أكد السفير المصرى لدى مملكة البحرين ياسر شعبان، عمق العلاقات البحرينية المصرية التى تعد نموذجا للعلاقات العربية الأخوية، فى ظل اتفاق الرؤى بين حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى وفخامة الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى.
وكشف فى حوار خاص مع صحيفة «أخبار الخليج» البحرينية، عن مجموعة من المبادرات الهادفة لتعزيز التعاون الاقتصادى والتجارى بين المنامة والقاهرة بناء على قوة العلاقات السياسية والاستراتيجية بينهما، لافتا إلى أن هناك خطة طموحة من أجل زيادة حجم التبادل التجارى إلى مليار دولار، حيث إنه لا يتجاوز 600 مليون دولار حاليا.
وأكد السفير المصري أن مملكة البحرين تمتلك كل المقومات اللازمة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار بها كونها منصة مهمة للوصول إلى أسواق دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لافتا إلى اهتمام عدد من المستثمرين المصريين ببحث الفرص الاستثمارية في مجال التصنيع الدوائي والقطاع السياحي الواعد في المملكة.
وهذا نص الحوار:
مع حلول الذكرى الثامنة والستين لثورة 23 يوليو 1952، ماذا تمثل هذه المناسبة بالنسبة لمصر والعالم العربي؟
إن ثورة 23 يوليو 1952 تعد الثورة الأم التي استلهم منها عديد من الشعوب توجهاتهم إلى الانطلاق نحو تحديد مصيرهم بشكل عام، وكان ذلك على مستوى الوطن العربي أولا ثم القارة الإفريقية وثوراتها وحركات التحرر بها، التي بدأت تباعا منذ قيام الجمهورية في مصر بعد 1952، وامتد هذا الأثر إلى قارة أمريكا اللاتينية.
ولا بد أن نشير هنا إلى أن الثورة كان لها عدة تأثيرات على رأسها بداية التوجه نحو القومية العربية وبناء الوحدة العضوية والاجتماعية والنفسية انطلاقا من القاهرة على مستوى الوطن العربي بأكمله، بهدف نيل استقلال كل الدول العربية، ثم تفعيل المنظمة الإقليمية المشتركة ممثلة في جامعة الدول العربية وجعلها أكثر نشاطا.
وأصبحت القومية العربية أحد العناصر التي بنيت عليها مجموعة دول عدم الانحياز بداية من عام 1958.
وأسهمت ثورة يوليو في توطيد العلاقات وتعزيز التواصل بين الشعوب، ولا ننسى في هذا الشأن الذكرى المحببة إلى قلوبنا جميعا، عندما قام الشعب البحريني بتجاوز كل التحديات لاستقبال الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر لدى زيارته لدولة البحرين، وهو المشهد الذي تكرر لدى عودته من باندونج، وهو الترجمة الحقيقية أن ثورة 23 يوليو بعد سنوات قليلة من قيامها أوجدت إطار العمل الذي يجسد روح الأخوة بين الشعبين الشقيقين.
هل تحتاج المنطقة إلى إعادة إحياء مفاهيم العمل الجماعي المشترك في مواجهة التحديات التي تواجهها في السنوات الأخيرة؟
بالتأكيد، خاصة أن المنطقة شهدت في أعقاب حرب 1973 محطات كثيرة تأثر فيها العمل العربي المشترك، ولعل أكبر هذه التأثيرات كان الغزو العراقي للكويت، وضرب التكاتف العربي بقوة.
الواقع الحالي وما تواجهه المنطقة من تحديات يؤكد استهداف المجموعة العربية، فالقضية الفلسطينية التي تعد قضية العرب الأولى تشهد تحديا كبيرا، ومازالت الدول العربية متمسكة بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطين المستقلة على حدود 4 يونيو 1967.
ويأتي التحدي الثاني الذي تواجهه الدول العربية وهو التدخلات المستمرة واللامنتهية من قبل دول الجوار الإقليمي في الشؤون الداخلية العربية بل ومحاولات بعضها المباشرة على قرار عدد من عواصم البلدان العربية، بالإضافة إلى التدخلات العسكرية التي تمارسها دول الجوار سواء في سوريا أو ليبيا.
والتحدي الآخر يتمثل في وجود دولة شقيقة للأسف الشديد خرجت عن الإطار العربي وانضمت إلى دولتي الجوار الإقليمي وتعمل معهما ضد مصالح دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وضد مصالح الدول العربية وضد الشعوب العربية للتأثير على مقدرات هذه الشعوب.
وكل التحديات السياسية يمكن التغلب عليها بوحدة القرار العربي، وإرادة الشعوب العربية هي التي ستفرض فيها الحل، لأن الشعوب لا تموت.
إلى جانب هذه التحديات، لا بد من الإشارة إلى تحد أكبر وهو تحقيق الرفاهية والتطور والنمو الاقتصادي لشعوب المنطقة، حيث إن جامعة الدول العربية قطعت شوطا كبيرا في هذا الشأن بداية من اتفاقية التجارة الحرة المشتركة والاعفاءات الجمركية والنقل العربي المشترك، وهذا ما يتطلب البناء عليه واستثماره بين مختلف الدول العربية، لذا أرى أن تعزيز وبناء المصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدان العربية سوف يكون له دور فعال وأكثر تأثيرا في تعزيز الأواصر بين شعوب المنطقة والوصول إلى رفاهية المواطن العربي.
