيًّا مدعومًا عربيًّا يقبل بدء التفاوض من خلال رؤية شاملة للحل العادل للقضية بما يحقق الأمن والاستقرار لجميع دول المنطقة بما فيها إسرائيل.
3- أهمية أن تكون هناك حسابات فلسطينية دقيقة بشأن طبيعة الوضع الداخلى الفلسطينى خلال المرحلة المقبلة، وذلك بالتنسيق مع الدول العربية الرئيسية، وتحديد الخطوات التى سوف تنتهجها السلطة الفلسطينية فى حالة اتخاذ إسرائيل قرار الضم فعليًّا.
ويمكن فى هذا الإطار بحث العديد من القضايا أهمها: طبيعة العلاقة الفلسطينية مع إسرائيل فى كافة المجالات ارتباطًا بمحدِّدات اتفاقات أوسلو، ووضعية السلطة الفلسطينية مستقبلًا وهل ستستمر فى إطارها السابق نفسه، وعناصر القوة التى من شأنها أن تدعم الوضع الفلسطينى الداخلي.