عقدت وزارة الأوقاف مساء الثلاثاء، ندوة للرأى تحت عنوان: "لا إكراه فى الدين " بمبنى الإذاعة والتليفزيون، تحدث فيها الدكتور جمال فاروق العميد السابق لكلية الدعوة الإسلامية، والشيخ عبد الخالق صلاح إمام وخطيب بمديرية أوقاف القاهرة.
وفى كلمته أشار الدكتور جمال فاروق إلى أن الحرية الدينية مبدأ أساس من المبادئ الأساسية فى الدين الإسلامى، فلا إكراه ولا إجبار على دخول الدين، يقول تعالى: "لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَى "، ويقول سبحانه : " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ "، فلا سلطان لأحد على الناس فى اختيار عقائدهم ومذاهبهم، يقول الله (عز وجل) : "إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا أن اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أن اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" .
كما بين فاروق، أن تاريخ الإسلام واضح ولم يثبت فيه أن النبى (صلى الله عليه وسلم) أو الصحابة أو التابعين أجبروا أحدًا على الدخول فى الإسلام، والقتال فى الإسلام كان لرد العدوان والدفاع عن النفس، مشيرًا إلى انتشار الإسلام بحسن الخلق والمعاملة الحسنة والتعايش السلمى، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "إنما بعثتُ لأتمم مكارمَ الأخلاقِ"، ولما هاجر سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة تعايش مع اليهود ولم يكرههم على الدخول فى الإسلام.
وأكد الدكتور جمال فاروق، أن قضية الإيمان أو عدمه من الأمور المرتبطة بمشيئة الإنسان نفسه وقناعته الداخلية، يقول سبحانه: " فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ "، وأنه يجب أن يكون هناك وعى لما كان عليه النبى (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه من أخلاق حسنة، لأننا أصحاب رسالة ومبادئ، وقد أمرنا رب العالمين بذلك فقال سبحانه: "ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ أن رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"، حتى فى الحوار والمجادلة أمرنا أن يكون حوارنا بالتى هى أحسن، يقول تعالى: " وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ".
وفى كلمته أكد الشيخ عبدالخالق صلاح، أن المتأمل فى كتاب الله (عز وجل) يَخرج بحقيقة لا يُمازجها شكٌّ، وهى أن هذا الكون يسير وفق سُنن وضعها الله (عز وجل) تتَّسم بثباتها عبر الزمان والمكان، فهى لا تتغيَّر ولا تتبدَّل، ومن هذه السنن: سنة التدافُع والتوازن، والأخذ بالأسباب، واختلاف الناس فى العادات والتقاليد والتصورات، كما أن اختلافهم فى اختيار عقائدهم سنَّةٌ جارية منذ الأزل، ولو أراد الله تعالى أن يَجمع البشرية على كلمة واحدة لا يتخلَّف أحد منهم عن الإيمان لتحقق ذلك، لكن اقتضت حكمتُه سبحانه أن جعَل الاختلاف العقَدى والفكرى سنة كونية تجرى على العباد منذ الأزل، فالناس مُتفاوِتون فى كسب الإيمان والتزام الأحكام، مُختارون لمعتقداتهم وأعمالهم، يقول سبحانه :" وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّك".
كما أشار صلاح إلى أن السلوك الصحيح هو منهج الإسلام، وأن الإسلام انتشر بالمنهج السلوكى والأخلاقى القويم، وسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ضرب مثلًا طيبًا فى عدم إكراه أحد على الدخول فى الإسلام، حيث جاء فى وثيقة نجران " وَلِنَجْرَانَ وَحَسْبُهَا جِوَارُ اللّهِ وَذِمّةُ مُحَمّدٍ النّبِى عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَمِلّتِهِمْ وَأَرْضِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَغَائِبِهِمْ وَشَاهِدِهِمْ وَعَشِيرَتِهِمْ وَتَبَعِهِمْ وَأَنْ لَا يُغَيّرُوا مِمّا كَانُوا عَلَيْهِ وَلَا يُغَيّرُ حَقّ مِنْ حُقُوقِهِمْ وَلَا مِلّتِهِمْ وَلَا يُغَيّرُ أُسْقُفٌ مِنْ أُسْقُفِيّتِهِ وَلَا رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيّتِهِ وَلَا وَافِهٍ عَنْ وَفَهِيّتِهِ وَكُلّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ أو كَثِيرٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ رِيبَةٌ وَلَا دَمُ جَاهِلِيّةٍ وَلَا يُحْشَرُونَ وَلَا يُعْشَرُونَ وَلَا يَطَأُ أَرْضَهُمْ جَيْشٌ "، وهذا هو التعايش السلمى بين أهل الديانات المختلفة، ومصر تعتبر بفضل الله تعالى من أُولَى الدول فى تطبيقه، بل ضربت أنموذجًا فى نسيجها الوطنى وتلاحم أبنائها لا مثيل له ولا نظير فى العالم كله.