قال مرصد الازهر لمكافحة التطرف، إنه شاع في السنوات الأخيرة الاستخدام الترويجي لوسائل التواصل الاجتماعي، ولا نعني بذلك الإعلانات مدفوعة الأجر المنشورة على صفحات فيسبوك وإنستجرام وغيرها من المنصات، ولكن المقصود هو غزو ظاهرة المدونين أو (بلوجرز) منصات التواصل الاجتماعي.
تلك الظاهرة التي تشهد تزايدًا مستمرًّا يومًا بعد آخر؛ في ظل تفاقم الصراع على كسب المتابعين والمزيد من المشاهدات والتفاعلات، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن أسباب انتشار تلك الظاهرة؟، وما هي التداعيات المباشرة أو غير المباشرة على المجتمعات وبخاصة الشباب؟.
بدأت مشاركة الحياة الاجتماعية اليومية عبر منصات الإعلام منذ سنوات مع برامج "تليفزيون الواقع"، لكن تلك البرامج كانت تتطلب متابعة قنوات تليفزيونية محددة ذات اشتراكات مالية مرتفعة، ومع تطور منصات التواصل الاجتماعي، وظهور خاصية القصص (Story) أضحت مشاركة الحياة الخاصة للفنانين والمشاهير أمرًا أكثر سهولة، وتطورت الظاهرة بحيث تخطت المشاهير والفنانين، وظهر من يُعرفون بالمؤثرين والمدونين (البلوجرز) وكان كل منهم يستغل منصته في نشر محتوى خاص به سواء كان علميًّا أو ترفيهيًّا أو معلوماتيًّا أو غير ذلك. ومع تزايد استخدام الشباب لتلك المنصات ومتابعتهم المستمرة لـ (Story) المشاهير أصبحت تلك الظاهرة مصدرًا لكسب المال الوفير وتحقيق الثراء السريع.
ومع انتشار وباء كورونا وإعلان حالة الإغلاق العام، اتجهت أنظار الجميع وطاقاتهم إلى منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما الشباب، فهم الأكثر قدرة على استغلال كافة مميزات تلك المنصات. ولعل أهم نتائج تلك المرحلة هو انتشار استخدام منصة "تيك توك" التي تقوم على نشر فيديوهات قصيرة.
واتجه كثير من الشباب إلى تطوير المحتوى المنشور عبر منصات التواصل وتحقيق نسب مشاهدة ومتابعة عالية.
وتطور الأمر من مجرد نشر مجموعة من الفيديوهات العلمية أو التثقيفية أو غيرها إلى نشر فيديوهات تقليد مشاهد الأفلام والرقص والغناء، وتبارى الشباب في تقديم المحتوى الأكثر إثارة لجمع المزيد والمزيد من المتابعين والإعجابات والمشاركات والتي تعني جميعها المزيد من الشهرة والمال. واستغلت بعض الشركات والمتاجر قدرات الشباب وتأثير ما ينشرونه على المجتمع في الترويج لمنتجاتهم.
وحاليًا تطور الأمر ليشارك البعض منهم في حملات دعائية أقل ما توصف به أنها عمليات احتيال مُقنَّعة، حيث يطلب هؤلاء المدونين من متابعيهم مشاهدة عدد من الحسابات خلال وقت محدد مع وعد بالفوز بجوائز قيمة تتراوح بين الأموال والهواتف المحمولة وغيرها.
ويكمن الاحتيال هنا في مقدار الأموال التي يحصل عليها هؤلاء مقابل مشاهدة متابعيهم لتلك الحسابات دون النظر لماهية أصحاب تلك الحسابات أو ماذا يقدمون من خدمات، وهنا يكمن وجه الخطورة، فمع تزايد تلك الظاهرة قد نجد بعض الحسابات لبعض المقرصنين أو بائعي المنتجات الممنوعة أو غيرها من التجارات المحظورة يتسللون بين هؤلاء ليجمعوا متابعين ويخترقوا حساباتهم فيما بعد أو ليسرقوا بيناتهم الخاصة ويبتزوهم للحصول على أموالهم، و ندخل في حلقة مظلمة من الأعمال الإجرامية.
ولا يحمل المدونون أصحاب تلك الحملات همًّا سوى جمع الأموال من الحسابات التي تطلب منهم المشاركة في الحملة، مستغلين في ذلك ثقة البعض وسذاجة الآخرين الباحثين عن المكسب السريع. هذا الانتشار الواسع لتلك المواقع في حياتنا دون وجود رقابة مجتمعية حقيقية يجعلنا ندرك مدى خطورة هذا التوغل لهذه المواقع في حياتنا، وعلى أكثر من صعيد.
فعلى صعيد التنظيمات المتطرفة، لا بد أنها تسعى لاستغلال مثل تلك المنصات والمدونين لدفعهم لنشر إما دعاية تخصهم أو استمالة الشباب نحو المشاركة في منصات أخرى أو مواقع تكون هي نواة استدراجهم نحو العمل في صفوف تلك التنظيمات ولو بشكل غير مباشر، فما أسهل توريط الشباب الباحث عن المال في عمل غير شرعي وابتزازه لاحقًا؛ لتنفيذ أي عمل آخر حتى ولو لم يكن راضيًا عنه.
