نظمت عقدت وزارة الأوقاف ندوة للرأى تحت عنوان: "أثر التصوف فى ترسيخ القيم وترقية النفس الإنسانية” بمبنى الإذاعة والتليفزيون، تحدث فيها الدكتور عبد الله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية، والدكتور جمال فاروق العميد السابق لكلية الدعوة الإسلامية.
وفى كلمته أكد الدكتور عبد الله النجار أن التصوف يرتقى بأخلاق الإنسان، وأن جهاد النفس أعلى أنواع الجهاد وهو الأساس الذى تقوم عليه الأنواع الأخرى، وذلك بإلزام النفس وإجبارها على ما أمر الله تعالى به، والاجتناب والابتعاد عمّا نهى عنه، كما أن العبد لا يصل إلى الله تعالى بشرور النفس، فقد يقع البعض فى أهوائها، فيحقق لها رغباتها وشهواتها، والبعض الآخر من الناس يأسر نفسه ويمنعها من الشهوات والأهواء، يقول تعالى: "فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِى الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِى الْمَأْوَى".
كما ذكر النجار أن العبادات فى جوهرها وسيلة للتقرب إلى الله (عز وجل) لتهذيب السلوك، فصوم لا يحقق معنى التقوى فى القلب لم يؤت ثمرته المرجوة، وزكاة لا ترفع الإنسان إلى مقام العطاء هى أيضًا عبادة لم تؤت ثمرتها، وحج لا يصل بالإنسان إلى التواضع والاستزادة من الطاعات والتقرب إلى الله تعالى هو أيضا لم يؤت ثمرته، مشيرا إلى أنه لا يمكن أن نفهم بعض جوانب الدين إلا من خلال التصوف، فلا يمكن أن يتصور الانسان حقيقته إلا من خلال هذا الاستشراف الروحى الذى نفهمه من التصوف،كما أن التصوف وسيلة صحيحة لفهم مقاصد الدين، ومقصود العبادات التى نؤديها لن يتأتى إلا من خلال الرقابة الذاتية التى يحققها التصوف.
وفى ختام كلمته بين الدكتور عبدالله النجار، أنه لن تتحقق للمسلمين العزة المطلوبة إلا من خلال أدوات الاقتدار، ولما تكلم القرآن الكريم عن الزهد فى الدنيا فهو يعالج فى النفس البشرية الهوى، فالإنسان بطبعه ميال للدنيا محب لها، وآيات الزهد إنما هى وسيلة وليست غاية، والمنافسة بين الشعوب والدول تبنى على القدرة، يقول سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى "، أى اليد المعطية المنفقة التى تعطى لغيرها من متاع الدنيا سواء أكان عطاؤها ماديا أم معنويا، وينبغى أن تكون صلة الإنسان بمجتمعه وبغيره صلة صحيحة وقوية، مبينا أن العلم هو أول طريق التصوف الحقيقى، قال تعالى فى أول ما نزل من القرآن الكريم: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ"، والعلم هو الأساس الذى يعصم الإنسان من الانحراف والتطرف، والجماعات المتطرفة حولت علم الدين إلى أداة لخدمة أغراض جماعاتهم، وانحرفت بالعلم انحرافًا مشينًا وممقوتًا.
وفى كلمته أكد الدكتور جمال فاروق، أن دور التصوف وأثره فى ترسيخ القيم وبناء الشخصية السمحة نابع من الفهم الصحيح لحقيقة التصوف السمحة، ومن دوره فى ترقية الأخلاق والحس الإنسانى، حيث حفل تاريخ التصوف بالرحمة والتسامح وتأصيل القيم النبيلة وترسيخها، مبينا فضيلته أن التصوف الحق أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهو حال المشاهدة، فإن لم تستطع أن تتلبس بهذا المقام فكن فى مقام المراقبة، كما فرق بين كلمة المُخلَص"(بفتح اللام) وكلمة "المُخلِص" (بكسر اللام)، قال تعالى فى حق سيدنا يوسف (عليه السلام) : "إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ" بفتح اللام، وقال تعالى : "إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ" بكسر اللام، فالعبد المخلِص -بالكسر- هو ذلك المجاهد لنفسه المنقطع بالعبادة لله تعالى ساعيًا لمرضاته ومغفرته،أما المخلَص -بالفتح- فهو العبد الذى استخلصه واجتباه الله سبحانه وتعالى لنفسه، فالإخلاص بالكسر يكون نابعا من العبد لله سبحانه وتعالى،أما بالفتح فهو الاجتباء الذى يكون من قبل الله تعالى مختصا به بعض أوليائه .
وتابع فاروق:"التصوف يهذب النفس من شوائب الغل والكبر والعناد والحسد، والتصوف الحقيقى هو المبنى على الكتاب والسنة النبوية المطهرة، ولا يمكن للتصوف أن يُخَرّجَ متطرفًا، أو إرهابيًّا، وينبغى للمتصوف أن يلتزم مقام المراقبة أن لم يبلغ بعد مقام المشاهدة، والولى محفوظ وليس بمعصوم، يقول الإمام القشيرى فى رسالته : تعامل القرن الأول فيما بينهم بالدين زمانا طويلا حتى رق الدين، ثم تعامل القرن الثانى بالوفاء حتى ذهب الوفاء، ثم تعامل القرن الثالث بالمروءة حتى ذهبت المروءة، ثم تعامل القرن الرابع بالحياء حتى ذهب الحياء، ثم صار الناس يتعاملون بالرغبة والرهبة، ولابد للتصوف من العلم يقول الإمام مالك (رحمه الله) : "من تصوف بدون علم فقد تزندق، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن جمع بينهما فقد تحقق" .