فى تاريخ الأمم والشعوب لحظات تاريخية لا يمكن للأجيال نسيانها، بل يظل الاحتفاء بذكراها دافعاً قوياً نحو استنهاض الهمم وصقل القدرات لمواجهة الصعاب والتحديات وشحذ العقول والأفكار لاستدامة خطط البناء والتنمية الشاملة.
وفي الوقت الذي تحتفل فيه مصر بالذكرى السابعة لثورة 30 يونيو 2013، الثورة التي كانت لحظة تاريخية فارقة في حياة كل المصريين، لأنها أنقذت البلاد والعباد من مستقبل مظلم ومن أطماع الطامعين من قوى الشر في العالم، فإنها تمثل في ذات الوقت العبور الثاني لمصر بعد عبورها في 6 أكتوبر عام 1973، من عبور الهزيمة إلى النصر والبناء والسلام والاستقرار.
فقد مثلت 30 يونيو ثورة الخلاص من قوى الفساد والاستبداد والهيمنة الأحادية وأخونة كافة مؤسسات الدولة المصرية، إلى بناء وطن يتسع للجميع بكل القوى الفاعلة فيه وبناء مصر المستقبل من مؤسسات مستقلة ومشروعات قومية عملاقة من أجل رفعة الوطن والمواطن.
ونجحت الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ 30 يونيو 2013 حتى الآن، في تثبيت أركان الدولة وإعادة بناء مؤسساتها الوطنية، من دستور وسلطة تنفيذية وتشريعية، ليشكلوا مع السلطة القضائية ، بنيانا مرصوصا، واستقرارا سياسيا يترسخ يوما بعد يوم، كذلك نجحت الدولة المصرية في إحداث نهضة اقتصادية كبرى، وتنفيذ عملية إصلاح اقتصادي شامل مخطط ومدورس، وكشفت جائحة كورونا عن أهمية مثل هذه الإصلاحات التي جاءت داعمة للاقتصاد الوطني.
وكشفت ثورة 30 يونيو النقص الشديد فى البنية التحتية والاحتياجات الضرورية للمواطنين في ظل ضعف موارد الدولة، فضلا عن حجم هائل من المشكلات الداخلية المتراكمة وحالة التربص التى يضمرها المنتمين للإخوان وبعض النشطاء وتنفيذ أعمال العنف والإفساد ونشر الشائعات لتعطيل مسيرة الحياة اليومية فى مصر وخلق المشكلات والعقبات أمام الحكومة مستهدفة إسقاط الدولة وعرقلة جهودها فى التنمية ومعالجة مشكلاتها.
ورغم كل هذه التحديات كانت عراقة وأصالة شعب مصر وقدرته على الصمود فى وجه تلك التحديات، وإصراره على عبور أشد الأزمات، واستعداده للتضحية بالغالى والنفيس للحفاظ على مصر، واصطفافه خلف قواته المسلحة والشرطة من أجل مواجهة المخاطر والتحديات التي تهدد بقاء الدولة المصرية بالعمل على تقوية وتدعيم القوات المسلحة وتزويدها بأحدث الأسلحة والمعدات.
خريطة طريق عملاقة
بدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه مقاليد حكم البلاد في 2014، وضع خريطة واضحة لإحداث تنمية عملاقة لمصر في كافة المجالات، وذلك وفق أسس علمية وخطط مدروسة جيدا، لتحقيق الرخاء والازدهار للشعب المصري.
فلم يكن الإهتمام ببناء الوطن والمواطن فكرة استخدمتها القيادة السياسية المصرية للوصول فقط الى سدة الحكم، ولكن سمات العمل والجهد والمثابرة والتضحية باتت هى السمات الاولى للقيادة عبر الست سنوات الماضية منذ إنارة شعلة ثورة 30 يونيو 2013 ، وتزامنا مع حلول ذكراها السابعة.
