ألقى الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية، محاضرة حولسيناريوهات استشرافية لمستقبل الجماعات المتطرفة فى عام 2021، والتىأذيعت دوليا فى المراكز الإسلامية بدول الاتحاد الأوربى، وبثتها الأوربية للمراكز الإسلامية، تباعدياعبر التطبيقات الحديثة.
قالالدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية،إنَّ التسارع الذي تشهده الأحداث اليومية في هذا العصر، مع ترابط وتعقد العلاقات وتشابكها، والانفتاح الكبير على العالم، وانتقال التأثيرات في ثوانٍ معدودة من بلد إلى آخر، تطلَّب هذا محاولة لتفهم هذه التشابكات ودراستها؛ لكي يستطيع أصحاب القرار أن يتوقعوا الأحداث التي قد تؤثر في الواقع ومعرفة مقدار التأثير واتساعه، ومن هنا تكمن أهمية الدراسات المستقبلية.
وأكدمستشار مفتى الجمهورية، أن رسالة الإسلام رسالة ربانية عالمية فإنَّ العلماء والمفتين والمفكرين يقع على عاتقهم دور كبير ومسئولية بالغة في استشراف المستقبل، وتفهم التغيرات المتسارعة حولهم، سواء على الصعيد المحلي أو العالمي، وإن كان تجديد الخطاب الديني أحد أولويات المرحلة الحالية فإنه مع التغيرات التي تشهدها الساحة العربية والدولية تؤذن الأوضاع بدخول مرحلة جديدة للفكر والخطاب الإسلامي يكون عالمي الطابع، يستوعب الشعوب والأمم قاطبة؛ خصوصًا مع تيسر وسائل التواصل والاتصال، وانتشار المسلمين في كل بلاد الأرض.
وأضافمستشار مفتى الجمهورية، أن هذا يتطلب الإعداد لهذه المرحلة الجديدة لما يمكن أن نتوقعه في المستقبل، من خلال اقتناص الفرص وتجنب المخاطر. ولا يهدف استشراف المستقبل إلى التكهن بتفاصيل أحداث المستقبل، لا للأفراد ولا للمجتمع الإنساني، فهذا مجاله التنجيم والكهانة المنهي عنها شرعًا، ولكن الدراسات المستقبلية هي مهارة عملية تهدف إلى استقراء التوجهات العامة في حياة البشر، التي تؤثر بنظام معين في مسارات الأفراد والأمم.
وشددمستشار مفتى الجمهورية، أن استشراف المستقبل من الموضوعات الحديثة، وهو يجعل العالم والفقيه ذا سعة واطلاع على الأمور المختلفة، وله اعتبار مهم في استنباط الأحكام وتنزيلها؛ لما يُبنى عليه من تحقيق للمقاصد، لكن ينبغي التحوط في تقديره حتى لا ينتهي الأمر إلى الاستشراف الموهوم فيبنى عليه حكم في غير موضعه، فيكون في ذلك خطأ في تقرير أحكام الشريعة أو تنزيلها، ولذلك ينبغي ألا يعتبر في الاستشراف إلا ما يتحقق العلم به على وجه اليقين أو الظن الغالب.
وأوضحمستشار مفتى الجمهورية، أن الأمة بها حاجة إلى استشراف المستقبل في كل مجالات الحياة، وبخاصة في مجال الفقه وقضاياه المستحدثة ونوازله الممكنة الوقوع، لاسيما وأن الشريعة الإسلامية اهتمت بالمصالح والمفاسد في الحاضر والمستقبل، وقعَّدت لذلك القواعد الكثيرة؛ فلا بد من الاستعداد لكل نائبة متوقعة من نوائب الدهر عن طريق الاستشراف والتخطيط المسبق.
لذا ينبغي للعقل الإسلامي المعاصر التصالح مع المستقبل والانفتاح عليه استشرافًا وتخطيطًا وعملًا كي نحرر العقول من التعصب، ونأخذ من الماضي المشرق والحاضر المستنير بالدليل من أجل الاهتمام بقضايا المستقبل
- سيناريوهات استشراف مستقبل الجماعات المتطرفة 2021
وقالمستشار مفتى الجمهورية، لا تزال عملية قراءة المستقبل واستشرافه من أهم العمليات التي لازمت الإنسان منذ بدء الخليقة، بها يسعى لاستكشاف كافة البدائل في مستقبله، ولعلها تكون الطريقة المثلى التي نخترق بها غيوم الحاضر التي أثارتها تلك التنظيمات والجماعات الإرهابية لنرى ما سيكون عليه مستقبلها في العام 2021.
