أكد اللواء محمد إبراهيم الدويرى نائب المدير العام للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية أن الحرب الأخيرة على قطاع غزة أوجدت قوة دفع للقضية الفلسطينية لا بد من استثمارها من الجانب الفلسطينى والعربى لإطلاق عملية سياسية تقودها مصر قبل أن تهدأ جذوتها.
وشدد اللواء محمد إبراهيم الدويرى - فى مقال له تحت عنوان "الإدارة الأمريكية.. ومبدأ حلّ الدولتين" نشره المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية – على أهمية وحدة الموقف العربى والفلسطينى، وأن تُسقط كافة الفصائل الفلسطينية مصالحها الحزبية من أجل تحقيق الهدف الأسمى وهو الدولة الفلسطينية.
وأشار إلى أن "هناك مسئوليات تقع على الجانبين العربى والفلسطينى علينا أن ننفذها أولًا قبل أن ننتظر تحركًا أمريكيًا أو تنازلًا إسرائيليًا، حيث إنه بالقدر الذى ستكون هناك وحدة موقف عربى وفلسطينى، فأنا على ثقة بأننا على المسار الصحيح مهما كانت الصعوبات والمعوقات".
وقال إبراهيم: "أعتقد أنه من الضرورى لكل من يتعامل أو يتابع موقف الإدارة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية أن يكون أكثر واقعية، ولا يرتفع سقف طموحاته وتوقعاته إلى مدى بعيد يتعلق بإمكانيات وقدرات الولايات المتحدة فى الضغط على إسرائيل بشأن عملية السلام فى أى وقت، وذلك من منطلق أن هناك تعهدًا أمريكيًا ثابتًا لم ولن يتغير بالالتزام التام بأمن إسرائيل وحقها فى الدفاع عن نفسها، وأن أى اختلاف يمكن أن يظهر فى وجهات النظر الأمريكية والإسرائيلية فى هذا الشأن لا يمكن أن يؤثر على جوهر هذه العلاقة التى يمكن توصيفها بأنها أكثر من استراتيجية".
وأضاف أنه "لا شك أن هذا الفهم سوف يساعدنا كثيرًا فى مجال التعرف بصورة عملية على الحدود الدنيا والقصوى بالنسبة للموقف الأمريكى تجاه القضية الفلسطينية حتى نكون على بينة بالنسبة إلى أى حد يمكن لنا الاعتماد على الإدارة الأمريكية، ومدى قدرتها على أن تتحرك بالفاعلية التى نأملها فى هذا الملف المعقد الممتد، كما أن هذا الفهم يمنحنا رؤية أفضل تجاه كيفية قيام الدول العربية والفلسطينيين بمساعدة الإدارة الأمريكية حتى لا تعمل أو تتحرك بمفردها بينما نحن ننتظر نتائج هذا التحرك".
وأوضح نائب المدير العام للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية أنه "من الإنصاف أن نحسب للإدارة الأمريكية الديمقراطية الحالية أنها أسقطت (الخطة الأمريكية للسلام) من أجندتها، تلك الصفقة الأمريكية الإسرائيلية التى طرحها الرئيس السابق دونالد ترامب فى حضور رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى يناير 2020، والتى يمكن أن أطلق عليها باختصار خطة تصفية القضية الفلسطينية. ويكفى أن نتذكر أن هذه الصفقة تتيح لإسرائيل ضم حوالى ثلث الضفة الغربية، وفرض سيادتها على منطقة غور الأردن، بالإضافة إلى تحديد مجموعة من المبادئ المجحفة التى تلغى حق العودة، وتُنهى قضية القدس، وتعطى الأولوية للأمن الإسرائيلى فى كل ما يتعلق بالتعامل مع الدويلة الفلسطينية المقترحة والمنقوصة السيادة والمتقطعة الأوصال كما رسمتها الخطة الأمريكية".
وتابع: "كما يُحسب للإدارة الأمريكية أنها بذلت جهدًا ملموسًا فى التحرك من أجل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وقطاع غزة، مع الاعتماد -بالطبع- على الدور المصرى المميز والحاسم فى هذا الشأن، وهو ما أكّده بوضوح الرئيس “جو بايدن” فى اتصاله مع السيد الرئيس “عبدالفتاح السيسي”، يومى 20 و24 من الشهر الجارى، وسوف يظل هذا الموقف والجهد المصرى المبذول محل تقدير وامتنان كبير من الإدارة الأمريكية".