وبمرور سبع سنوات من عمر ثورة 30 يونيو وتزامناً مع مرور ست سنوات على تولي الرئيس السيسي مسئولية القيادة لإعادة بناء الوطن والمواطن بشكل منضبط ، فقد وضع أسس بناء الدولة المصرية من جديد ، وبدعم القوات المسلحة المصرية استطاع إعادة الحياة الأمنية بل وإعادة تسليح القوات المسلحة المصرية بأحدث المعدات ومصادر الأسلحة ، وتمكن ببرنامج الإصلاح الإقتصادى إنقاذا مصر من مصير ضائع ماليا، وإعادة التوازن فى العلاقات الإفريقية والعالمية واستعادة دور مصر الريادى بالشرق الأوسط، وتنفيذ المئات من المشروعات القومية والمشروعات المرتبطة بالبنية التحتية التى تمس آمن المواطن وحياته الآدمية.
ووفقاً للتقارير الدولية، فقد كانت ثورة 30 يونيو نقطة تحول وخط فاصل بين عصرين، وكان الرئيس عبد الفتاح السيسى رمز لهذه الثورة، والذي نجح في تحقيق أهدافها، وخلال وقت قصير تمكن من إحلال النظام والاستقرار السياسي، الذي هو مرتكز محوري لإعادة الاقتصاد المصري مرة أخرى نحو المسار الصحيح.فلا تنمية بدون استقرار.
كما استعادت الدولة المصرية عافيتها ومصداقيتها والثقة الدولية والمحلية فيها ووضعت السياسات والتشريعات التي طمأنت وحفزت الاستثمار فتدفقت الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وتم حل مشكلة تدهور البنية الأساسية وتوفير الكهرباء في وقت قياسي، وبسبب استعادة المصداقية عادت شركات البترول والغاز للعمل فتم اكتشاف حقل ظهر أكبر حقل للغاز في حوض المتوسط وتحولت مصر من دولة مستوردة للغاز إلى دولة مصدرة له.
مؤشرات بناء دولة جديدة
ونتيجة الجهود المتواصلة من قبل القيادة السياسية والحكومة بكافة قطاعاتها ومؤسساتها، نالت مصر ثقة كل المؤسسات الدولية، في مجالات تحقيق التنمية الشاملة وبناء دولة جديدة، وقد انعكس ذلك في العديد من مؤشرات الآداء في مختلف قطاعات الانتاج، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى بعض المنجزات في المجالات التالية على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: بلغ معدل النمو نحو 5.6% وهو أعلى معدل نمو تحققه مصر خلال 11 عاما وثالث أفضل معدل نمو في العالم بعد الصين والهند، والمخطط المستهدف أن يصل معدل النمو إلى 8% عام 2022، وبات القطاع الخاص شريك استراتيجي في دفع عجلة التقدم، فهو المحرك الرئيسي للاستثمار لأول مرة منذ 10 سنوات، ومصر هي أعلى دولة جذبا للاستثمار على مستوى إفريقيا واحتلت المركز الثاني عربيا، وعلى المستوى المحلي نفذت الدولة مشروعات باستثمارات 2.1 تريليون جنيه.
كما انخفض معدل البطالة لأقل من 8% وارتفع الاحتياطي النقدي لأعلى مستوى له في تاريخ مصر يتجاوز 45 مليار دولار كما استعادت السياحة عافيتها، وكانت تحقق أفضل مستوياته على الإطلاق قبل جائحة كورونا، ولأول مرة منذ 15 عاما تم تحقيق فائض أساسي بقيمة 2% من الناتج المحلى الإجمالي، مقابل العجز الأساسي الذي كان بقيمة 5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2012 /2013.
ثانياً: المشروعات القومية ، إذ تعتبر المنطقة الاقتصادية لقناة السويس أحد أضخم المشروعات القومية حيث تتميز بموقع استراتيجي فريد بجوار قناة السويس وأهم طرق التجارة الدولية؛ ولذلك قامت الدولة بإصدار قانون لتنفيذ وإدارة مشروع منطقة محور قناة السويس الخاصة في 2015 وتشمل موانئ "شرق بورسعيد ـ غرب بورسعيد ـ العريش ـ الطور ـ العين السخنة ـ الأدبية" بالإضافة إلي أربعة مناطق صناعية وتنموية "العين السخنة - شرق بورسعيد ـ وادي التكنولوجيا ـ القنطرة غرب.