وقد آن الأوان أن نستثمر مفاهيم القومية العربية التي قامت عليها ثورة يوليو لتحقيق المنفعة الاقتصادية المشتركة بين بلدان المنطقة.
كيف تقيم العلاقات البحرينية المصرية المشتركة، وما هو دور البعثات الدبلوماسية في تعزيزها؟
إن العلاقات البحرينية المصرية تعد مثالا يحتذى به على جميع المستويات، وهناك اتفاق في الرؤى بين البلدين حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية، وذلك يعود إلى العلاقات المتميزة بين حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى وفخامة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وكذلك العلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين.
ونحن نسعى إلى استثمار هذه العلاقات المتميزة في الجانب السياسي من الناحية الاقتصادية أيضا، حيث من المهم تعزيز التبادل بين البلدين ودفع الاستثمارات المشتركة، ونرى أهمية جذب استثمارات مصرية إلى المملكة، وجذب رؤوس أموال إلى البحرين وجعلها منصة تصديرية إلى المملكة العربية السعودية وجميع دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى فتح المجال أمام مناطق التصدير في مصر كقاعدة تصديرية للتوكيلات الموجودة في مملكة البحرين.
وهناك العديد من المبادرات الإيجابية التي تعزز التعاون الاقتصادي المشترك، من بينها إمكانية تأسيس مشروعات مشتركة وتبادل حصص استثمارية في مشروعات معامل تكرير النفط في البلدين.
وسوف نحرص على تعزيز التواصل مع شركة «ممتلكات» وترتيب زيارة لها لجمهورية مصر العربية، وذلك إلى جانب التعاون مع غرفة تجارة وصناعة البحرين، وهناك مساع قريبة لعقد اجتماع مشترك بين جمعية رجال الأعمال البحرينية ونظيرتها المصرية عبر تقنيات الاتصال المرئي عن بعد.
كيف ترى الفرص الاستثمارية في مملكة البحرين؟
مملكة البحرين تمتلك مقومات جاذبة للاستثمار في مختلف القطاعات لرؤوس الأموال المصرية والعربية والأجنبية، وهناك مجالات رئيسية في هذا الشأن ومنها الصناعات التحويلية للألمنيوم والخدمات الطبية والتصنيع الدوائي والبتروكيماويات إلى جانب القطاع السياحي.
ونتطلع إلى استقطاب عدد من كبار المستثمرين المصريين لاستكشاف الإمكانيات السياحية لمملكة البحرين وإقامة المنتجعات السياحية على غرار المقام في صلالة والجبل الأسود والجونة.
بالإضافة إلى أن لدينا تطلعا إلى التعاون في قطاعي الصوب الزراعية والمزارع السمكية من خلال التعاون مع وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني، ونتطلع إلى الاستفادة من الخبرات البحرينية والمصرية المشتركة بما يعود بالنفع على البلدين والعمل على رفع حجم التبادل التجاري بينهما، حيث يتراوح التبادل التجاري ما بين 550 و600 مليون دولار أمريكي والميزان التجاري لصالح البحرين، حيث يشمل صادرات بحرينية إلى مصر من الألمنيوم الخام والبتروكيماويات وكريات الحديد، أما الصادرات المصرية إلى الأسواق البحرينية فتتركز في الخضراوات والفواكه والمنسوجات وبعض الأدوية وبعض قطع غيار السيارات.
ونحن نطمح إلى رفع قيمة التبادل التجاري إلى مليار دولار خلال السنوات المقبلة.
ما هي التحديات التي قد تعيق تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي المشترك بين البلدين؟
ربما أبرز التحديات التي تقف عائقا في الوقت الحالي هو صعوبة عقد اللقاءات المشتركة بين الجانبين حيث تأجلت اجتماعات اللجنة المشتركة بين البلدين والتي كان من المقرر عقدها خلال أبريل الماضي جراء جائحة كورونا.
ونحن نسعى إلى التغلب على هذا التحدي من خلال عقد لقاءات افتراضية وصولا إلى انعقاد اللجنة المشتركة برئاسة وزيري خارجية البلدين في أقرب وقت مع توافر الظروف الملائمة لذلك.
هل كشفت أزمة كورونا الحاجة إلى مزيد من التعاون العربي في مجالات مختلفة؟
في البداية فإن جائحة كورونا قد أسهمت في التأثير على بعض الترتيبات والتنسيقات المشتركة، ولكن لا بد أن ألقي الضوء على التعاون بين وزارتي الصحة في البحرين ومصر، وهو ما يقودنا إلى التعاون المأمول في المجال الطبي، وقد آن الأوان للرأسمال المصري وما يملكه من خبرات في مجال التصنيع الدوائي أن يدخل السوق البحريني.
