قال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، إننا فى حاجة إلى قراءة عصرية للسيرة النبوية المشرفة تبرز مقاصدها السامية وما فيها من جوانب إنسانية ونظم إصلاحية فى مختلف المجالات ، مؤكدًا أن السيرة النبوية غنية بالجوانب الاقتصادية والإدارية والاجتماعية ، وأن الأصل فى ديننا هو السلام ، وأن الحرب فى الإسلام حرب دفاعية ، مشيرًا إلى أن عمليات الاجتزاء لم توف السيرة النبوية حقها من الدراسة الشاملة.
وتابع جمعة فى تصريحات له اليوم:"فقد سجل كثير من كتاب السير بعض جوانب السيرة النبوية دون بعض ، فجاء تسجيلهم لها غير وافٍ بحقها ، ولا معبرًا عن جميع جوانبها ، فحين تقرأ بعض كتب السيرة لا تكاد تقف بعد إلمامة بنبذة يسيرة عن حياة نبينا (صلى الله عليه وسلم) إلا على لقاء النبى (صلى الله عليه وسلم) بأعدائه فى الحروب ، التى أطلقوا عليها مصطلح (غزوات) مع أن الأدق هو تسميتها (أيام) على نحو ما بين لنا القرآن الكريم.
لقد سمى القرآن الكريم الأسماء بمسمياتها الأدق ، فلم يرد فى القرآن الكريم لفظ غزوة قط ، إنما عبر بلفظ يوم عما كان من نصر المسلمين يوم بدر الذى سماه الحق سبحانه وتعالى يوم الفرقان ، فقال سبحانه : " وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ أن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (الأنفال : 41).
وأضاف جمعة: "وهكذا أيضا تحدث القرآن الكريم عن يوم حنين ، حيث يقول الحق سبحانه : "لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (التوبة : 25 - 27) ، فقد كانت حروب النبى (صلى الله عليه وسلم) دفاعية ، إما دفعا لعدوان ، أو ردا لاعتداء ، أو دفعا لخيانة أو تآمر ، أو لنقض الأعداء عهدهم معه (صلى الله عليه وسلم) ، ولَم يكن أى منها اعتداء على أحد ، فكان الأنسب والأدق التعبير عنها بلفظ يوم وليس بلفظ غزوة ، وهو ما نعتمده ونراه الأدق فى التعبير ، وضعا للأمور فى نصابها وتسميتها بمسمياتها التى سماها القرآن الكريم بها وآثرها على غيرها ، وهو ما عبر عنه بعض الكتاب والمؤرخين المدققين فى مؤلفاتهم تحت عنوان : " أيام العرب فى الجاهلية والإسلام".
وتابع وزير الأوقاف:"ونؤكد أن هناك جوانب عديدة تحتاج أن نلقى عليها الضوء فى تناولنا لسيرة سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، منها على سبيل المثال لا الحصر : ما يتصل ببناء الدولة ونظمها الاقتصادية والإدارية بدءًا من بناء المسجد ، وإنشاء سوق المدينة ، والعناية بكل جوانب الحياة : زراعة ، وتجارة ، وحرفة ، وإتقان عمل ، مع النهى عن الغش والاحتكار والاستغلال وسائر الأدواء الاقتصادية ، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم) : "ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أو يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ منه طَيْرٌ أو إِنْسَانٌ أو بَهِيمَةٌ، إِلَّا كانَ له به صَدَقَةٌ" (رواه مسلم) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء" (رواه الترمذي) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) :" أن اللَّهَ يقولُ أنا ثالثُ الشَّريكَينِ ما لم يَخُنْ أحدُهما صاحبَهُ فإذا خانَهُ خرَجتُ من بينِهِما" (رواه أبو داود) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : " أن اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أن يُتقِنَهُ" (رواه البخاري)، ومر النبى (صلى الله عليه وسلم) علَى صُبْرَةِ طَعامٍ فأدْخَلَ يَدَهُ فيها، فَنالَتْ أصابِعُهُ بَلَلًا فقالَ: "ما هذا يا صاحِبَ الطَّعامِ؟ قالَ أصابَتْهُ السَّماءُ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: أفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعامِ كَى يَراهُ النَّاسُ، مَن غَشَّ فليسَ مِنِّي" (رواه مسلم) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : "الجالبُ مرزوقٌ والمحتكِر ملعونٌ" (رواه ابن ماجة).
وكذلك الجوانب الاجتماعية والإنسانية من الرحمة بالضعيف والمحتاج ، والحيوان والجماد ، وإعلاء قيم التكافل والتراحم ، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم) : "مَن كان معه فضلُ ظَهرٍ فلْيعُدْ به على مَن لا ظهرَ له ومَن كان معه فضلُ زادٍ فلْيعُدْ به على مَن لا زادَ له" (رواه ابن حبان) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : "ليسَ منَّا من لم يرحَمْ صغيرَنا ولم يوقِّرْ كبيرَنا" (رواه الترمذي) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : "خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ" (رواه ابن حبان)، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : "إنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وشَبَّكَ أصَابِعَهُ" (رواه البخاري).