وأكدمستشار مفتى الجمهورية،أن وضع أفعال وأفكار هذه التنظيمات الإرهابية على طاولة البحث تحليلًا وتفنيدًا يهدينا إلى مجموعة من النتائج، التي بقراءتها نستخلص السيناريوهات المستقبلية لعملياتها على أرض الواقع تأثيرًا وتأثرًا.
- سيناريوهات مستقبل تنظيم "القاعدة".. تدحض فكرة تحول التنظيم من الضعف إلى القوة في المدى القريب
وأردفمستشار مفتى الجمهورية، إلى تنظيم "القاعدة" يعانى منذ سنوات حالة من التراجع الملحوظ، يمكن التأريخ لها من بداية مقتل زعيمه أسامة بن لادن وانتقال دفة القيادة للظواهري، وهذا التراجع كان ثمرة مجموعة من العوامل، يأتي على رأسها غياب مقومات القوة والكاريزما، التي كان يتمتع بها بن لادن، عن "الظواهري"، ثم مقتل عدد من قيادات ومنظري التنظيم، وتعرضه للاختراق الداخلي والجاسوسية، وفقد نفوذه لصالح تنظيم "داعش"، وكثرة الانشقاقات داخل صفوفه.
وبقراءة متأنية لتلك الأحداث والوضع الراهن للتنظيم وتحليله نستطيع تقديم ثلاثة سيناريوهات لمستقبل التنظيم في العام القادم.. أولها: هو ما يشير إلى استمرار تراجع التنظيم وخسارته مناطق النفوذ والأتباع والقادة، كما أنه سيظل حاضرًا على الساحة، لكن بصورة تتسم بقدر كبير من الضعف والهشاشة، وسيبقى مُستنْزَفًا وإن بدا متماسكًا في الوقت الراهن، وستكون له اليد الطولى والكلمة العليا على التنظيمات التابعة له في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط.
وثانيها: وهو السيناريو المرتبط بقدرة التنظيم على تحقيق الإصلاح الداخلي، وهو ما يبدو مستبعدًا تحت قيادة "الظواهري" لفشله في تحقيقه على مدار سنوات، لذا فعودة التنظيم للنشاط وتوسيع عملياته الحركية وارد في حال ما إذا تمكن التنظيم من إيجاد خليفة للظواهري يحمل فكر وعقلية "بن لادن"، وهو أمر أصبح غير مستبعد في ظل ما تردد عن وفاة "الظواهري" خلال شهر نوفمبر الماضي.
وخلاصة القول إن فكرة تحقيق تقدم في عمليات التنظيم حاليًا غير واردة على المستوى المنظور، وسيحتاج من 3 إلى 4 سنوات تقريبًا حتى يتمكن القائد القادم من مواجهة المشكلات التي يعانيها التنظيم ويعيد إليه تماسكه من جديد.
ثالثها: وهو السيناريو الذي يحمل تغييرًا جزريًّا في وضع التنظيم على الأرض بانتهاء القيادة المركزية له بصورة تامة ونهائية، وانقسامه إلى تنظيمات مستقلة ومنفردة، مثل استقلال وانفصال القاعدة في الجزيرة العربية، وحركة الشباب المجاهدين في إفريقيا.
وهذا السيناريو لا يمكن استبعاده على المدى القريب أو البعيد؛ لأن التنظيم الأم يُعاني فعليًّا من الضعف والتراجع، ويعزز هذا التراجع والضعف ظهور تنظيمات تابعة للقاعدة أقوى من القيادة المركزية مثل "حركة الشباب المجاهدين"، في مقابل تنظيمات أخرى تعاني من تراجع وانشقاق خطير مثل "القاعدة في الجزيرة العربية"، وهذا السيناريو يدحض فكرة تحول التنظيم من الضعف إلى القوة في المدى القريب.
