حذر مرصد الأزهر في مقال له من خطورة الفتوى بغير علم، وذلك لما للإفتاء له مكانة عظيمة، ومنزلة جليلة، ينبغى ألَّا يتصدر له إلَّا المتأهل، المأذون له من قِبَل السلطة المختصة، لأنَّ من يفتى النَّاس إنما هو مُخبرٌ عن الله تعالى، ومُوقِّع عنه، ولذلك اشترط الفقهاء فيمن يقوم بالفتوى عدة شروط لا بد من توفرها؛ وهى أن يكون مسلمًا، ثقة، مأمونًا، صادقًا، ذكيًّا، قوى الملاحظة والاستنباط، بصيرًا بمصالح العباد، صاحب مروءة، متحليًّا بالصبر والشفقة، عالمًا بالأحكام الشرعية كحفظه للقرآن، وأحاديث الأحكام، عالمًا بأصول الفقه، عارفًا بأقوال العلماء، واختلافهم.
وتابع المرصد أن الفتوى بغير علم حرام قطعًا، حيث ورد الوعيد الشديد لمن يتجرأ على الفتوى، حتى وإن قصد بذلك نيل الأجر، وتحصيل الثواب، وقد جاء في الخبر "أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار"، وانطلاقًا من أنَّ الإسلام دين أمن، وسلام، وتسامح، وليس دينَ إكراهٍ، وإرهاب، تكمن خطورة فتاوى التنظيمات المتطرفة في أنها تأخذ طابعًا شرعيًّا، ومرجعية مقدسة، ينخدع بها البسطاء من الناس، لكنها في ميزان الشرع سبب للإضلال، والتعدي بالضرر على النفس، والمجتمع، كتلك الفتاوى التي صدرت عن تلك التنظيمات الإرهابية بالقتل، والتفجير، والتعذيب، ومن المعلوم أنَّ أفراد تلك التنظيمات ليسوا علماء، ولا مشهورين بطلب العلم، فلم يدرسوا الأحكام الشرعية من منابعها الصحيحة، وهم كذلك مفتقدون لخطورة، ومسئولية الفتوى، وما يترتب عليها من ويلات، ومفاسد، وعلى ذلك فمرجعيتهم في إصدار فتاواهم هو المزاج، والهوى، حيث يصبُّ فيهما مفتوهم نار غضبهم تجاه الأفراد، والمؤسسات الوطنية، والدينية، ضاربين بعرض الحائط ما ورد في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، من خطورة الاقتراب من الفتوى بغير علم.
فالتنظيمات المتطرفة قد صدر منها الكثير من الفتاوى التي تحض على قتل الأنفس التي حرم الله قتلها، وهم في ذلك مخالفون للإسلام معتدون على الحرمات، ولقد بين سبحانه وتعالى في كتابه في أكثر من آية حرمة قتل النفس، ولقد ترتبت على هذه الفتاوى كثير من المفاسد، كإدخال المجتمع في دوامة من الفتن، والصراعات بين النسيج الوطني الواحد، ولنا أن نتساءل: ماذا جنى المسلمون من تلك التفجيرات التي حدثت هنا وهناك؟ للأسف كان من نتائجها ويلات؛ أُزهقت فيها الأرواح، ورُملت فيها النساء، ويُتِّم فيها الأطفال، وأحرقت بسببها المصانع، وأماكن التجارة، وترك الناس أوطانهم، مما ألحق الضرر على المجتمع كله، وكان سببًا في نكسته. ومعلوم أن هذه الفتاوى التي تصدر عن مثل هذه التنظيمات إنما هي وسيلة يدخل من خلالها تلك التنظيمات في الصراعات السياسية، ويجعلون من الدين جسرًا لتحقيق أجنداتهم السياسية، ولذلك فلا يهمهم ما يترتب على فتاواهم تلك من ضلال، ومفاسد، ولا يهمهم الحفاظ على أمن المجتمع، واستقراره، ويستغل أعداء الإسلام أفعال هؤلاء المتطرفين وما يفتون به من فتاوى القتل والتفجير، ليعلنوا أمام شعوبهم أنَّ هذا المسخ هو الإسلام الذي جاء به محمد، وأنه من الواجب مواجهته، ومن ثم يتسلطون على البلاد، ويتدخلون في شؤونها، ويسلبون خيراتها.
ويرى مرصد الأزهر أنَّه من الواجب على العلماء أن يبينوا للنَّاس خطورة الفتوى بغير علم، وأن فتاوى تنظيمات التطرف للأسف لن تحفظ للمجتمع أمنه، واستقراره، وأنَّه من الواجب على جميع المواطنين أن يغلقوا الباب أمام هؤلاء المتطرفين الجاهلين، وأن يتمتعوا بالثقة في المؤسسات الدينية الرسمية، فإنها أجدر من غيرها بحفظ الشريعة، وأسرارها، وتعليمها، وتبليغها.