قال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، إن الحياة قائمة على الامتحان والابتلاء، حيث يقول سبحانه: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ"، مشيرًا إلى أن هناك دروسًا مستفادة من الابتلاء، وأن أهم مصاب في تاريخ الإسلام كان مصاب الصحابة في وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، حيث أنشأ سيدنا حسان بن ثابت (رضي الله عنه)، قائلًا..
بَطَيبَةَ رَسمٌ لِلرَسولِ وَمَعهَدُ
مُنيرٌ وَقَد تَعفو الرُسومُ وَتَهمَد
وَلا تَمتَحي الآياتُ مِن دارِ حُرمَةٍ
بِها مِنبَرُ الهادي الَذي كانَ يَصعَدُ
وَهَل عَدَلَت يَوماً رَزِيَّةُ هالِكٍ
رَزِيَّةَ يَومٍ ماتَ فيهِ مُحَمَّدُ
وقال أيضًا:
ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا * سودا وجوههم كلون الإثمد
وجهي يقيك الترب لهفي ليتني * غيبت قبلك في بقيع الغرقد
أَأُقيمُ بَعدَكَ بِالمَدينَةِ بَينَهُم يا لَهفَ نَفسي لَيتَني لَم أولَدُ
جاء ذلك خلال إحياء وزارة الأوقاف، مساء اليوم السبت، ليلة النصف من شعبان ، وذكرى تحويل القبلة بمسجد السيدة نفيسة (رضي الله عنها وأرضاها) بالقاهرة، بحضور اللواء خالد عبد العال محافظ القاهرة ، والدكتور محمد عبد الرحمن الضويني وكيل الأزهر الشريف ، نائبا عن فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف ، والدكتو شوقي علام مفتي الديار المصرية ، والدكتور عبد الهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية ورئيس لجنة التضامن بمجلس النواب ، والدكتور أسامة العبد وكيل اللجنة الدينية بمجلس النواب ، والدكتور محمد محمود أبو هاشم أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب ، والشيخ جابر طايع رئيس القطاع الديني ، والدكتور نوح العيسوي رئيس الإدارة المركزية لشئون المساجد والقرآن الكريم ، والشيخ خالد خضر مدير مديرية أوقاف القاهرة ولفيف من القيادات الدينية والتنفيذية ، مع اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية.
وتابع جمعة: "قال أبو بكر الصديق (رضى الله عنه) عندما مات الرسول (صلى الله عليه وسلم) : ألا مَنْ كان يعبد محمدًا (صلى الله عليه وسلم) فإن محمدًا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، وتلا قول الله تعالى : "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ" ، وعندما كسفت الشمس يوم مات إبراهيم بن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مِنْ آيَاتِ اللهِ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَكَبِّرُوا، وَادْعُوا اللهَ وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا".
وأكد جمعة، أنه لابد من أن نعمل وأن نجتهد وأن نرعى أسر الشهداء والمصابين وأن تكون لنا نقلة في الحياة لتستمر الحياة بالأحياء ، وهذه سنة الله في الكون ، ثم إن تحول القبلة نفسه هو امتحان وابتلاء بنص القرآن الكريم، قال تعالى : "سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" ، وهنا علينا أن نحذر السفهاء والمرجفين وأن لا نسير خلف الأكاذيب ، قال تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" ، ويقول تعالى في شأن المرجفين : "لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ" وقال تعالى : "لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا" ، يقول العلماء إن هذا خبر بمعنى الطلب ، من يقصدون الإرجاف وإسقاط الدول ومن يبثون الشائعات والأكاذيب قصد إفشال الدول أو إسقاطها هؤلاء هم المرجفون ، ثم يقول سبحانه : " وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ" ، كان من الممكن أن يصلي الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى الكعبة ابتداء ، ولكن هو امتحان واصطفاء من الله سبحانه ، هناك من سأل الرسول (صلى الله عليه وسلم) هناك من صلى معك على بيت المقدس ومات قبل تحويل القبلة ، فأنزل الله سبحانه : " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ" فالعبرة بالاستجابة إلى أمر الله ، أن يجدك حيث أمرك وأن لا يجدك حيث نهاك .
وبين وزير الأوقاف، أن أمتنا هي أمة الشهادة يقول الله سبحانه : " فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا" ، فأمتنا ستشهد على الأمم والرسول (صلى الله عليه وسلم) علينا سيشهد ، والأرض التي نحن عليها ستشهد وكل بقعة عبدت الله فيها ستشهد إما لك أو عليك ، يقول تعالى : "يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا" فكل بقعة ستقول عصى فلان هنا وتعبد فلان هنا ، وحتى الأعضاء ، قال سبحانه : "يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ" بل أبعد من ذلك ، حيث يقول سبحانه : "الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" فلا مجال للكذب ولا للمغالطة ، ويقول سبحانه : "وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" .
واختتم وزير الأوقاف، كلمته قائلا: "لماذا لم يقل الحق سبحانه وقالوا لأسماعهم أو لأيديهم أو لأرجلهم ، لأن الجلد هو مناط الإحساس وهي أول ما يكوى بالنار ، وقال سبحانه : "وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا" ، شاهد ومشهود ، أنت ستشهد على الأمم والنبي سيشهد ، والأرض ستشهد ، والعين ستشهد ، والأذن ستشهد ، فعلى كل منا أن يعمل لهذا اليوم ، وإذا كنا اليوم نصلي صلاة الغائب على بعض شهداء الوطن ، فسيصلى علينا يومًا ما ، والسعيد من وعظ بغيره والشقي من وعظ بنفسه.