أكد سماحة المفتي الشيخ راوي عين الدين رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية، على أن إعلان عام 2022 عاماً للتراث الثقافي لشعوب روسيا بموجب المرسوم الصادر عن الرئيس فلاديمير بوتين، والذي يأتي متزامناً ومتناسقاً بشكل متناغم مع القرار المعتمد سابقًا والذي ينص على تنظيم الفعاليات الاحتفالية على المستوى الفيدرالي احتفاءً بالذكرى الـ 1100 للاعتماد الرسمي لـ الإسلام من قبل شعوب بُلغار الفولغا خلال عام 2022، سيساعد على التعبير عن التراث الروحي والثقافي الإسلامي بشكل أكثر وضوحاً في سياق الفضاء الاجتماعي والثقافي لروسيا بالكامل.
جاء ذلك خلال خطبة الجمعة التي القاها سماحة المفتي الشيخ راوي عين الدين اليوم من على منبر المسجد الجامع بموسكو، والتي حضرها عدد كبير من السادة سفراء الدول العربية والاسلامية، والتي أعلن فيها عن انطلاق عام الاحتفال بالذكرى الـ 1100 لاعتماد الاسلام رسمياً من قبل شعوب بُلغار الغولغا.
وأضاف: قبل أحد عشر قرناً، وفي عام 922، وصلت إلى دولة بُلغار الفولغا الواقعة في أقاصي شمال العالم المتحضر آنداك بعثة من بغداد، أرسلها الخليفة العباسي "المقتدر بالله"، تلبية لطلب ملك البُلغار ألموش، للتعريف بالدين الإسلامي. وبعد القبول الطوعي للاسلام رسمياً من قبل شعوب بُلغار الفولغا، بدأت منطقة بُلغار الغولغا مرحلة من التطور الاقتصادي والثقافي المتسارع، فكان لهذا البلد علاقات وثيقة ليس فقط مع العالم الإسلامي، ولكن أيضًا مع جيرانه – خانيات الخزر، والتي كانت تعتمد اليهودية ديانة رسمية، ومع روسيا القديمة، التي تبنت الأرثوذكسية بعد 65 عامًا. وهكذا، بعد عدة قرون، أصبح ذلك التراث التاريخي والثقافي والديني عند البُلغار ملكًا لأحفادهم، بما في ذلك شعوب التتار والبشكير.
وقال: لقد ظلت تلك الدول لفترة طويلة في عمق ذاكرة التاريخ...ذهبت السلطة، والكنوز والثروات، والجيوش والقوافل...لكننا بقينا نحن أحفاد أولئك الذين تبنوا دين الله، وبقي ديننا وإيماننا معنا، ذلك الفضل الكبير، والنعمة العظيمة، والرحمة الواسعة من الله، التي حصلنا عليها بطريقة حرة وسلمية دون إكراه.
وأشاد بالتجربة الفريدة في التعايش السلمي بين جميع ممثلي الأعراق والأيان في روسيا بقوله: لقد تعلمنا على مدى قرون طويلة من التعايش بين المسلمين وممثلي مختلف الديانات والأعراق في روسيا أن نتوصل إلى حلول وسط بشأن مواضيع مختلفة ومعقدة ومثيرة للجدل في بعض الأحيان. وكان رجال الدين الاسلامي دائماً يدعون إلى بناء مجتمعًا مستقرًا ومزدهرًا يتمتع فيه المسلمون بحقوق متساوية مع الأرثوذكس واليهود والبروتستانت والكاثوليك والبوذيين. واليوم، وعلى الرغم من بعض الصعوبات، لدينا أشياء كثيرة نفتخر ونعتز بها، ويمكننا أن نقدمها للعالم كله على أنها من إنجازاتنا.
وشدد على أن مهمة جميع المشاريع التي تنفذها الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية، هي البناء، وليس الهدم؛ توحيد الصفّ والابتعاد عن التناحر. فمنذ 1100 عام، ما فتئت مساجدنا على أراضي روسيا الحديثة تحث الناس وتدعوهم للخير والصلاح وتحذرهم من ارتكاب الآثام. وفي كل عظة، نتحدث عن الجمال الأخلاقي لديننا الحنيف، عن الصلاح والرحمة، وندعو إلى التآخي والمحبة والوئام.
واختتم سماحة المفتي الشيخ راوي عين الدين خطبته متوجهاً إلى المؤمنين بقوله: في هذا اليوم المبارك، الذي نبدأ فيه الاحتفال بهذه الذكرى التاريخية لمسلمي روسيا، أناشدكم إخوتي وأخواتي: دعونا نملأ أنفسنا بالأفكار السليمة والجيدة، ونعزز قلوبنا بالايمان والسعي في سبيل الله؛ وليكن هدفنا مرضاة الله تعالى بالعمل الخيّر والصالح والنافع للأمة وللمجتمع بأسره، سائلين المولى عز وجل أن ينعم وطننا العظيم الغالي روسيا الاتحادية، بالتقدم والازدهار، والرخاء والرفاهية.
ويأتي تنظيم هذه الاحتفالات، بعد دعم وتأييد الرئيس فلاديمير بوتين، لمبادرة سماحة المفتي الشيخ راوي عين الدين للاحتفال بهذه المناسبة الهامة على مستوى الدولة، والتي طرحها سماحته خلال الاجتماع الذي عقده الرئيس بوتين عبر شبكة الانترنت مع قادة المنظمات الدينية في روسيا بتاريخ 04 نوفمبر 2020.
وفي 28 أبريل 2021، وقّع الرئيس فلاديمير بوتين مرسوماً يقضي بتشكيل "اللجنة التنظيمية الخاصة بالإعداد للاحتفال بالذكرى الـ 1100 لاعتماد الإسلام رسمياً من قبل شعوب بُلغار الفولغا خلال عام 2022"، وتم تعيين السيد مارات خوسنوللين نائب رئيس الوزراء الروسي رئيساً للجنة المنظمة.
واليوم بدأت سلسلة الفعاليات الاحتفالية والتي تستمر يومين، وتتضمن عقد المؤتمر السنوي الثامن لعموم روسيا "قراءات شهاب الدين مرجاني" تحت عنوان :"الاسلام في روسيا: فهم تجربة مسلمي روسيا الممتدة عدة قرون"، وكذلك تقديم وعرض سلسلة الكتب الجديدة التي تم نشرها حديثاً بعنوان: "الفكر الإسلامي في روسيا: الإحياء واعادة التفكير"، والذي يأتي في إطار الاحتفال بالذكرى الـ 15 لتأسيس مؤسسة "المدينة" للنشر والتابعة للإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية، إضافة إلى افتتاح معرض "مصاحف العاصمة" في المتحف الاسلامي بالمسجد الجامع بموسكو، وكذلك حفل الاستقبال الرسمي الذي دعا إليه سماحة المفتي الشيخ راوي عين الدين، والذي سيحضره عدد من كبار رجال الدولة والشخصيات السياسية، وعدد كبير من سفراء الدول العربية والاسلامية والأجنبية المعتمدين في موسكو، والشخصيات الدينية والاجتماعية والعليمة والثقافية، مساء اليوم الجمعة.