وهناك من المستثمرين المصريين الذين يتطلعون إلى الاستثمار في هذا المجال في البحرين، وهو ما سيتم بلورته بصورة أوضح خلال الاجتماعات القادمة بين رجال الأعمال في البلدين.
ماذا عن التعاون الثقافي بين البلدين؟
كان لدينا خطوات كبيرة للتعاون خلال مهرجان ربيع الثقافة 2020 تأثرت بسبب كورونا، ولكن سيكون لنا حضور في مهرجان صيف البحرين ومشاركة افتراضية حيث سيكون هناك عرضان ثقافيان لمصر في هذا المهرجان أحدهما عرض باليه الليلة الكبيرة.
ونحن بصدد الترتيبات لاستقطاب معرض فريد من نوعه ليس على مستوى الخليج فحسب ولكن على مستوى الوطن العربي ككل، بحيث يقام في مملكة البحرين.
ولا بد أن أنوه بالدور الكبير الذي تقوم به هيئة البحرين للثقافة والآثار برئاسة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة في تعزيز العلاقات الثقافية بين البلدين.
خلال أزمة كورونا جرى ترتيب عودة بعض من أبناء الجالية المصرية من البحرين إلى القاهرة، كيف ترون التسهيلات التي وفرتها المملكة في هذا الشأن؟
السلطات البحرينية قدمت تسهيلات كبيرة للسفارة المصرية في المملكة خاصة وزارات الخارجية والداخلية ومحافظتي المنامة والمحرق وهيئة تنظيم سوق العمل رغم الظرف الاستثنائي الذي فرضته أزمة جائحة كورونا في جميع أنحاء العالم.
وقد تم التعامل مع هذه الظروف في ظل تفهم كامل لحالات أبناء الجالية المصرية الموجودين في البحرين، وقد كانت الحكومة المصرية حريصة على مساعدة جميع الجاليات في الخارج.
وبالفعل تم ترتيب 3 رحلات جوية استثنائية تقل المصريين الراغبين في العودة إلى بلدهم وفق معايير محددة للتسفير بالتعاون مع لجنة مشتركة من أبناء الجالية المصرية، وصولا إلى نظام حجز المواعيد في السفارة إلكترونيا.
ونحن نتطلع إلى تطوير العمل في السفارة المصرية بالمنامة خلال الشهرين القادمين.
ما هي طبيعة خطط التطوير بالسفارة؟
طبقنا نظاما للحجز الإلكتروني للمواعيد عبر الحساب الرسمي للسفارة على الفيسبوك، يتم من خلاله ارسال رسالة نصية إلى المراجع للسفارة تتضمن تحديد المستندات المطلوبة لإتمام معاملته.
ونحن نسعى إلى التعاقد مع إحدى شركات الاتصالات بالمملكة من أجل توجيه رسائل لأبناء الجالية المصرية المقيمة في البحرين.
ونتطلع إلى ميكنة معاملات القسم القنصلي بعيدا عن التعامل المباشر مع الموظفين وصولا إلى تسليم المعاملات آليا أيضا في مجال التصديقات المختلفة.
وهناك خطوات قادمة لإعادة ترتيب القسم القنصلي ليتوافق مع الإجراءات الاحترازية والوقائية والصحية، كما أننا ندرس إنشاء قسم خاص للتأشيرات والجوازات في مقر السفارة.
كيف ترى الحكم الذي صدر مؤخرا من محكمة العدل الدولية يتعلق بموقف الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب (البحرين، مصر، السعودية، الإمارات) من دولة قطر؟
هذا الحكم لا تأثير له في موقف الدول الأربع من قطر، ولكنه يتعلق باختصاص منظمة الطيران الدولية (الإيكاو) بالنظر في القرار السيادي الذي اتخذته الدول العربية في حظر الطيران فوق أجوائها ضد الطيران القطري.
وهو قرار سيادي يحق للدول الأربع اتخاذه ضد من يهدد مصالحها، ولكن العقليات التآمرية في النظام القطري ارتأت أن تحيل دعوى إلى محكمة العدل الدولية حتى تنقض هذا القرار، ولكنها ليست محكمة اختصاص، وما صدر من المحكمة أكد ذلك.
وأرى أن حكم محكمة العدل الدولية يعتبر لطمة للقانونيين القطريين الذين ارتأوا الذهاب إلى هذه المحكمة للاحتجاج على الطلب المصري الذي صادقت عليه منظمة الإيكاو، حيث إن الدول الأربع قد تقدمت بهذا الطلب الذي يؤكد أحقيتها في حظر الطيران القطري فوق أجوائها بناء على الاتفاقيات الدولية التي تجيز لهم ذلك.
اللجوء القطري إلى محكمة العدل الدولية خاطئ، ومغرض، والحكم الذي صدر أخيرا يؤكد فشل المسعى القطري، وذلك بإعادة الموضوع إلى جهة الاختصاص الأصلية وهي منظمة الايكاو.
ويجب على المواطن العربي أن يعي أن ما يقوم به النظام القطري هو تضليل وإفك، وعلى نظام الدوحة أن يدرك أن حل الأزمة يتمثل في الالتزام بتطبيق الاتفاقيات التي وقع عليها.