تستكمل منظمة العمل الدولية القمة العالمية الافتراضية رفيعة المستوى بشأن كوفيد-19 وعالم العمل وذلك على مدى ثلاثة أيام خلال الفترة من 7 إلى 9 يوليو الجارى من خلال تقنية الفيديو كونفرانس بجنيف مدينة المؤتمرات بسويسرا ، وتعتبر هذه القمة الأوسع بين العمال وأصحاب العمل والحكومات، والتى ستكون بمثابة مؤتمر العمل الدولى الذى تم أرجائه دورته 109 التى كان مقرر عقدها خلال الفترة من 25 مايو إلى 4 يونيو الماضى فى جنيف إلى يونيو 2021 وذلك بسبب انتشار فيروس كورونا (كوفيد - 19).
وكانت المنظمة قد عقدت قمتين مصغرتين يومى الأول والثانى من يوليو الجارى على المستوى العربى والإفريقى والتى كانت الأخيرة أمس والتى شاركت فيها مصر ممثلة فى وزير القوى العاملة محمد سعفان، فضلا عن وزراء العمل وقادة عماليون وأصحاب عمل من القارة.
ومن المقرر أن يتطرق النقاش فى القمة الرئيسية فى الأسبوع المقبل كيفية معالجة الآثار الاقتصادية والاجتماعية للوباء الذى كشف الضعف الشديد لملايين العاملين والمنشآت الاقتصادية، كما يناقش المشاركون كيف يمكن لعالم العمل إعـادة البناء على نحو أفضل بعد التعافى من الأزمة.
كما تناقش القمة العالمية مجموعة من القضايا تتمثل فى كيفية تعزيز الوظائف الكاملة والمنتجة فى هذه البيئة الجديدة، والخطوات المطلوبة لمعالجة نقاط الضعف الهائلة التى كشفتها الجائحة فى عالم العمل، ومن هم العاملون الذين يحتاجون إلى دعم واهتمام خاصين، وكيف نضع أهداف الحد من الفقر والقضاء عليه فى صلب عملية التعافي، وكيف يمكن للمجتمع الدولى التوافق على هدف مشترك حقيقى ويعيد تكريس نفسه لتنفيذ أجندة التنمية المستدامة 2030.
وسوف تتناول القمة العالمية خلال مناقشتها أحدث تحليل صادر عن المنظمة بشأن آثار كوفيد-19 على سوق العمل والذى كان تأثيره على عالم العمل أشد من التوقعات الأولية، ويقدم ثلاثة سيناريوهات للنصف الثانى من عام 2020.
وتقول منظمة العمل الدولية إن الخسارة فى عدد ساعات العمل فى العالم خلال النصف الأول من عام 2020 أسوأ بكثير من التقديرات السابقة، وتحذر بأن الانتعاش غير المؤكد نهائياً فى النصف الثانى من العام لن يكون كافياً للعودة إلى أوضاع ما قبل الوباء حتى فى أفضل السيناريوهات، مما يهدد باستمرار فقدان الوظائف على نطاق واسع.
فبحسب الإصدار الخامس من تقرير منظمة العمل الدولية: كوفيد-19 وعالم العمل ، انخفضت ساعات العمل العالمية بنسبة 14% خلال الربع الثانى من عام 2020، أى ما يعادل خسارة 400 مليون وظيفة بدوام كامل (على أساس أسبوع عمل مدته 48 ساعة)، وهذا أعلى بكثير من تقديرات الإصدار السابق من المرصد الصادر فى 27 مايو، البالغة 10.7% ، أى 305 مليون وظيفة .
وتظهر الأرقام الجديدة الوضع المتدهور فى العديد من المناطق طوال الأسابيع الماضية، وخاصة فى الاقتصادات النامية، وعلى صعيد المناطق، بلغت خسائر ساعات العمل فى الربع الثانى كما يلي:
أمريكا الشمالية والجنوبية (18.3%)، أوروبا وآسيا الوسطى (13.9%)، آسيا والمحيط الهادئ (13.5%)، الدول العربية (13.2%)، أفريقيا (12.1%).
ولا تزال الغالبية العظمى من عمال العالم 93% تعيش فى بلدان تطبق درجة من الإغلاق فى مكان العمل، مع وجود أكبر القيود فى أمريكا الشمالية والجنوبية.
