ألقى الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، اليوم الخميس، الكلمة الرئيسة في احتفالية مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين والأجانب بالأزهر، لتكريم الفائزين في مسابقة مواهب وقدرات في موسمها الثاني تحت عنوان «تنمية واستدامة» للطلاب الوافدين والأجانب الدارسين بالأزهر.
وفي بداية كلمته، نقل فضيلته تحيات فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وتهنئته الصادقة لجميع الفائزين من المبدعين والموهوبين، وهنأ وكيل الأزهر الفائزين، وقال إن هناك أمانة في أعناقهم بأن يستخدموا موهبتهم فيما ينفع الأمة، كما عبر عن سعادته الكبيرة لرؤية وجوه مشرقة من أبناء الأزهر الشريف الذين يتميزون بمواهبهم وقدراتهم وإبداعهم، ويقدمون بهذا التميز نموذجا يجب أن يحتذى.
وأعرب وكيل الأزهر عن تقديره للجهود التي يقوم بها مركز تعليم الوافدين والتناغم العجيب بينه وبين قطاعات الأزهر في العمل على نشر ثقافة الإبداع، وتنمية المواهب والقدرات، وتحفيز الطلاب الوافدين على الابتكار والتميز في المجالات العلمية والفنية المختلفة، وهو ما يأتي تأكيدا لتوجيهات فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر مرارا وتكرارا، بأن الطلاب الوافدين على رأس الأولويات الأزهرية.
وأكد أن اكتشاف المواهب ورعاية الموهوبين ينتج عنه خير للمجتمع، بل والبشرية كلها، وإنما تزداد المجتمعات تقدما كلما لاحظت أفرادها، ورعت استعداداتهم وقدراتهم، واستثمرت إمكاناتهم، وتزداد المجتمعات تأخرا كلما أهملت قدرات أبنائها وطمست معالم نبوغهم، وبالنظر في عالمنا الإسلامي والعربي عبر التاريخ نجد أن أمتنا حافلة بموكب كبير من المبدعين والموهوبين، وممن كانت لهم أدوار في تطور الحياة الإنسانية وتحويل مسارها نحو المجد والفلاح.
وأضاف وكيل الأزهر أن في وقائع السيرة النبوية ما يوجب علينا إعادة قراءتها؛ لنكشف عن هذا الجانب المشرق في شخصية سيدنا رسول الله ﷺ الذي استثمر به الطاقات الكامنة في نفوس أصحابه، والقدرات المتنوعة في كل واحد منهم، والمواهب الفذة التي اختص الله -جل جلاله- بها بعضهم، ونظهر كيفية معالجة هذه المواهب وتنميتها وصقلها وتوجيهها التوجيه الأمثل؛ ليجعل من صاحب الموهبة مبدعا في مجال من مجالات الحياة، لخدمة الدين والمجتمع والوطن.
واستشهد بما كان من أمر سيدنا زيد بن ثابت –رضي الله عنه- فقد رده سيدنا رسول الله ﷺ ولم يرض أن يكون جنديا في معركة بدر يحمل السيوف والسهام؛ لصغر سنه، وضآلة جسمه، وإنما أراده جنديا في ميدان العلم يحمل القرطاس والأقلام؛ لتوقد ذهنه، واستعداد عقله، وهذا الغلام نفسه زيد بن ثابت يطلب منه النبي ﷺ أن يتعلم بعض اللغات، فيتقن الغلام اللغة في خمس عشرة ليلة؛ لأن الأمم المتحضرة لا بد لها من أفراد يتقنون اللغات الأجنبية، ويخاطبون أصحاب الثقافات الأخرى بلغاتهم، ويعرضون الإسلام عرضا صحيحا بلسانهم؛ وليست واقعة سيدنا زيد بن ثابت واقعة وحيدة، بل إن التاريخ يشهد للأمة بمواهب أبنائها في كل مجالات الحياة.
وعبر عن يقينه بأن الموهبة شيء فطري يوجد في الإنسان، ولا يوجده الإنسان في نفسه؛ وغاية ما يمكن أن يفعله الإنسان والمؤسسات المسئولة أن تعظم من هذه الموهبة، وأن تستثمرها، مضيفا: وأوقن كذلك أن الموهوبين في المجالات الاجتماعية أو العلمية أو الفنية أو الرياضية كثيرون من حولنا، ولكنهم ينتظرون العين التي تراهم، واليد التي ترعاهم، والمؤسسة التي تكتشفهم، وتتيح لمواهبهم أن ترى النور.
وأطلق وكيل الأزهر خلال كلمته مبادرة «إدارة المواهب»، لكي نتجاوز اكتشاف المواهب إلى استثمار المواهب، وقال إن الأمر لا يتوقف عند اكتشاف الموهوبين وتكريمهم؛ بل هناك عمليات متتابعة لا تنتهي وهي إدارة المواهب واستثمارها، فالمواهب التي أذهلت العالم، وأثرت فيه لم تظهر فجأة، وإنما عملت عليها منظومة تمتلك المقومات الحقيقية لإدارة المواهب، ولتعظيمها عبر برامج واقعية عملية ومسارات مناسبة تتجاوز التنظير، وأن رعاية الموهوبين، وتوجيه مواهبهم مهمة وطنية تستحق عناية خاصة، وأن رعاية الموهوبين هي الضمانة الحقيقية للحفاظ على المكتسبات الحضارية لأي مجتمع، ومنهم يتشكل المستقبل.
وشدد وكيل الأزهر على أن الحديث عن استثمار المواهب يحتاج إلى موهوبين في الأساس؛ فالتاريخ حافل بالمواهب التي لمعت ثم ضاع سناها، ولاحت ثم اختفت؛ لأنها لم تجد من يرعاها، ولأن من اكتشفها اكتفى بالاكتشاف، ولم يكمل العمل، وأنه سيتابع ما بعد تكريم اليوم لا لاكتشاف مواهب جديدة فحسب؛ ولكن أيضا لنرى آثار هذه المواهب في الحياة بما أتيح لأصحابها من برامج توجيه واستثمار.