يواصل انفراد، تقديم خدماته "فتوى اليوم"، حيث ورد سؤال لدار الافتاء نصه: من المشاهد في هذا الزمان في بلادنا أن الجزّارين يَطرحون رؤوس الأضاحي وأرجلها في المهملات، أو يدفنونها؛ لغرض التخلص من العناء في تنظيفها، والحال أنه يوجد في رؤوسها دماغ من اللحم، وأرجلها مما يؤكل، فهل يُعد صنيعهم هذا من إضاعة المال؟ ، وجاء رد الدار كالآتى:
الأضحية هي ما يذبح من الأنعام تقربًا إلى الله تعالى من يوم عيد الأضحى إلى آخر أيام التشريق، وهي شعيرة من الشعائر وعَلَمٌ من أعلام الدين، وسنة من السنن المؤكدة؛ قال تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ﴾ [الحج: 36]، وروى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يضحي بكبشين أملحين، أقرنين، ويسمي، ويكبر، ويضع رجله على صفاحهما. وفي لفظ: ذبحهما بيده.
وروى ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أَحَبَّ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ هِرَاقَةِ دَمٍ، وَإِنَّهُ لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا، وَأَظْلَافِهَا، وَأَشْعَارِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ، قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا».
ومن المقرر شرعًا أن تَصَرُّف المضحي في أضحيته مقيد إما بأن يُطْعِمَ غيره، وإما أن يَطْعَمَ هو من أضحيته، وله كذلك أن يتصدق بجلدها أو أن ينتفع به بنفسه؛ قال تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: 36].
ولهذا قرر جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة حرمة بيع شيء من الأضحية؛ قال سيدي أبو البركات الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (2/ 124، ط. دار الفكر): [(ومُنِعَ) (البيعُ) من الأضحية كجلدٍ أو لحمٍ أو عظمٍ أو شعرٍ، ولا يُعْطَى الجزار في مقابلة جزارته أو بعضها شيئًا منها، وهذا إذا كانت مجزئة، بل (وإن) لم يحصل إجزاء] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (9/ 356، ط. دار إحياء التراث العربي): [لا يجوز بيع شيء من الأضحية؛ لا لحمها ولا جلدها؛ واجبة كانت أو تطوعًا؛ لأنها تعينت بالذبح. قال أحمد: لا يبيعها، ولا يبيع شيئًا منها. وقال: سبحان الله كيف يبيعها، وقد جعلها لله تبارك وتعالى؟!] اهـ.
قال الإمام القرطبي في "المفهم" (3/ 416، ط. دار ابن كثير، ودار الكلم الطيب): [وأمره صلى الله عليه وآله وسلم بالتصدق بلحوم البُدْن، وجلودها، وأجلتها؛ دليل: على أن جلود الهدي وجُلالها لا تباع؛ لأنه عطفها على اللحم وحكم لها بحكمه، وقد اتفق على أن لحمها لا يُباع، فكذلك الجلود والجلال] اهـ.
وقد أخرج الإمام أحمد في "مسنده" من حديث قتادة بن النعمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام فقال: «إِنِّي كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ أَنْ لَا تَأْكُلُوا الْأَضَاحِيَّ، فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِتَسَعَكُمْ، وَإِنِّي أُحِلُّهُ لَكُمْ، فَكُلُوا مِنْهُ مَا شِئْتُمْ، وَلَا تَبِيعُوا لُحُومَ الْهَدْيِ، وَالْأَضَاحِيِّ فَكُلُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَاسْتَمْتِعُوا بِجُلُودِهَا، وَلَا تَبِيعُوهَا، وَإِنْ أُطْعِمْتُمْ مِنْ لَحْمِهَا، فَكُلُوا إِنْ شِئْتُمْ»، وهذا نهي صريح عن بيع جلود الأضاحي.
فإذا كان بيع شيء من الأضحية حرامًا فإنه يتحقق من باب أولى حرمة الاتلاف لِما يُنتفع به شرعًا، والرأس والأرجل مِمَّا يُنتفع به شرعًا؛ قال الشيخ زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 545، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(ويَحْرُمُ الإتلاف والبيع) لشيءٍ من أجزاء أضحية التطوع، وهديه (وإعطاء الجزار أجرةً منه)] اهـ.
وبناءً على ما سبق: فإنه يحرم بيع أو دفن أو طرح رؤوس الأضاحي وأرجلها في المهملات ما دامت صالحة للاستعمال.