- سيناريوهات مستقبل تنظيم "داعش" .. من الخفوت إلى الاندثار
وقالمستشار مفتى الجمهورية، إن تنظيم داعش- انتقل بعد الهزيمة التي مُني بها في الباغوز 2019- من حالة الثبات والقوة إلى التشتت، بالرغم من محاولته الظهور بمظهر المتماسك، لكن الهزيمة أثرت في قوته بشكل ملحوظ، حاول بعدها استعادة هذه القوة مطلع عام 2020 باستغلال جائحة كورونا لادعاء الدعم الإلهي له وانتقام الله تعالى من أعدائه، كما كثف من عملياته الإرهابية مستغلًّا الانشغال العالمي بالتصدي للجائحة، وحاول أن يجد من تفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب مبررًا لعملياته المتطرفة تجاه الجميع.
و لفتمستشار مفتى الجمهورية،، إلى أنه بإمعان النظر في حالات التذبذب التي اعترت التنظيم مؤخرًا، نستطيع أن نضع مجموعة من السيناريوهات لما سيكون عليه مستقبل التنظيم – وبخاصة الحركي- في العام القادم، وتمثلت في ثلاثة سيناريوهات.. أولها: أن التنظيم سيظل محافظًا على استراتيجيته العنيفة والدموية، بجانب التوسع في عملياته في عدد من مناطق العالم؛ سواء أكان في آسيا من خلال عملياته التي تقوم بها جماعة "أبو سياف" خاصة في الفلبين، أم البحث عن مناطق تواجد جديدة كما أعلن من قبل عن عمليته بجزر المالديف إبريل 2020، إلى جانب عملياته في غرب إفريقيا التي توسعت في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ.
واستكملمستشار مفتى الجمهورية،: سيستمر التنظيم في تكثيف عملياته في الغرب سواء باستغلال جائحة كورونا وتفشيها، وإمكانية استمرارها على المدى الطويل، أو باستغلال ظاهرة الإسلاموفوبيا التي ربما تستمر لسنوات طويلة قادمة، هذا إلى جانب عملياته في منطقة الشرق الأوسط في الدول الخليجية ومصر وليبيا ودول شمال إفريقيا. وبالتالي ستستمر عمليات التنظيم في المستقبل القريب ولن تنتهي، وإن كانت ستختلف وتيرتها بين الصعود والهبوط، وبين الكثافة والتوقيت، ولن تتأثر بطبيعة القيادة الموجودة.
ثانيها: وهو السيناريو الذي يشير إلى أمرين: الأول استمرار محاولات التنظيم استعادة نشاطه وعملياته بصورة تدريجية في المستقبل، وذلك بتكثيف عملياته وضمان استمرارها، والبحث عن موطئ قدم في دول جديدة أو تعزيز تواجده في الدول التي ينشط بها. وهذا السيناريو ربما هو ما نرى عليه عمل التنظيم في المستقبل القريب خلال عامين إلى ثلاثة أعوام قادمة، يستمر خلالها هذا النشاط التدريجي للتنظيم.
والثاني هو خفوت تنظيم داعش وانهيار عملياته تدريجيًّا على غرار نظيره "القاعدة" على المدى البعيد، لكن بصورة أسرع من القاعدة الذي حافظ على بقائه لفترة تجاوزت الثلاثين عامًا، ويرجع ذلك لضعف البنية الفكرية لتنظيم داعش، والتي ستقوده للاندثار خلال الأعوام القليلة القادمة.
ثالثها: ويتمثل هذا السيناريو في انهيار التنظيم نتيجة مقتل قياداته وتراجع عملياته، والذي ينفي سيناريو عودته لسابق عهده عام 2014 واستيلاءه على الأراضي والتوسع بشكل كبير، فهذا الأمر غير متوقع في ظل تفشي الجائحة، وإدراك الشعوب لدموية التنظيم، وعليه لن يُسمح له بالعودة مرة أخرى أو استعادة المناطق التي خسرها.
- مستقبل جماعة الإخوان الإرهابية .. التحول من العنف إلى الدموية
وقالمستشار مفتى الجمهورية: لا شك أن المتابع لجماعة الإخوان الإرهابية بعد ثورة المصريين ضدها عام 2013م وما تلاه من انشقاقات داخلية داخل صفوفها واعتقال ووفاة عدد من قادة الجماعة، ليلحظ تراجعًا شعبيًّا في مصداقية الجماعة في عدد من الدول العربية مثل تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا وليبيا اليمن، كما أن هذا التراجع شهدته الساحة الغربية، فالجماعة تعاني من أزمات متعددة هناك، فقد تلقي مجلس الشيوخ الفرنسي 44 مقترحًا لحظر الجماعة، إضافة لنظر مجلس العموم البريطاني في مطالب أعضائه بحظر الإخوان لخطورتها على المملكة المتحدة، كما ناقش البرلمان الألماني مشروع قانون لفرض نظام رقابة قوي على الجماعة بعد تقديم وثائق وتقارير للبرلمان تحذر من خطر تواجد شبكات تضم متطرفين داخل الجيش الألماني.
