عقدت وزارة الأوقاف، ندوة للرأى تحت عنوان "دور المؤسسات الدينية فى الحفاظ على الأوطان" بمبنى الإذاعة والتليفزيون، تحدث فيها الشيخ جابر طايع يوسف رئيس القطاع الدينى بوزارة الأوقاف، والدكتور هشام عبد العزيز أمين عام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
وفى كلمته أكد الشيخ جابر طايع أن الوطنية الحقيقية هى عطاء وانتماء وليست مجرد ادعاء، والدين والدولة لا يمكن أبدًا أن يكونا ضدين أو متناقضين، ولكنهما متكاملان، مشيرًا إلى أن النبى (صلى الله عليه وسلم) حينما هاجر إلى المدينة المنورة عالج علاقة الناس بربهم وعلاقة المؤمنين بعضهم ببعض، وعلاقتهم بغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، فبدأ النبى (صلى الله عليه وسلم) ببناء المسجد ليربط الناس بخالقهم، ثم أرسى النبى (صلى الله عليه وسلم) علاقة المؤمنين بعضهم ببعض فكانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار (رضى الله عنهم)، وعالج علاقة المؤمنين بغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى فكانت وثيقة المدينة المنورة، والتى تؤكد أن أهل المدينة يد واحدة على من سواهم، كل هذا على أساس المواطنة التى لا تفرق بين إنسان وآخر.
وأوضح طايع، أن هناك فرقا بين التدين الحقيقى والتدين الشكلى الذى يختزل الدين فى أمور عجيبة مثل تقصير الثياب والسواك وغير ذلك، واختزال التدين فى هذه الأمور فقط بعيد عن فهم مقاصد الشرع الحنيف، مبينًا أن التدين الشكلى هو الذى يؤدى إلى سوء الأخلاق، وإذا أردت أن تعرف أخلاق أمة فانزل إلى الشوارع والأندية، فإن وجدت خللًا فى أخلاقها فاعلم أن هناك خللا فى وطنيتها، وعلينا أن نعالج هذا الخلل بالرجوع إلى المقصود من العبادات التى أوجبها المشرع (سبحانه وتعالى) فالصلاة أن لم تحقق الصلة بينك وبين الله وتنهى عن الفحشاء والمنكر فليس لله حاجة فيها، والصوم أن لم يحقق فيك مراقبة الله (عز وجل) فى كل أفعالك فأى صيام هذا ؟ والحج أن لم يحقق فيك التراحم بدل التزاحم وإيثار غيرك عليك فلم تحظ بمقصود الحج، وكذا الزكاة وسائر العبادات.
وأشار طايع، إلى الدور الريادى الذى تقوم به وزارة الأوقاف، فأول هذه الإنجازات هى تطوير وتجديد الخطاب الدينى بصورة لا مثيل لها من قبل، وذلك من خلال جيش من السادة العلماء والأئمة، والدليل على ذلك نجاحهم فى التعامل مع الجمهور فى أزمة كورونا، كما نجحت الوزارة فى تجريد المنابر وتحريرها من كل دخيل كان يستهين بالوطن لنعيد الخطاب الدينى المستنير الذى يجمع ولا يفرق، واستطاعت الوزارة بذلك أن تجفف منابع الفكر لهؤلاء المخربين والمأجورين.
وفى كلمته أكد الدكتور هشام عبد العزيز أمين عام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية أن النبى (صلى الله عليه وسلم) كان دائما متعلقا بوطنه، فحينما خرج (صلى الله عليه وسلم)من مكة المكرمة مهاجرا جعل ينظر إليها ويقول : " واللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلى اللَّهِ، وَلَوْلاَ أَنِّى أُخْرِجْتُ مِنْكِ ؛ ما خَرَجْتُ"، وقد ظل النبى (صلى الله عليه وسلم) ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا يصلى إلى بيت المقدس وهو فى المدينة وما زال قلبه معلقا بمكة وبيت الله الحرام، يقول تعالى : " قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ".
وبين عبد العزيز، أن النبى (صلى الله عليه وسلم) عندما دخل المدينة المنورة وضع الأسس التى بنيت عليها الدولة، فكان أول ما قال (صلى الله عليه وسلم) : " يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ! أَفْشُوا اَلسَّلَام، وَصِلُوا اَلْأَرْحَامَ، وَأَطْعِمُوا اَلطَّعَامَ، تَدْخُلُوا اَلْجَنَّةَ بِسَلَامٍ"، موضحًا أن وثيقة المدينة هى وثيقة للإنسانية كلها، لأنها لم تفرق بين مسلم وغيره، وهذه الأمور من مقاصد القرآن الكريم حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ "، وهذا التكريم شامل للبشرية جمعاء، ولم يأت لطائفة دون أخرى.
وأشار الدكتور هشام عبد العزيز أمين عام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إلى أن وزارة الأوقاف قد قامت بإصدار العديد من المؤلفات للتوعية بقضايا الوطن والدفاع عنه، كما أنها تعمل على نشر الفكر الوسطى المستنير ومواجهة الأفكار المتطرفة، مبينًا أن وزارة الأوقاف لها دورها الريادى فى الدفاع عن الوطن والانتماء إليه، وأصدرت أكثر من كتاب فى هذا المجال لعل من أهمها : كتاب " الدين والدولة" و" الكليات الست"، "وفقه بناء الدول..رؤية عصرية"، كما أن للوزارة الجهد البالغ فى تصديها للشائعات الإلكترونية، فاستحدثت إدارة الدعوة الإلكترونية للتصدى لمثل هذا النوع من الاعتداء على الوطن، فعلى الجميع أن يعرف أن مصر ليست كأى وطن، فمصر ذكرت فى القرآن الكريم، وعلى أرضها تجلى النور والضياء، وصدع صوت الحق فوق جبل الطور إيذانًا بأن هذا الوطن سيظل صوت الحق يتردد فى أرجائه ما بقيت الحياة والأحياء، وقد أوصى النبى (صلى الله عليه وسلم) بأهل مصر فقال : " فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا" فيجب أن نحافظ على هذا الوطن، فذلك من صميم الدين، والتدين الصحيح يعنى الوطنية الصحيحة فمصالح الأوطان من عظيم وصميم مقاصد الأديان فالحفاظ على الوطن من أهم المقاصد العامة للتشريع وهو أحد الكليات الست التى يجب الحفاظ عليها.