أصدرت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، دراسة بحثية تناولت فيها مدى استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي لمحاصرة جائحة كوفيد 19، مستعرضةً دور هذه التطبيقات في التنبؤ بالمرض، والتشخيص والعلاج بعد الإصابة، إضافة إلى أهميتها في التتبع والرقابة، ومشيرةً إلى أهمية ملاءمة ذلك للتشريعات الوطنية بالدول والقوانين الدولية والاتفاقية المتعلقة بحماية الخصوصية والحريات الأساسية، وتحديات التأطير القانوني لحماية البيانات الشخصية في استخدامات الذكاء الاصطناعي.
وتساءلت الدراسة التي حملت عنوان: "تطورات الذكاء الاصطناعي ومقتضيات حماية الحقوق والحريات الأساسية"، عما إذا حان موعد وداع الخصوصية؟، مؤكدةً على أهمية التوازن بين الحق الأصيل للإنسان في الحرية، وحاجة الدولة إلى حماية أفرادها وسلامتهم، ومقدمةً عددا من الملاحظات والتوصيات، لرسم خطوط واضحة المعالم، لاستخدام التقنيات الحديثة ومنها تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وأوضحت الدراسة أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي كشفت عن أوجه قصور وخلل عديدة، متفاوتة الخطورة، إذ منها ما يمس الفرد والمجتمع في استقراره وأمنه، مدلِّلةً على ذلك بالكم الهائل من الأخبار المزيفة حول الوباء، وكثرة الدراسات والمقالات التي لا تستند إلى أي علم، مشيرةً إلى ضرورة حماية وعي الناس من مخاطر التزييف وتحريف الفهم.
وشددت الدراسة على أن الذكاء الاصطناعي يتيح فرصا واعدة ومبتكرة في سبيل تذليل الصعوبات والتحديات التي تواجه البشر في حياتهم، إذا ما أحسن استعماله لصالح الإنسان، لكن ينبغي استحضار البعد الأخلاقي والقيمي كموجه أساسي في ضبط الوتيرة السريعة التي تسير بها عجلة الابتكار والتطور، من خلال أطر تنظيمية أقوى تحمي الإنسان من تعسف التقنية وهيمنتها على حياته الشخصية وتحد من اختراقها لخصوصياته.
وكشفت الدراسة عن الحاجة إلى استحداث وسائل تنظيمية مبتكرة وذكية، تواكب التطور التكنولوجي وتحيط بحيثياته، ملمحةً إلى حجم التحديات التي تواجه فكرة القانون والتنظيم عامة، في ظل هذه الأوضاع المستجدة غير المسبوقة في التاريخ البشري، ومبيّنةً أن جائحة كوفيد 19 أظهرت قصورًا في التشريعات القانونية، وعدم مواكبتها للتطور التقني فضلا عن الإحاطة به واستشرافه.
وأشارت الدراسة إلى نجاح عدد من الدول الأعضاء بالإيسيسكو، في المواءمة بين توظيف الذكاء الاصطناعي والتشريعات، وذلك من خلال إحداث نصوص ضابطة ومؤسسات حوكمة معدة لهذا الغرض، منوّهةً بالقانون الجديد لحماية البيانات الشخصية في إندونيسيا، وسياسة حماية البيانات الشخصية في المملكة العربية السعودية، وحماية البيانات الخاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومقتضيات حماية الخصوصية في القانون المغربي وآليات حماية المعطيات الشخصية، وتطبيق "احمي" وحماية الخصوصية من خلال القانون التونسي.
وتأتي هذه الدراسة، المُعدّة من إدارة الشؤون القانونية في الإيسيسكو، في إطار وعي المنظمة بالتحولات الجارية التي تفرضها الجائحة، ومواكبة الأفكار والتجارب والتقنيات المسخرة لمحاصرتها والقضاء عليها، وفي مقدمتها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، التي فرضت نفسها على النقاش العام خلال الجائحة، وزادت التساؤلات حول مدى خضوعها للقانون واحترامها لخصوصيات الإنسان وحرياته الشخصية.
يُذكر أن المنظمة تعمل على مواكبة التشريعات للتقدم التكنولوجي عبر إعداد دليل لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي في العالم الإسلامي، وهو المشروع الأول في المنطقة، وستُعرض خطوطه العريضة على المجلس التنفيذي للإيسيسكو، في إطار المقاربة التشاركية التي تعتمدها المنظمة مع دولها الأعضاء.