وشددمستشار مفتى الجمهورية، على أن جماعة الإخوان الإرهابية تعتمد في جانبها الحركي على الانتشار المجتمعي بين شرائح المجتمعات في الدول العربية والغربية، وقد استغلت ظروف جائحة كورونا لإعادة هذه التغلغل بالاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا. وبقراءة دقيقة لكل هذه الأحداث نستطيع أن نضع ثلاثة سيناريوهات لمستقبل الجماعة..
أولها: سيتمثل في استمرار تحركاتها محليًّا على نفس المنوال، وهي التحركات المحدودة في مصر من خلال محاولات التقرب من الشعب برفع شعار فكرة المظلومية، وتأكيد دعمها للشعب ورفض تعرضه للظلم والدفاع عن حقوقه، والسعي لتأليبه ضد سياسات الدولة، ومحاولة عرقلة قطار التنمية في البلاد، أما على المستوى الوضع الخارجي فسيظل وضع الجماعة في الدول التي لا تزال تتمتع فيها بالعمل السياسي- خلال الفترات القادمة- فاقدًا للمصداقية والثقة، لتراكم العوامل التي أفقدت الجماعة شعبيتها وجعلت تحركاتها محل ريبة، بينما في الغرب ستنشط الجماعة من خلال المراكز والجمعيات الإسلامية، وتعزز من تواجدها على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والدينية تعويضًا لتراجعها في العالم العربي.
ثانيها: وهو السيناريو الذي يشتمل على مسارين؛ الأول اتجاه الجماعة لاتخاذ إجراءات إصلاحية كإجراء مراجعات فكرية أو إصلاح في البناء الداخلي للجماعة بغرض العودة مرة أخرى للساحة وكسب ثقة الشعوب.
وهذا الأمر لن يتحقق في المدى القريب أو البعيد لأمور عديدة، منها رفض الجماعة إجراء هذه المراجعات الفكرية الحقيقية لنهجها المتحجر منذ عهد مؤسسها "حسن البنا"، والخوف من الانشقاق الداخلي والانقسام، وافتقاد الجماعة للمرجعية الفكرية التي تبادر بإجراء هذه المراجعات الفكرية والاعتراف بالأخطاء الكارثية التي ارتكبتها في حق المجتمع والدولة.
أما المسار الثاني: يتمثل في سعي الجماعة لإحداث تقارب بينها وبين بعض الأنظمة السياسية العربية، وطرح فكرة التصالح خاصة مع الدول التي تصنفها باعتبارها جماعة إرهابية، وإن كنا نري أيضًا أن هذا السيناريو من الصعب تحققه على المدى القريب، باعتبار أن هذه الخطوة تحتاج لسنوات لمحو الآثار الدموية والعنيفة التي انتهجتها الجماعة في عدد من الدول العربية وعلى رأسها مصر.
ثالثها: وهو السيناريو الذي يحتوي على أمرين: الأول انهيار التنظيم بصورة تامة في مختلف الدول العربية الأخرى باعتباره تنظيمًا إرهابيًّا على المستوى الشعبي والسياسي، وإن كنا نرى أن اختفاء التنظيم وأفكاره على المستوى الشعبي لن يتحقق بصورة سريعة نظرًا لوجود الفكر والمؤمنين بها وقدرتهم على التأثير حتى ولو بصورة غير مباشرة. أما الأمر الثاني فيتمثل في التحول الجذري والكلي للجماعة من الجانب الفكري والتنظير إلى تنظيم حركي يمارس العنف على غرار تنظيم "داعش" وهو السيناريو الأخطر على الإطلاق، لانتشار أتباع الجماعة في بلدان مختلفة، ولوجود الاقتصاد الأسود الذي تديره الجماعة في كل مكان. لكن جاهزية الدول وانكشاف الجماعة وفكرها في بلدان العالم يحول بين تحقق هذا السيناريو، ولعل التجربة المصرية في مجابهة هذه الجماعة المارقة لا بد أن تكون ملهمة لغيرها من البلدان التي ينتشر أفراد الجماعة بها في الخفاء والعلن.