وبفضل الجهود المبذولة لبناء الوطن والمواطن خلا 6 سنوات، حصلت مصر على مراكز متقدمة في مجال الطرق، حيث وصلت للترتيب الـ 45 عالميا في مجال جودة وأمان الطرق، نتيجة المشروعات التنموية العملاقة التي حدثت في مجالي الطرق والكباري والأنفاق، والتي تتفق مع المعايير الدولية والعالمية.
وتولي الدولة أهمية كبرى لتطوير قطاع الطيران المدني بهدف ربط مصر بالشبكة العالمية بصورة مشرفة، حيث تم إنشاء 5 مطارات جديدة، حيث تم الانتهاء من مطار العاصمة الإدارية الجديدة، ومطار البردويل الدولي «المليز» ومطار سفنكس الدولي، وجار تنفيذ مطارات برنيس ورأس سدر.
ثالثاً: تولي الدولة اهتماما كبيرا بقطاع التجارة والصناعة، لما له من دور أساسي في تنمية الصادرات وإتاحة فرص الاستثمار الصناعي، حيث تم إنشاء العديد من المدن والمشروعات التنموية العملاقة ومن أهم تلك المشروعات "مدينة الروبيكي للجلود - مدينة الأثاث بدمياط - مجمع الصناعات البلاستيكية بمرغم – المنطقة الصناعية بوسط سيناء" إضافة إلي إنشاء وافتتاح العديد من المصانع ذات الصناعات الثقيلة والمصانع الإنتاجية الكبرى، وقامت بتنفيذ عدد من المشروعات الصناعية بإجمالي استثمارات بلغت قيمتها 33.04 مليار جنيه.
رابعاً: حرصا من الحكومة على الاستفادة القصوى من الرقعة الزراعية، وتنمية وتطوير الثروة الزراعية والحيوانية والسمكية، فقد كثفت الدولة جهودها في هذا الإطار لتنفيذ عدد من المشاريع التنموية العملاقة الكبرى شملت استصلاح الأراضي، وتحسين كفاءة الري الحقلي بهدف ترشيد استهلاك المياه، وزيادة الرقعة الزراعية، وإنشاء الصوامع والهناجر لاستيعاب قدرات تخزينية فائقة لتخزين القمح باعتباره سلعة استراتيجية.
فضلاً عن الإنجازات التي حققتها الدولة في مجالات تطوير التعليم، فقد وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى بالتوسع فى استخدام تطبيقات التعليم الإلكترونى وميكنة وسائل التعليم، بالتنسيق المشترك بين وزارتى التعليم والاتصالات، مع استخلاص وتقييم الدروس المستفادة فى هذا الإطار من التعامل مع تجربة جائحة كورونا، وما فرضته من اللجوء إلى منصات التواصل الحديثة وتسخير التكنولوجيا للارتقاء بالعملية التعليمية، بهدف دعم جهود الدولة لإحداث نقلة نوعية فى منظومة التعليم.
إضافة إلى مشروعات القضاء على العشوائيات ومواجهة الزيادة السكنية، وإنشاء المدن الجديدة، وقطاع الشرب والصرف الصحي، والتضامن الاجتماعي، والاهتمام بقطاع الصحة والسكان، ومن أبرز مشروعات الدولة فى قطاع الصحة تنفيذ مُبادرة 100 مليون صحة التى رعاها الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ وذلك للقضاء على فيروس "سي"، كما تم إجراء 75 ألف عملية جراحية، ضمن المبادرة الرئاسية للقضاء على قوائم الانتظار.
يبقى القول أن حجم التحديات التي تواجهها مصر حاليا غير مسبوق، فهي تواجه الإرهاب في الداخل وعلى الحدود الغربية وتحدى سد النهضة وأزمة كورونا، لكن بفضل النجاحات التي حققتها القيادة السياسية والحكومة خلال ست سنوات من الكفاح والعمل الجاد لبناء الوطن والمواطن، فإن مصر قادرة على مواجهة التحديات واستكمال مسيرتها لتحقيق رؤية مصر 2030 في بناء الوطن والمواطن والعبور للمستقبل.