شارك السفير عمرو رمضان سفير مصر لدى النرويج، فى بعض فعاليات "منتدى أراندال" الذى عقد على مدار الفترة من 15 إلى 19 أغسطس الجارى، فى مدينة أراندال جنوب النرويج، وهو النسخة النرويجية من منتدى دافوس، وشارك فيه رئيس وزراء النرويج ووزيرة الخارجية وكبار رجال الدولة والأحزاب السياسية ومراكز الفكر وممثلى الشركات الكبرى والإعلام حتى بلغ عدد المشاركين قرابة المائة ألف مشارك، وعقد فى إطاره 1500 جلسة على مدار أيامه الخمسة.
وركزت جلسات هذا العام على خمسة محاور رئيسية هى المناخ والإستدامة بما فيها أزمة الطاقة الحالية، وموضوعات الصحة، والرقمنة، ومسئولية الشركات، والديمقراطية.
ودُعى السفير عمرو رمضان لإلقاء كلمة أمام إحدى جلسات المنتدى هى المائدة المستديرة للسفراء التى أدارتها رئيسة المنتدى الدولى فى أوسلو وخصصت لتحليل الوضع العالمى وإلى أين يتجه العالم، وما إذا كانت دوله تتجه نحو الإنعزالية والمواجهة، أم الإقليمية، أم الإستمرار فى العولمة.
وقام السفير باستعراض مظاهر الردة عن العولمة خلال العقد الماضى ومن قبل الحرب الروسية- الأوكرانية، مرجعاً السبب إلى أن العالم لم يعد يتقبل أربعة جوانب محددة للعولمة هى: قبول التعددية والآخر حيث انحسرت كثيراً فى العقد الأخير، كما قُيّدَ انتقال الأفراد الطبيعيين بقيود متزايدة لتأشيرات الدخول والإجراءات الحدودية، فضلاً عن سوء معاملة الأجانب سواء أقليات أو مهاجرين أو لاجئين، إذ لا يمكن أن تشكل كراهية الأجانب أو التنميط السلبى أو الإسلاموفوبيا فىالدول الغربية مناخاً موائماً للعولمة.
وثانياً أن العالم لم يعد مهتماً بتحقيق مستويات أعلى من تحرير التجارة عما تحقق في إطار منظمة التجارة العالمية حتى الآن وكأن الأطراف الرئيسية ليس لديها استعداد أن تحرر بعض القطاعات الحساسة لها بشكل أكبر. أضف إلى ذلك أن التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين تتسبب بصورة أو بأخرى فى الجمود الحالى بمنظمة التجارة العالمية.
وأكد السفير رمضان أن الردة عن العولمة بمفهومها الاقتصادى لا تساعد التجارة العالمية أو النمو والاستثمار، بل تجعل الدول النامية في وضع أكثر صعوبة لقطف ثمار تحرير التجارة فى قطاعات مثل الزراعة والمنسوجات والاتصالات (فيما يخص منح رخص شبكات المحمول)على سبيل المثال لا الحصر.
واستطرد السفير بأن التوترات الجيوسياسية في مناطق عدة من العالم خلال السنوات العشر الأخيرة قد أدت إلى تراجع العولمة، كما أن النظام العالمى يتغير وهذه طبيعته فهو نظام ديناميكى وليس جامداً. فالنظام العالمى قبل الحرب العالمية الأولى ليس هو كما بعدها، ووضع بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية ليس كما هو قبلها، وينسحب نفس الشىء على روسيا عقب سقوط جدار برلين عام 1989، ويمكن القول أن ذلك ينطبق على الولايات المتحدة خلال العقد الحالى. وربما اتجه العالم بالفعل نحو مراكز عدة للقوى كما كان الوضع دوماً فى التاريخ، وإن مقاومة هذا التغير قد يؤدى إلى حرب عالمية ثالثة، وسيكون الأمر مؤسفاً بعد كل ما بلغته البشرية من تقدم فى العلوم السياسية والاجتماعية.
أما العامل الرابع الذى أدى إلى التراجع في مسار العولمة من وجهة نظر السفير عمرو رمضان، فهو أن دولاً نامية كثيرة قد أرهقتها الحالة الاقتصادية، ولم تحصد ثمار العولمة التى وُعِدت بها قبل ثلاثين عاماً. فبالرغم من انخفاض عدد الذين يُصنفون تحت خط الفقر المدقع من 1,9 مليار شخص عام 1990 إلى 736 مليون عام 2015 حتى بلغ 8,6% من إجمالي السكان عام 2018، إلا أن هذا التحسن توقف فى 2020 بسبب وباء كورونا، وتفاقم نتيجة الحرب الروسية- الأوكرانية وما تبعها من عقوبات خارج إطار القانون فرضها الغرب على روسيا، مما كان له آثار جمة على ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وعلى الأسر الفقيرة فى العالم خاصة بالدول ذات الدخل المحدود التى يكون الإنفاق فيها على الغذاء حوالى 33% من دخل الفرد، بينما أن هذا المعدل لا يتعدى 25% فى حالة الدول ذات الدخل المرتفع. واستعرض السفير كذلك الضغوط التضخمية التى صاحبت وباء كورونا والحرب الروسية الأوكرانية واللذان تعاقبا فى أسوأ توقيت ممكن، وهو الأمر الذىبات واضحاً معه أن العالم لن يتمكن من تحقيق الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة المتمثل فى خفض مستوى الفقر المدقع فى العالم إلى 3% بحلول عام 2030.
ونوه السفير إلى أن الاستهلاك السنوى فى الاقتصادات البازغة سيصل إلى 30 تريليون دولار عام 2025 (ارتفاعاً من 12 تريليون عام 2010)، مما يجعل المستهلكين فى الاقتصاديات البازغة يشكلون غالبية الطلب العالمى وستستهدفهم الشركات الكبرى فىمعظم الاقتصاديات، وهذا يتطلب قدراً من العولمة.
وشار السفير عمرو رمضان إلى أن العالم لن يتجه إلى الإقليمية لا سياسياً ولا اقتصادياً على نمط تجربة الاتحاد الأوروبى كما شهدنا فى العقد الأول من هذا القرن، بل إن هناك حديثا عن مستقبل عمل الاتحاد الأوروبى بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، وأنه ربما باستثناء أفريقيا، فإن الإقليمية كتوجه قد انحسرت.
واختتم السفير كلمته بأنه لا يعتقد ان العالم يتجه نحو الانعزالية لأن تكلفتها عالية على الجميع فى عالم يغلب عليه الإعتماد المتبادل، والمنتظر أن يظل العالم على ما هو عليه من الردة عن العولمة ولكن بوتيرة غير معروفة بعد، إذ أن الأوضاع الدولية حالياً تشكل تحديات لاستمرار العولمة فى شكلها التقليدى الذي كان سائداً، بالرغم من أن الدوافع المساعدة لمسيرة العولمة قائمة بل وتعززت سواء بسقوط جدار برلين أو إطلاق الانترنت في أبريل 1992 أو اتفاقيات التجارة الحرة أو وسائل التواصل الاجتماعى. كما أن العالم لن يمكن وصفه أو تقسيمه بين شمال وجنوب، وإنما سيعود للتقسيم بين شرق وغرب وهذه الفجوة فى ازدياد ما لم يقم الحكماء على الجانبين بعمل شىء حيال تقليل هذه الفجوة.