واستطرد اللواء محمد إبراهيم بقوله: "وفى مجال الحديث عن الجهد الأمريكى خلال الأحداث الأخيرة، يكفى أن نشير إلى أن الرئيس الأمريكى “جو بايدن” أجرى بنفسه ست محادثات هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلى “نتنياهو” خلال فترة العمليات العسكرية، كما أرسل مبعوثًا سياسيًا للمساعدة فى التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، وفى النهاية أرسل وزير خارجيته “أنتونى بلينكن” فى مهمة عاجلة ومتعددة الجوانب إلى المنطقة".
وأوضح أنه من هذا المنطلق، "فمن المهم أن نضع الزيارة السريعة التى قام بها وزير الخارجية الأمريكى للمنطقة خلال الأسبوع الماضى والتى التقى خلالها بقيادات كل من (إسرائيل – فلسطين – مصر – الأردن) فى إطارها الصحيح والذى حددته واشنطن قبل الزيارة والمتمثل فى دعم الأمن الإسرائيلى، وتثبيت وقف إطلاق النار، والمساعدة فى إعادة الإعمار، ومواصلة إعادة بناء العلاقة الأمريكية مع السلطة الفلسطينية. وبالتالى، ليس من المنطق أن نحكم على زيارة “بلينكن” بأنها لم تؤدِّ إلى تحريك عملية السلام، حيث أن هذه المسألة لم تكن مدرجة على جدول أعمال الوزير الأمريكي. وفى تقديرى أن زيارة “بلينكن” كانت خطوة مبدئية وهامة وسوف تكون لها نتائج ملموسة خلال المرحلة المقبلة".
وأضاف أنه "فى الوقت نفسه، يمكن القول أن القضية الفلسطينية أصبحت بالفعل ضمن أولويات الإدارة الأمريكية، وهذا أحد مكاسب الأحداث الأخيرة، كما أن هناك تحركات أمريكية جيدة فى مجال إعادة التعامل مع السلطة الفلسطينية، حيث أجرى الرئيس الأمريكى اتصالًا بالرئيس الفلسطينى “أبو مازن”، ثم التقى وزير الخارجية الأمريكى مع القيادة الفلسطينية فى رام الله، وأكد اعتزام إعادة فتح القنصلية الأمريكية فى القدس الشرقية، واستئناف المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية ووكالة غوث اللاجئين، ومن المتوقع أن تتخذ الإدارة الأمريكية إجراءات إيجابية أخرى خلال المرحلة المقبلة ومن بينها إعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن".
وتابع: "من ناحية أخرى فإن الأمر الهام الذى يجب أن نشير إليه هنا أن الوزير الأمريكى “بلينكن” كان حريصًا على أن يؤكد فى تصريحاته خلال جولته فى المنطقة على مبدأ حل الدولتين تأكيدًا لموقف الإدارة الأمريكية فى هذا الشأن، بل إنه كان حريصًا أيضًا على أن يؤكد ضرورة توفير المناخ الملائم من أجل التحرك مستقبلًا بالنسبة لعملية السلام، وخاصة معارضة واشنطن أية إجراءات يمكن أن تعوق التقدم نحو هذا الهدف، بما فى ذلك سياسة الاستيطان الإسرائيلى وأعمال العنف والإرهاب وضم الأراضى، وهو ما يتوافق مع موقف إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما التى اتّخذت قرارات غير مسبوقة فى مجال رفض السياسة الإسرائيلية الاستيطانية فى الأراضى الفلسطينية".
وتساءل اللواء محمد إبراهيم، هل يمكن أن نعيد الولايات المتحدة لتقوم بدورها الإيجابى السابق باعتبارها شريكًا كاملًا فى عملية السلام فى الشرق الأوسط وتقوم بنفس الدور الذى قامت به فى التوصل إلى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فى مارس عام 1979، ومعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية فى أكتوبر عام 1994، بالإضافة إلى بعض الجهود التى لم تتبلور نتائجها بصورة نهائية ومن بينها وديعة رابين الخاصة بالسلام الإسرائيلى مع سوريا عام 1994، وما يسمى بتفاهمات أولمرت لحل القضية الفلسطينية فى سبتمبر عام 2007؟.
