أكد الدكتور سامى الشريف، رئيس لجنة الإعلام بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن الشائعات ليست ظاهرة جديدة ، فالصراع بين الحق والباطل صراع قديم قدمَ البشرية، وهو مستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإن من أبرز وسائل أهلِ الباطل فى صراعهم مع أهل الحق : صناعة الشائعات، وترويجها بين الناس، موضحا أن الشائعة أنواع ، إما أن تكون خبرًا مختلقًا لا أساس له وهو أضعف أنواع الشائعة وهو الكذب البواح، وإما أن تكون الشائعة إثارة لخبر فيه جانب من الصحة، أو إضافة معلومة كاذبة لخبر معظمه صحيح ، أو تفسيرًا خاطئًا لخبر صادق.
وأضاف الشريف، الحلقة الثانية والعشرين لملتقى الفكر الإسلامى الذى ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وجاءت بعنوان: "خطورة الشائعات"، أن الشائعة يصنعها الخبثاء، ويصدقها الأغبياء، ويستفيد منها الأذكياء فيخضعونها للدراسة والبحث، وباستقراء تاريخ الأنبياء والرسل (عليهم السلام) نجد أنه قد ألصقت بهم الشائعات للصد عن دعوة الله (عز وجل)، ومع بداية العصر الإسلامى هناك شائعات تعرض لها الرسول (صلى الله عليه وسلم) وكذلك صحابته الكرام (رضى الله عنهم)كادت تعصف بمكانة المسلمين فى هذا الوقت، ومنها الشائعة التى أطلقت يوم أُحد ، حين أشاع المشركون مقتل النبى (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رغبةً منهم فى تفريق المسلمين من حوله، وإضعاف قوتهم ، وبث الخوف والذعر فى صفوف المسلمين ، فاضطربت صفوف المسلمين وضعفت قواهم النفسية، وفرَّ بعضهم، وألقى بعضهم السلاح، وثبُت بعضهم مع النبى (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
كما أشار إلى أن الشائعات فى عصرنا أخذت ثوبًا آخر مع تطور وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصال وزيادة هذه الوسائل، كوسائل التواصل الاجتماعى فأصبحت صناعة الشائعات مصدرًا للتكسب المقيت يشرف عليه أناس ومنظمات وهيئات أو دول تهدف إلى تحقيق أهداف خبيثة، مؤكدًا أن الشائعات غالبا تنتشر فى أوقات الأزمات، فحينما توجد الحوادث وتغيب الحقائق تظهر الشائعات ويكون المجتمع مؤهلا لقبول تلك الشائعات ، أما إذا ظهرت الحقائق وقت الحدث تبددت تلك الشائعات.
وفى ختام كلمته أكد الشريف، أن الشائعات إحدى أهم وسائل الحرب النفسية، ولو نظرنا إلى كم الشائعات التى أثيرت حول ما يعانيه العالم الآن من انتشار جائحة كورونا سواء فى تفسير هذه الظاهرة، أو اكتشاف علاج لها، أو فى الأعداد والنسب التى أصيبت بهذا الوباء لوجدنا أن هناك عددًا من الشائعات لا حصر له، يهدف بالأساس إلى التحريض ضد الدولة، وضد المسئولين لإضعاف الدولة وتشويه مؤسساتها، ومن الصعب على من يتعرض للشائعة فى هذا العصر وفى ظل اتساع وانتشار شبكة الإنترنت أن يرد على كل ما ينشر هنا وهناك ، لذا يجب على المتلقى للخبر التأكد من مصدره واعتماد مصادر موثوق بها دون غيرها، مشيرًا إلى أن هناك مشكلة بالنسبة لمستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى، فهناك نقل ومشاركة للأخبار دون تروّ أو تثبت من صحة الخبر فقط لمجرد النقل والشير ومسابقة الغير فى سرعة نشره، وهذا أمر ممقوت فى الإسلام لأنه يكون سببًا فى الإضرار بالآخرين دون أن يدرى ، ومن ثم فيجب التثبت من الأخبار قبل نشرها أو مشاركتها ، موجها سيادته رسالة لمن تطلق عليهم الشائعة من المسئولين وغيرهم من الأفراد قائلا لهم: لا تبتئسوا ولا تحزنوا فلستم أحسن حالا من أنبياء الله ورسله ، فقد أصابتهم الشائعات فصبروا واحتسبوا الأمر لله تعالى، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
