قال الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم: إن كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر حرصت على صعيد العلاقات الدولية على تقديم وإظهار الصورة الحقيقية السمحة لديننا العظيم وهى صورة تتنافى بشكل كامل مع الصورة المشوهة التى قدمتها جماعات التطرف والإرهاب التى أظهرت الإسلام بصورة عدائية صدامية عكس ما صوره القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من صورة مشرقة ناصعة للإسلام الذى هو دين تواصل وتعايش وسلام ونفع للبشرية كلها على اختلاف ألوانها وأعراقها وعقائدها، قال الله تعالى : (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) .
جاء ذلك فى كلمته التى ألقاها خلال مشاركته فى فعاليات مؤتمر: "المبادئ الشرعية والقانونية فى وثيقة الأخوة الإنسانية .. الواقع والمأمول" الذى نظمته كلية الشريعة والقانون بالقاهرة اليوم السبت.
وأضاف أن هذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطبقه تطبيقًا عمليًّا وتشريعيًّا ودستوريًّا حيث وضع أقدم وثيقة سياسية دستورية تدعو إلى التعايش السلمى بين جميع العقائد والأعراق والطوائف فى مجتمع المدينة المنورة الذى كان زاخرًا بكل تلك الأطياف. وهذه الوثيقة المباركة ضمنت بشكل مؤكد حرية العقائد وممارسة الشعائر الدينية، وضمنت كذلك الأمن المجتمعى لجميع الأفراد، وأقرت مبدأ التعايش السلمى بين جميع الطوائف، وأكدت على مبدأ المساواة التامة فى الحقوق والواجبات بناءً على العمل بمبدأ المواطنة والمسؤولية الكاملة الواقعة على جميع أفراد المجتمع تجاه وطنهم الذى يعيشون فيه ويضحون من أجل رفعته وكرامته، وإلى غير ذلك من المبادئ والقيم العظيمة التى رسختها وثيقة المدينة المنورة.
وأشار إلى أن وثيقة المدينة مثلت الأساس الأمثل والأرقى للمجتمع المدنى الذى ينبذ الطائفية والتمييز على أساس الدين أو اللون أو العرق، وهى نفس المبادئ والقيم التى حافظت عليها كلية الشريعة والقانون عبر مسيرتها المباركة، ولعل أمثل وأفضل تجسيد لترسيخ هذه القيم إقامة هذا المؤتمر الكريم تحت عنوان (المبادئ الشرعية والقانونية فى وثيقة الأخوة الإنسانية الواقع والمأمول)، مؤكدًا أن هذا المؤتمر لا شك خطوة كبيرة وعظيمة لترسيخ ودعم وثيقة الأخوة الإنسانية التى وقعها فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وقداسة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان.
وأكد المفتى أن جماعات التشدد والإرهاب قد حاولت أن تعزل الأمة الإسلامية عن العالم كله، وأن تعزل طائفة من الأمة ذاتها داخل الأمة، من أجل دعاوى ومبادئ ما أنزل الله بها من سلطان، فدعوتهم قائمة على التفريق والشرذمة والهدم، ودعوتنا قائمة على الاجتماع والبناء والتنمية والإعمار ونشر الخير والتواصل والتعايش السلمي.
وشدد على أن هذا التعايش لا يمثل أبدًا أى خطورة على عقيدة الإسلام ولا يعنى بأى حال من الأحوال أى تمييع لأمور الدين أو أصول العقيدة، ولا يعنى أبدًا أى إهدار للخصوصية الدينية لعقيدة الإسلام، بل يعنى أن نمد جميعًا يد التعاون من أجل تحقيق الأمن والرخاء والسلام لأبناء المجتمع الواحد، وأن نبنى حياتنا على أسس راسخة من السلام والمحبة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما علم أصحابه الكرام، وكما حفظت لنا دواوين السنة المطهرة تلك المعانى المثالية الراقية.
وتابع مفتى الجمهورية: "إن كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة قد أسهمت بقدر عظيم وجهد بالغ فى مسيرة الدراسات الشرعية والقانونية، وأكدت عبر مسيرتها على مدى التوافق والتناغم التام بين الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة من مجالسنا النيابية والمعمول بها فى محاكمنا الدستورية، وهذه الجهود القيمة لعلماء كلية الشريعة والقانون قد أسهمت بشكل كبير فى تحقيق ذلك التوازن المطلوب بين الشريعة والقانون، وأسهمت بشكل كبير فى تفويت الفرصة على أصحاب الأهواء والأغراض الخبيثة والمزايدات الفارغة المتلاعبين بالدين الذين حاولوا بشتى الطرق إثبات مجافاة القوانين الرسمية للشريعة الإسلامية، وما كانت تلك المزايدات إلا لتحقيق أغراض سياسية ودنيوية صرفة لا علاقة لها بالدين من قريب أو بعيد.
وأضاف أن كلية الشريعة والقانون عبر تاريخها الطويل كانت عاملًا من عوامل الأمن والاستقرار فى المجتمع المصري، وقلعة حصينة لوطننا مصر ضد دعاوى جماعات التطرف والإرهاب، تلك الجماعات التى حكمت على المجتمع بالخروج عن ربقة الدين بسبب تحكيم القوانين، متجاهلين أن هذه القوانين لا تستمد إلا من معين الشريعة الإسلامية الصافى ومن نبعها العذب الفياض.
وأشار إلى أن أساتذة وعلماء الأزهر الشريف وبخاصة فى كلية الشريعة والقانون قد قاموا بجهد كبير لا ينكره إلا جاحد فى حماية قوانينا المعمول بها من أية مخالفة للشريعة الإسلامية الغراء، وأن الدولة المصرية الوطنية لحريصة كل الحرص على العمل بالشريعة الإسلامية واعتمادها أساسًا للتشريع القانونى والدستوري، وذلك تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى يدعو دائمًا إلى إظهار صورة الإسلام المشرقة السمحة كما أنزلها الله تعالى دعوة عالمية تحمل مشعل الأمن والسلام والتعايش وتمد يد المحبة والسلام للجميع على حد سواء.
ووجه المفتى رسالة إلى أساتذة كلية الشريعة والقانون قال فيها: "إن الرسالة التى تحملونها رسالة عظيمة كريمة وهى امتداد لإرث نبوى شريف؛ لأن العلماء هم ورثة الأنبياء، وإن مقتضى هذا الميراث الشريف أن نظهر صورة الإسلام الناصعة النقية كما أرادها الله تعالى وكما أظهرها وجلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما نشرها أسلافنا الكرام مصداقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه البيهقى وغيره عن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَذَرِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يَرِثُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَحْرِيفَ الْغَالِينَ».
وفى ختام كلمته توجه المفتى بالدعاء إلى الله عز وجل أن يوفق أساتذة كلية الشريعة والقانون لما اجتمعوا من أجله، وأن يجعل كل ما يقدمونه من كلمات وأبحاث فى ميزان حسناتهم، وأن يلهمهم الصواب والرشاد لنفع الأمة الإسلامية ولنفع جميع البشرية.