وأعرب عن اعتقاده بأن تفعيل الدور الأمريكى يُعد التحدى الماثل أمامنا مع التسليم الكامل بأن هناك العديد من المتغيرات التى حدثت فى المنطقة أو داخل الأراضى الفلسطينية وعلى المستوى الإسرائيلى الداخلى، والتى من شأنها أن تؤثر على هذا الدور الذى ننشده.
وقال: "وهنا لا بد أن نتساءل: كيف لنا كعرب وفلسطينيين أن نساعد على تفعيل الدور الأمريكى خلال الفترة المقبلة؟ وكيف يمكن لنا أن نستثمر موقف الإدارة الحالية التى تتبنى عن قناعة مبدأ حل الدولتين فى دفع القضية الفلسطينية إلى الأمام؟ بل وأصبحت هناك أصوات ديمقراطية مؤثرة تطالب بحل القضية الفلسطينية، وتبدى قدرًا من المعارضة للإجراءات الإسرائيلية التى تعوق عملية السلام. ولا بد أن أعترف بأن هذه الأسئلة لا تحتاج فقط إلى إجابات، بل تحتاج إلى جهد كبير وعمل متواصل".
واستعرض اللواء محمد إبراهيم عددا من النقاط لا بد من أخذها فى الاعتبار فى أى تحرك عربي-فلسطينى، حيث أشار إلى أهمية تركيز كافة الجهود خلال الأيام المقبلة من أجل تثبيت وقف إطلاق النار بين إسرائيل وقطاع غزة، حيث أن هذه هى الخطوة الأولى المطلوبة التى تُمهد الطريق أمام أى تحرك ناجح فى الفترة المقبلة.
وأكد ضرورة فصل مسألة إعادة الإعمار عن أية خلافات سياسية، حيث أن لدينا تجارب سابقة فى مجال إعادة إعمار غزة لم تؤدِّ إلى نتائج (مؤتمر شرم الشيخ 2010 – مؤتمر القاهرة 2015)، ومن ثم فإنه يجب على المجتمع الدولى الإسراع بالبناء على الموقف الإيجابى الذى طرحه الرئيس السيسى بتقديم 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة، وهذا هو المطلوب حتى نبدأ هذه العملية فى أقرب وقت ممكن من أجل سكان القطاع الذين تعرضوا لأقصى درجات العنف والتدمير الإسرائيلى خلال الحرب الأخيرة.
وشدد على أن مصر لا تزال هى الدولة المؤهلة لأن تقود عملية سياسية يتم الاتفاق على إطارها العام مع الأطراف المعنية الأخرى، وعلى رأسها السلطة الفلسطينية والأردن، ثم ننطلق فى تسويقها إقليميًا ودوليًا.
ولفت إلى أن العملية السياسية المقترحة لا بد أن يكون لديها هدفان أساسيان؛ الهدف الأول تكتيكى وهو استئناف المفاوضات فى أسرع وقت ممكن، والهدف الثانى استراتيجى ويتمثل فى وضع مبدأ حل الدولتين موضع التنفيذ طبقًا للمفهوم الذى نعلمه جميعًا وهو دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على خطوط 1967 عاصمتها القدس الشرقية تعيش فى سلام وأمن واستقرار بجوار دولة إسرائيل، مع الأخذ فى الاعتبار أن كل ما سيتم التوصل إليه من خلال المفاوضات سوف يكون بالتوافق، ومن المؤكد أن أية عملية تفاوضية لا بد وأن تشهد مرونة متبادَلة.
وقال إن هناك ضرورة لفتح قنوات اتصال عربية مباشرة ودائمة مع الإدارة الأمريكية من أجل تثبيت مبدأ حل الدولتين من ناحية، والتعرف عمليًا على مدى إمكانية تطبيق هذا المبدأ على الأرض من ناحية أخرى حتى لا ندخل فى مفاوضات دون أن نعرف طبيعة الواقع الحالى على الأرض وكيف نعالجه.