وفى كلمته أكد الشيخ جابر طايع يوسف رئيس القطاع الدينى بوزارة الأوقاف أن للكلمة قيمة كبيرة، وأهمية عظيمة، ولها خطورتها وتأثيرها الكبير على الفرد والمجتمع بأسره ، ويتضح أثرها من قول الله تعالى فى سورة الحجرات: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} وفى قراءة أخرى " فتثبتوا" ، فهذا ضابط أخلاقى جاء فى سورة الحجرات ، حتى إنها سميت بسورة الأخلاق ؛ لما تبثّه من منظومة قيمية لصالح الإنسان والمجتمع كله ، حتى يسلم المجتمع من الآفات ، ومن ثم فإن الخبر الخاطئ قد يحدث أزمات بين الناس ، فلا بد إذن من التحرى والتدقيق والتفكير فى كل ما يُنقل أو يُسمع أو يُقرأ أو يُنشر ، لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعى ، وقد سأل سيدُنا معاذ (رضى الله عنه) رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : يَا نَبِى اللَّهِ ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: " ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ "، فليس كل ما يسمع يقال ، وعلى الإنسان أن يتحرى الدقة فى كل كلمة ، قبل ترويجها ونقلها ومشاركتها .
كما أكد طايع، أن الكلمة أمانة ومسئولية عظيمة ، سواء أكانت مقروءة ، أم مسموعة، أم مرئية ، والشائعات ما هى إلا كلمة تنتشر بين الناس ، يطلقها صاحبُ قلب مريض ، أو هيئة أو منظمة من قوى الشر التى تعمل فى الخفاء ، وتتناقلها الألسنة وترددها دون تثبت ، أو تبيّن ، فتؤثر سلبًا على العقول والنفوس ، وتنشر الأفكار الهدامة والمعتقدات الفاسدة ، ويصبح المجتمع ويمسى فى قلق وريبة ، بل ويذهب الأمن ، وتضعف الثقة بين الناس ، فترى أمة الجسد الواحد يشكك بعضها فى بعض ، ويخوَِّن بعضها بعضًا ؛ لذا قال النبى (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) ، فإذا كان التحدث بكل ما يسمعه الإنسان نوعًا من أنواع الكذب يُعاقَب عليه الإنسانُ عقوبة شديدة فى الآخرة ، فكيف بمَنْ يتحدث بما لم يره أو يسمعه؟ .
كما أشار طايع، إلى أن الإسلام قد اتخذ موقفًا حازمًا من الشائعات ومروجيها ، وعدّها سلوكًا منافيًا للأخلاق الحسنة ، والقيم النبيلة التى جاءت بها الشريعة الإسلامية ، وذلك حين أمر أتباعه بحفظ اللسان عن الخوض فى ما ينشر الفتنة ويثير الاضطرابات فى المجتمع ، وأمرهم بالصدق وعدم الكذب فى أقوالهم ، وحفظ ألسنتهم ، والتثبت من كل ما يصل إلى أسماعهم حتى لا يكونوا سببًا فى نشر الفتن ، وإفساد المجتمع ، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}، وقال جلّ شأنه :{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، وقال سبحانه:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}، ويقول النبى (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : " يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ".
وفى ختام كلمته أكد الشيخ جابر طايع، على وجوب التثبت من الأخبار والتأنى قبل نشرها فى المجتمع ، وعدم ترديد الشائعة عبر أى وسيلة من الوسائل مقروءة أو مسموعة أو مرئية ؛ حتى لا يسهم ترديدها فى ترويجها ونشرها ، فالشائعات تزداد انتشارًا إذا وُجِدَتْ ألسنة ترددها ، وآذان تصغى إليها ، ونفوس تتقبلها وتصدقها ، قال تعالى:{ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ }، وقال (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ".