أكد اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب مدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن قضية السد الإثيوبي تمثل أهم أولويات القيادة السياسية المصرية، ولن تقبل التنازل عن حقوق مصر المائية مهما تكن النتائج.
وقال اللواء محمد إبراهيم - في مقال بعنوان "قضية السد الإثيوبي إلى أين؟" نشرته صحيفة (الأهرام) في عددها الصادر اليوم الثلاثاء، إن القيادة الإثيوبية ما زالت تسير في نهجٍ أحادي ومتعمد إزاء التعامل مع قضية السد الإثيوبي، معتقدة أنها سوف تواصل هذا المشروع إلى ما لا نهاية كما تريد وغير عابئة بالنتائج السلبية المترتبة على مصر والسودان من جراء هذا النهج المنفرد وضاربة بعرض الحائط الاتفاقات الدولية ومن بينها إعلان المبادئ الملزم للأطراف الثلاثة الموقعة عليه في مارس 2015، وإذا كانت المفاوضات التي استغرقت عقداً كاملاً لم تنجح في التوصل إلى النتائج المرجوة إلا أن الواقع يؤكد أن إثيوبيا هي التي أفشلت المفاوضات.
وأضاف إبراهيم "أنه في خضم التعنت الإثيوبي وجمود العملية التفاوضية، لم تتوقف مصر لحظة واحدة عن أن تجعل قضية السد الإثيوبي في دائرة الضوء بصفة دائمة والتحذير من مغبة استمرارها دون حل خاصة مع بدء إثيوبيا عملية الملء الثالث بإجراء أحادي، ولذا أسرعت مصر بإرسال خطاب إلى مجلس الأمن يوم 29 يوليو 2022 من أجل تحميل المؤسسة الدولية مسئوليتها المنوطة بها إزاء الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين الذي سوف يتهدد بالتأكيد من تداعيات هذه القضية.
وتابع "أن القراءة الدقيقة للخطاب المصري الموجه إلى مجلس الأمن تعكس أمرا مهما يجب التوقف عنده كثيرا والتركيز على كل مفرداته وهو أن مصر لم ولن تغير موقفها منذ بداية الأزمة وحتى الآن ولاسيما تأكيد أنها لن تتهاون تجاه أي مساس بحقوقها وأمنها المائي وأنها تحتفظ بحقها الشرعي في اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان وحماية أمنها القومي إزاء أي مخاطر قد تسببها الإجراءات الإثيوبية الأحادية مستقبلاً".
وأشار اللواء محمد إبراهيم إلى أن مصر سعت خلال الفترة الأخيرة إلى أن تضع القوى الكبرى أمام مسئولياتها حيث كانت هذه القضية واحدة من القضايا المهمة التي بحثها الرئيس عبد الفتح السيسي مع الرئيس الأمريكي جو بايدن على هامش لقاء مؤتمر الأمن والتنمية في جدة يوم 17 يوليو الماضي والتوافق التام الذي أبداه الرئيس بادين مع الموقف المصري بشأن ضرورة التوصل إلى حل لهذه القضية دون تأخير، وقد ترتب على هذا اللقاء بدء المبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي جولة جديدة في المنطقة بهدف استكشاف فرص استئناف المفاوضات.
ونوه إلى أنه في الجانب المقابل فقد حاولت إثيوبيا أن تبدو وكأنها تتعامل بشكل قانوني مع هذه الأزمة وذلك عندما أبلغت مصر يوم 26 يوليو بأنها سوف تستمر في عملية ملء خزان السد خلال موسم الفيضان الحالي، مقدرا أن هذا التصرف الإثيوبي هو حق يراد به باطل فهل يعقل أن تقوم أديس أبابا بهذه الإجراءات الأحادية التي تضر بالأمن المائي المصري والسوداني وتكتفي بعملية الإبلاغ دون التوصل إلى اتفاق مسبق بالشأن مع دولتي المصب.
ورأى إبراهيم أنه من حق الرأي العام المصري أن يستفسر عن كيفية تعامل القيادة السياسية مع هذه الأزمة خلال المرحلة القادمة.
واستعرض إبراهيم خمس نقاط لا بد أن يعيها الرأي العام جيداً، حيث أكد أن قضية السد الإثيوبي تمثل أهم أولويات القيادة السياسية المصرية ولن تقبل التنازل عن حقوق مصر المائية مهما تكن النتائج، وأن مصر انتهجت حتى الآن كل الوسائل التي تتيح إمكانية حل هذه القضية بالوسائل السلمية ولم تترك باباً واحداً إلا وطرقته من أجل ألا تنزلق الأمور إلى ما لا يحمد عقباه على المستويين الإقليمي والدولي.
وقال اللواء محمد إبراهيم إن كل الوساطات التي تدخلت على المستويات الإفريقية والأوروبية والأمريكية لم تنجح في التوصل إلى حلول مقبولة ومن ثم فإن التطورات الأخيرة كانت تتطلب من مصر اللجوء إلى مجلس الأمن وهو حق أصيل لها طبقاً للمادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة حتى تستكمل دائرة تحركاتها بغض النظر عن طبيعة الموقف الذي سوف يتخذه مجلس الأمن على المستويين الإجرائي والموضوعي في ضوء اختصاصاته، مضيفا: "في تقديري أن المجلس لن يتحرك بالصورة التي نرجوها ولكن يظل تعاملنا معه ضرورياً ومطلوباً".
وشدد على أن مصر لا تزال حتى الآن حريصة على استئناف المفاوضات من أجل التوصل إلى حل عادل وشامل وملزم قانوناً بشأن ملء السد، وتشغيله ولكن للأسف فإن الآذان الإثيوبية لا تزال مغلقة ولا ترى إلا مصالحها هي فقط، مؤكدا أن القيادة السياسية المصرية التي تتفانى من أجل مصلحة الوطن والمواطن في كل المجالات تظل جديرة بأن تحظى بدعم غير مسبوق من الشعب المصري ومختلف مؤسساته تجاه أي قرار سوف تتخذه.
وأكد إبراهيم أنه لا شك أن مصر كانت حريصة من خلال الخطاب الأخير الذي وجهته إلى مجلس الأمن على أن تنقل رسالة صريحة إلى المجتمع الدولي بأكمله مفادها أن عدم الاكتراث الدولي لحل أزمة السد الإثيوبي سوف يترتب عليه نتائج سلبية غير مسبوقة في قضية تعتبر بالنسبة لمصر مسألة حياة أو موت، ومن المؤكد أن القيادة المصرية ستنتهج مسار الحياة لمصلحة الأجيال الحالية والقادمة مع امتلاكها كل الحق في التصدي لكل ما يهدد أمنها القومي.
واختتم قائلا: "في النهاية إذا كان لي أن أوجه رسالة إلى القيادة الإثيوبية فإني أؤكد لها أن عليها أن تكون مرنة مع مصر التي لا تزال منفتحة للتفاوض والتوصل إلى حل سلمي مرض يحقق مصالح جميع الأطراف ويوفر التنمية المطلوبة لإثيوبيا دون الإضرار بدولتي المصب، إلا أنه في نفس الوقت فإن على إثيوبيا أن تعلم جيداً أن الدولة المصرية الحضارية والمسالمة والقوية والتي لا تهدد أحداً تعرف تماماً كيف تحافظ على أمنها القومي وأرجو ألا تتشكك ولو للحظة واحدة في ذلك".