ونوه بأهمية أن تكون لدينا رؤية سياسية واقعية وذات آليات عملية لحل القضية الفلسطينية ونكون قادرين على أن نتعامل بهذه الرؤية مع واشنطن ومع أية أطراف أخرى. والسؤال هنا: هل يكفى أن نعيد كل فترة تذكير العالم بأننا نمتلك مبادرة السلام العربية المطروحة منذ عشرين عامًا والحبيسة الأدراج منذ عقدين؟ أم أننا فى حاجة إلى بلورة رؤية جديدة لا تُسقط الثوابت ولكنها تتعامل بمرونة مع المتغيرات الجديدة؟ وهنا فإنى لا أدعو مطلقًا إلى القفز على مبادرة السلام العربية، ولكنى أدعو إلى مجرد التفكير العملى فى كيفية حل القضية المركزية العربية، لا سيما وأن قطار الاستيطان والتهويد للأرض الفلسطينية يسير بشكل متسارع وممنهج ومنتظم بينما المجتمع الدولى كله يتابع ويراقب ويعترض ويشجب.
وأشار إبراهيم إلى ضرورة أن نظل متمسكين بمبدأ حل الدولتين، حيث أن هذا هو المبدأ الذى يؤمن به العالم كله، وخاصة الإدارة الأمريكية الحالية، وبالتالى أعتقد أنه ليس من المطلوب تمامًا أن نخرج عن الإجماع الإقليمى والدولى، ونتحدث عن حل الدولة الواحدة المستحيل عمليًا أو أى حل آخر يخرج عن إطار حل الدولتين.
وأكد أهمية التواصل مع الجانب الإسرائيلى خلال الفترة القادمة، ليس فقط فى مجال تثبيت التهدئة وعدم اتخاذ إجراءات أحادية خاصة مسألة تهجير سكان القدس، ولكن أيضًا من أجل أن ندفع إسرائيل إلى بدء العملية السياسية، لا سيما وأن العمليات الأخيرة أثبتت أن نظرية الأمن الإسرائيلى لا يمكن أن تحميها أية قدرات عسكرية مهما بلغت قوتها، وأن الضامن الوحيد للأمن الإسرائيلى بل ولاستقرار المنطقة كلها يتمثل فى منح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة والمعروفة.
وأوضح أن إنهاء الانقسام الفلسطينى أصبح هو المدخل الوحيد لتغيير معادلة الوضع الفلسطينى الداخلى، وبدونه سيظل الفلسطينيون يعانون من ويلات الانقسام ولن تتقدم قضيتهم إلى الأمام، وعليهم أن يضربوا المثل فى التوحد والقدرة على مخاطبة المجتمع الدولى من منطلق وحدة الموقف الفلسطينى، بما قد يتطلبه ذلك من وجود الحكومة الفلسطينية القوية المؤهلة للقيام بهذا الدور.
واختتم اللواء محمد إبراهيم مقاله بقوله: "الخلاصة أن الحرب الأخيرة بكل إيجابياتها وسلبياتها أوجدت قوة دفع لا بد من استثمارها قبل أن تهدأ جذوتها، ومن المؤكد أن هناك مسئوليات تقع على الجانبين العربى والفلسطينى علينا أن ننفذها أولًا قبل أن ننتظر تحركًا أمريكيًا أو تنازلًا إسرائيليًا، حيث إنه بالقدر الذى ستكون هناك وحدة موقف عربى وفلسطينى، وأن تُسقط كافة الفصائل الفلسطينية مصالحها الحزبية من أجل تحقيق الهدف الأسمى وهو الدولة الفلسطينية؛ يمكن فى هذه الحالة فقط أن أقول واثقًا إننا على المسار الصحيح مهما كانت الصعوبات والمعوقات، ودون ذلك سنظل ندور فى نفس الحلقة المفرغة. وكلمة أخيرة أقولها: “دعونا هذه المرة نجرب ونتحرك ونجتهد، ثم نرى نتائج كل هذا الجهد، والتى من المؤكد أنها سوف تكون إيجابية”.