احتفالا بيوم أفريقيا كتب سامح شكرى وزير الخارجية مقالا على مدونه وزارة الخارجية اليوم الأربعاء، أكد خلاله على حرص مصر الكبير بتنمية إفريقيا ومساندتها فى مواجهة التحديات، لافتا الى أن يوم أفريقيا من كل عام يأتى ليعطى لنا الفرصة لتعزيز وحدتنا، والاحتفاء بتنوعنا، والتفكير مليا فى التحديات التى تواجهنا كأفارقة.
وقال شكرى فى المقال "إننا رأينا أفريقيا تتقدم أمام أعيننا خلال السنوات الماضية من قارة تواجه صعوبات لا تعد ولا تحصى حتى أصبحت أرضا للآفاق الواعدة"، موضحا أن الدستور المصرى يؤكد على هوية مصر الأفريقية، مضيفا "ونحن كمصريين نفتخر بجذورنا الأفريقية ونتقاسم الأحلام والطموحات مع أشقائنا الأفارقة وشقيقاتنا الأفريقيات.. واليوم تحيى أفريقيا ذكرى الجهود التى بذلت لتحقيق الوحدة والتقدم، وتتطلع إلى مستقبل يقوم على الدعم والنمو المشترك وتبادل المنافع".
وأوضح شكرى أن مصر أصبحت إحدى الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية يوم 25 مايو 1963 (حل الاتحاد الأفريقى محلها اليوم)، وذلك بعد التوقيع على الميثاق التأسيسى لمنظمة الوحدة الأفريقية، منوها بأنه وبعد 53 عاما، تبقى مصر ملتزمة بالمباديء الأساسية للمنظمة، وتستمر فى إيلاء أهمية كبيرة لجهود التعاون بين الدول الأفريقية، حيث أن مصر واحدة من خمس دول تساهم بما يوازى 75% (15% لكل دولة من الدول الخمس) من الميزانية السنوية للاتحاد الأفريقي، كما أنها من بين الدول القائدة لجهود ومبادرات التنمية الأفريقية، وكذلك جهود إحلال السلم والأمن.
وتابع "وعلى الرغم مما أٌحرز من تقدم، فإن السنوات القليلة الماضية قد حملت فى طياتها بعض الصعوبات، حيث انتشرت بعض الفيروسات القاتلة فى القارة، ولازالت بعض الصراعات مشتعلة، وتؤمن مصر أن الاستقرار أمر حيوى لانتعاش القارة، ولذلك فقد أعطينا أولوية كبيرة لمسألة عضوية مصر فى مجلس السلم والأمن الأفريقي، لنبذل كل ما فى وسعنا من جهد يساهم فى مساعدة القارة على تجاوز ما تواجهه من تحديات.. وفى هذا الصدد، فإن مصر تأخذ عضويتها فى مجلس السلم والأمن الأفريقى بكل الجدية، حيث تعمل بكل دأب لتكون عند ثقة المجتمع الأفريقى فى قدرة مصر على المساهمة الفعالة فى جهود إحلال السلم والأمن الإقليمي".
واستطرد وزير الخارجية "لقد انخرطت مصر بقوة فى مفاوضات السلام فى القارة الأفريقية، حيث ينعكس وجودنا على الأرض فى هذه النزاعات من خلال المئات من المصريين المشاركين فى صفوف بعثات حفظ السلام عبر القارة، والذين يساهمون فى حماية المدنيين الأفارقة، وفى دعم الجهود الوطنية لتحقيق الانتعاش الاقتصادى، وفى تحملها لتلك المسئوليات تحرص مصر على احترام حق كل دولة فى اتخاذ قرارات مستقلة فيما يتعلق بشئونها الداخلية، وهو مبدأ يحظى بأهمية كبيرة فيما يتعلق بقارتنا".
وشدد على أن مصر تحرص بشدة على أن يصل الصوت الأفريقى للمجتمع الدولي، وأن تحظى قضايا القارة بأولوية فى المحافل الدولية، منوها بأنه بعد نجاح مصر فى الفوز بالمقعد غير الدائم فى مجلس الأمن الدولى، أصبحت مصر إحدى الدول الأفريقية الثلاث داخل المجلس، ولم ندخر وسعا فى التحدث باسم القارة جنبا إلى جنب مع شركائنا الأفارقة داخل المجلس لتسليط الضوء على احتياجات القارة الأفريقية وشواغلها.
وبين شكرى أنه فى هذا الإطار، قادت مصر حملة لتولى رئاسة لجنة رؤساء الدول والحكومات حول التغير المناخى، فى وقت حرج فيما يتعلق بالمفاوضات الدولية حول التغير المناخى وأجندة التنمية ما بعد 2015 لضمان عدم تجاهل احتياجات القارة الأفريقية، لافتا إلى أن تأثيرات التغير المناخى تمثل تهديدا آنيا لا يمكن إصلاحه بالنسبة للمجتمعات الإنسانية، وهو ما ينطبق بشكل خاص على قارة أفريقيا بما لهذه الظاهرة من تأثير على منطقة الساحل والصحراء، وتعرض بحيرة تشاد للجفاف، بالإضافة إلى موجات الجفاف الحادة والمتكررة التى تضرب الشرق والجنوب الأفريقى، موضحا أن هذا التهديد لا يمكن أن يترك ليتفاقم دون مواجهة، ولذلك فقد عملت مصر ومازالت تعمل فى إطار الجهود الدولية للتخفيف من الآثار السلبية للتغير المناخى.