النصف الثانى من عام 2020
ويقدم الإصدار الجديد ثلاثة سيناريوهات للتعافى فى النصف الثانى من عام 2020: سيناريو خط الأساس ، والسيناريو المتشائم، والسيناريو المتفائل. ويؤكد أن النتائج فى المدى البعيد ستتوقف على المسار المستقبلى للجائحة وعلى سياسات الحكومات.
ويتوقع سيناريو خط الأساس - الذى يفترض حدوث انتعاش فى النشاط الاقتصادى ينسجم مع التوقعات الحالية، ورفع القيود المفروضة على مكان العمل وتعافى الاستهلاك والاستثمار - انخفاض ساعات العمل بنسبة 4.9% (أى 140 مليون وظيفة بدوام كامل) عن الربع الرابع من عام 2019.
ويفترض السيناريو المتشائم حدوث موجة ثانية للوباء والعودة إلى القيود بطريقة ستؤخر التعافى لزمن طويل، وستكون النتيجة تراجع ساعات العمل بنسبة 11.9% (340 مليون وظيفة بدوام كامل).
أما السيناريو المتفائل فيفترض استئناف أنشطة العاملين بسرعة، مما يعزز الطلب الكلى ويزيد الوظائف بشكل كبير، وحدوث هذا التعافى السريع جداً، تنخفض خسارة ساعات العمل فى العالم إلى 1.2% (34 مليون وظيفة بدوام كامل).
الأثر على النساء
يبين المرصد أيضاً أن العاملات تضررن من الوباء أكثر من غيرهن، مما يعنى خطر ضياع بعض التقدم المتواضع الذى تحقق فى المساواة بين الجنسين فى العقود الأخيرة، وتفاقم اللامساواة بين الجنسين فى العمل.
ويعود تأثير كوفيد-19 الشديد على العاملات إلى ارتفاع نسبتها فى بعض القطاعات الاقتصادية الأكثر تضرراً من الأزمة، السكن والغذاء والمبيعات والتصنيع، فعلى الصعيد العالمي، يعمل قرابة 510 مليون امرأة (أو 40% من جميع العاملات) فى القطاعات الأربعة الأكثر تضرراً، مقابل 36.6% للرجال.
كما تهيمن النساء على العمل المنزلى و قطاعى الرعاية الصحية والعمل الاجتماعي، حيث يكنّ أكثر عرضة لفقدان الدخل والتعرض للعدوى، فضلاً عن تقل احتمالات حصولهم على الحماية الاجتماعية، كما أن التوزيع غير المتكافئ لأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر الموجود أصلاً قبل الوباء، يتفاقم أثناء الأزمة بسبب إغلاق المدارس وخدمات الرعاية.
رايدر : التحديات الرئيسية فى المستقبل
فى الوقت الذى تطبق البلدان فيه سياسات غير مسبوقة من حيث السرعة والاتساع، يسلط المرصد الضوء على بعض التحديات الرئيسية المقبلة:
إيجاد التوازن والتسلسل الصحيحين للتدخلات الصحية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتحقيق أفضل النتائج المستدامة فى سوق العمل.
تنفيذ واستدامة السياسات ضمن النطاق الضرورى عندما تكون الموارد قليلة ومرشحة للتناقص باستمرار.
حماية وتعزيز أوضاع الفئات الضعيفة والمحرومة والمتضررة بشدة لجعل أسواق العمل أكثر عدالة وإنصاف.
تأمين التضامن والدعم الدوليين وخاصة للدول الناشئة والنامية.
تعزيز الحوار الاجتماعى واحترام الحقوق.
يقول غاى رايدر، المدير العام لمنظمة العمل الدولية: "إن أثر القرارات التى نتخذها اليوم سيتواصل لسنوات مقبلة وحتى بعد عام 2030، ورغم أن البلدان تمر بمراحل مختلفة من الجائحة وتم عمل الكثير، فإننا بحاجة إلى مضاعفة جهودنا إذا أردنا الخروج من هذه الأزمة إلى وضع أفضل مما كنا عليه عندما بدأت".
ويضيف: "فى الأسبوع المقبل، ستعقد منظمة العمل الدولية قمة عالمية افتراضية رفيعة المستوى بشأن كوفيد-19 وعالم العمل، آمل أن تغتنم الحكومات والعمال وأصحاب العمل هذه الفرصة لتقديم أفكار مبتكرة والاستماع إليها ومناقشة الدروس المستفادة والخروج بخطط ملموسة للعمل معاً لتحقيق تعافى غنى بالوظائف وتشاركى ومنصف ومستدام. علينا جميعا أن نواجه التحدى المتمثل فى بناء مستقبل أفضل للعمل".