أكد الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، أن الخيانة داء لا يتسق مع الدين ولا مع الوطنية ولا الإنسانية السوية، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (الأنفال: 27) ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ" (صحيح ابن حبان)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ" (متفق عليه).
وتابع جمعة فى كتابه "حديث الروح": "ويقول (صلى الله عليه وسلم): "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا ، إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ"(متفق عليه)، فمن اجتمعت فيه هذه الخصال، أو خصلة واحدة منها كان منافقًا ، لأن هذه الصفات الذميمة مهلكة للأفراد ومدمرة للأمم والمجتمعات".
واستطرد جمعة: "فكثيرًا ما نرى المنافق يكذب ليوهم الغير بصدق قوله وفعله، قال تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ" (البقرة: 204) ، فإذا ذُكر النفاق والخداع وخيانة الأمانة في القرآن الكريم ذُكر معه الكذب ، قال تعالى : "يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ" (البقرة: 9،10)".
والنفاق نوعان: عقدي، وعملي، أما العقدي فهو أن يُظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره، ويبطن خلاف ذلك كله أو بعضه، ويسميه بعض العلماء النفاق الأكبر، ويقول رب العزة سبحانه وتعالى في شأن المنافقين: "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا " (النساء: 145)، لأن هؤلاء المنافقين كانوا أكثر شرًا وضررًا على الإسلام والمسلمين من الكفار والمشركين.
والنوع الثاني: هو ما يعرف بالنفاق العملي، وقد عرفه ابن حجر (رحمه الله) بأنه إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدوا صاحبها، ومنه تجويد العبادة في العلن مراءاة للناس، وقال عنه الإمام الغزالي (رحمه الله): "هو طلب المنزلة في قلوب الناس بأن يريهم الخصال المحمودة من نفسه، ليحمدوه"، فينال بذلك منزلة أو مكانة أو نفعًا أو ثناءً، وهذا النوع من النفاق محبط للعمل مُذهب بثوابه، ففي الحديث القدسي يقول رب العزة: "أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ"، وفي رواية أخرى: "فَمَنْ عَمِلَ لِي عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ، وَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ" (صحيح مسلم).
وللنفاق العملي علامات، من أبرزها: الكذب في الحديث، وخلف الوعد والعهد، وخيانة الأمانة، والفجور في الخصومة.
ومن أخص علامات النفاق: الإفساد في الأرض، والكسل عند أداء الطاعة والعبادة، ومراءاة الناس بها أو بتجويدها والتظاهر بإتقانها على عكس ما يكون في خلوته أو بعده عن الناس، حيث يقول الحق سبحانه: "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا" (النساء: 142)، ويقول سبحانه: "وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ " (التوبة: 54)، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "إِيَّاكُمْ وَشِرْكَ السَّرَائِرِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَا شِرْكُ السَّرَائِرِ ؟ قَالَ: "يَقُومُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلاتَهُ جَاهِدًا لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَذَلِكَ شِرْكُ السَّرَائِرِ"(مسند أحمد)، وكان سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول: من أبدى فوق ما في قلبه فهو منافق.
ومن علامات النفاق وأماراته: التحالف مع الأعداء والتواصل معهم على حساب الدين والوطن ، بالتجسس والخيانة ، ونقل الأخبار والمعلومات ، والإفصاح عن أسرار الوطن ، فالمنافق عميل يوالي أعداء وطنه على حساب أهله وجيرانه وأقربائه ، على أن من باع وطنه باع دينه وعرضه وشرفه ، ومن لا خير لوطنه فيه فلا خير له في نفسه.
واختتم وزير الأوقاف قائلاً:"من أخطر أنواع الخيانة خيانة الأوطان وبيعها بثمن بخس وعرض زائل من الدنيا على نحو ما تقوم به الجماعات المتطرفة ومن يوالونها أو يسيرون في ركابها وعلى نهجها في بيع أوطانهم بثمن بخس ، ذلك لأن الخونة أخطر على الأوطان من الأعداء ، فما من دولة سقطت على مدار التاريخ إلا كان وراء سقوطها خيانة وعمالة بعض الحاقدين من أبنائها ، فالعمالة والخيانة هما أخطر ما يهدد كيان الدول ووجودها.