وقال "إننا ونحن نعمل معا لإحلال الأمن والسلام والرخاء لشعوبنا، تأتى الرياح أحيانا بما لا تشتهى السفن، مما يتطلب جهودا وإجراءات خاصة، وكان أحد التحديات مؤخرا هو فيروس "إيبولا"، والذى تم مناقشته على جدول أعمال مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي، وقد شعرت مصر بالقلق نتيجة انتشار الفيروس فى غرب أفريقيا، وما تسبب فيه من مآسى لسكان المناطق المتأثرة به لذلك سارعت بتقديم تبرعات عاجلة للتعامل مع هذه الظاهرة، كذلك فقد ساهمت مصر فى إنشاء مركز الأمراض المتوطنة والمنقولة والإيدز فى أفريقيا لضمان قدرة القارة على التعامل مع مثل هذه الأزمات غير المتوقعة.. واليوم انحسر فيروس "إيبولا"، وأصبحت أفريقيا أكثر قدرة على مواجهة مثل هذه الأمراض".
وأضاف شكرى أنه بالتوازى مع جهودنا للتغلب على التحديات التى تواجه أفريقيا، أعطينا الأولوية الكبرى للجهود التنموية الرامية إلى تحقيق الرخاء للقارة وتحسين مستوى معيشة شعوبها، مشيرا إلى أن مصر ترأس حاليا اللجنة الفرعية متعددة الأطراف بالاتحاد الأفريقى التى تعمل جنبا إلى جنب مع الدول الأفريقية الأعضاء لتطوير الشراكة مع الدول غير الأفريقية، حيث تسمح جهود اللجنة الفرعية للشركاء بالاستفادة من الخبرات والمزايا النسبية لبعضهم البعض للتغلب على المعوقات التى تواجههم، كما تحرص مصر على تبادل الخبرة مع الدول الأفريقية الأخرى بما يحقق المنفعة المتبادلة والسعى للوصول إلى رؤية مشتركة.
ونوه بأن مصر تتولى حاليا مسئولية الملف الزراعى فى الشراكة الجديدة من أجل التنمية فى أفريقيا (النيباد)، وهو أحد أهم الملفات فى القارة، والذى تمتلك مصر فيه خبرة كبيرة تأمل فى توظيفها لخدمة القارة وشعوبها، حيث تشغل الأراضى الخصبة جزءا كبيرا من مساحة القارة، وهو ما يجعل تطوير القطاع الزراعى أمرا أساسيا، سيكون له مردودا إيجابيا ضخما على الاقتصادات الأفريقية، كما سيسهم فى خلق فرص عمل وتحقيق النمو.
وشدد وزير الخارجية على سعى مصر لوضع خبرائها تحت تصرف أفريقيا من خلال الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، إحدى الكيانات التابعة لوزارة الخارجية المصرية، والتى تهدف بشكل أساسى إلى تقديم المساعدة عن طريق الخبراء والاستشاريين المصريين للدول الأفريقية الأخرى، بالإضافة إلى منح المساعدات الإنسانية للدول التى تعانى من الجفاف والمجاعات.
وقال "إننا ونحن ننظر إلى المستقبل يجب أن ندرك أن رخاء أفريقيا يقع فى يد الأجيال القادمة، حيث يهدف ما نقوم به إلى وضع أرض صلبة للشباب يمكن البناء عليها للاستفادة من الإمكانات الهائلة للقارة.. وبالتالى فإن أكبر استثمار يمكننا أن نقوم به هو الاستثمار فى شبابنا وتعليمهم، حيث تحرص مصر على تقديم منح دراسية إلى الآلاف من الطلبة الأفارقة للالتحاق بالجامعات المصرية، والتى يحظى بعضها بمراكز متقدمة فى تصنيف الجامعات الأفريقية، منوها بأن هدفنا هو تزويد الطلاب الأفارقة بأفضل تعليم ممكن حتى يعودوا إلى بلادهم بما اكتسبوه من معرفة، لأن حجر الأساس الحقيقى لتنمية القارة هو تعليم الأجيال القادمة".
وأوضح شكرى أن التاريخ الأفريقى حافل بالصراعات، ولكن هذه الصراعات وقدرتنا على التغلب عليها فى مواجهة كافة الصعاب هو ما يميزنا حقيقة كأفارقة، مضيفا "ولعل التحديات غير المسبوقة التى واجهتنا وتغلبنا عليها قد أمدتنا بالكثير من العزم وقوة الشخصية، ولقد ثابرنا وتقدمنا بالارتواء من المورد الذى لا ينضب وهو الأمل الأفريقى الفريد الذى لا يموت.. واليوم نتذكر انتصاراتنا العظيمة ونتعلم من أخطائنا، ونتأمل التحديات والفرص الحالية، ولكننا أكثر من أى شئ ننظر إلى مستقبل أفريقيا بأمل".