بل إن هذا الأمر يحدث على الصعيد الأمني، فقد انتشرت مؤخرًا حوادث كثيرة مشابهة، حيث تعمل بعض المجموعات على اختراق الحسابات وتنفيذ عمليات احتيال، أو التواصل مع تجار غير شرعيين بعيدًا عن الرقابة، أو لنشر مواد غير أخلاقية عبر منصة التواصل الاجتماعي، ليكتشف أصحاب تلك الحسابات فيما بعد أن حساباتهم قد اختُرقت واستُخدمت في أمر غير قانوني. واشتكى الكثير من مستخدمي فيسبوك في الفترة الأخيرة من هذا الأمر، لكن خبيرًا أمنيًّا أكد أن هذا يحدث نتيجة إما لمتابعة حسابات غير معلومة الجهة أو منح إحدى الصفحات تصريحًا للتعامل بالمعلومات الشخصية لصاحب الحساب.
وثمة مشكلة أخرى –وهي مشكلة مجتمعية بالأساس- يطرحها هذا التوغل الإعلامي في حياتنا، وهو الاستعداد لتقديم أي محتوى مهما كان، سعيًا وراء المكاسب المالية السريعة، ذلك أننا نجد أن هؤلاء المدونين- في محاولة منهم للحصول على المزيد من المتابعات والإعجابات- يسعون للظهور في أفضل صورة ممكنة؛ حيث نراهم دومًا يشاركون تفاصيل "حياتهم الشيقة"؛ ويُصورون لمتابعيهم أنهم في بهجة مستمرة وترف مستديم من خلال تصوير الحفلات والخروج والسفر، وغيرها من التفاصيل التي توحي بأن الحياة لا عمل فيها ولا كد ولا تعب، وهي دعوة صريحة للتكاسل والاتكال على مثل هذا المحتوى لتحقيق الثروة السريعة.
الأمر هنا لا يتعلق بالحياة الشخصية لهؤلاء وقدراتهم المادية من عدمها، ولكن المشكلة في تصدير تلك الصورة من البذخ ورغد العيش، والتي تشعل رغبة الشباب في معايشة تجربة مشابهة، أو تحقيق مكاسب مادية مثل التي يتمتع بها هؤلاء، وهنا ينجرف الشباب نحو براثن الشيطان.
وليس بعيدًا عن أذهاننا قضية الفتاتين اللتين تورطتا في أعمال منافية للأخلاق وزججن بفتيات دون السن في شبكات اتجار بالبشر بهدف تحقيق الربح السريع، ونود هنا أن نذكر أن كلتا الفتاتين لم تكونا قد بلغتا السن القانوني بعد عند القبض عليهما مُدانتين في تلك الجرائم.
ثم ماذا عن تشويه التكوين النفسي للأطفال؟ ففي ظل انتشار استخدام الأطفال لتلك المنصات لم تعُد هناك رقابة حقيقية على المحتوى الذي يمكن أن يصل ليد ابنك أو ابنتك. تعج هذه المنصات بالكثير من الفيديوهات التي لا تلائم الصغار من حيث المحتوى غير الأخلاقي أو العنيف أو غيرهما.
وقد نرى أيضًا ذلك التشويه النفسي في صورة استغلال الأطفال في صناعة محتوى أكثر إثارة لجمع الإعجابات والمشاركات والتعليقات وبالتالي الأموال، ونرى أحد تلك الأمثلة في فيديوهات قصيرة اشتهرت مؤخرًا لطفلة وأخيها يُجريان حوارات تنتهي دومًا بإحراج الطفلة الصغيرة لأخيها الأكبر سنًّا فيما يطلقون عليه "قصف جبهة". خطورة ذلك المحتوى أن تلك الطفلة اعتادت عدم احترام الكبير من خلال توجيه مثل تلك الألفاظ المحرجة وغيرها على سبيل الدعابة والمرح، فإذا تابع الأطفال مثل ذلك المحتوى سنرى أطفالًا يتبنون الطريقة ذاتها مع آخرين سعيًا وراء الإعجاب أو بداعي المرح والدعابة أيضًا، بل وسيكون هذا هو الطبيعي لديهم في التعامل مع غيرهم، النهج الذي ولا بد أن يتطور ليصل لحد التنمر والسباب.
تلك الحوادث ما هي إلا بداية، وإذا استمر الحال على ما هو عليه من غياب الرقابة على المحتوى المنشور على تلك المنصات والحملات التي ينفذها البعض بهدف جمع الأموال، سنرى فيما بعد المزيد من النماذج المماثلة التي تسعى لتحقيق الربح السريع دون النظر لقانونية ما يفعلون أو شرعيته، وسنرى آخرين يزجون بغيرهم في شبكات أعمال غير قانونية أو متطرفة بهدف جمع الأموال. أَوَليس خداع الآخرين لشراء منتج غير مضمون يُعد شكلًا من أشكال الغش الذي نهانا عنه رسولنا الكريم "صلى الله عليه وسلم".
لا بد لنا من وقفة مع هؤلاء المدونين وغيرهم من الناشطين عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وتوعية الشباب بمخاطر المشاركة في تلك المسابقات، والسعي وراء الكسب السريع دون نظر لحقيقة الأشياء، بل ويجب أن يعلموا أن ما يرونه على صفحات التواصل ليس هو الحياة الحقيقية لهؤلاء، بل هو فقط ما يعرضون من أجل تحقيق المكاسب فلا يجب أن ننخدع ونصدق أن ما نرى هناك هو الحياة، فإن الحياة الحقيقية في الواقع بها الكثير من أشكال الكد والسعي والعمل من أجل تحقيق الأهداف التي يسعى إليها كل منا.