حكم ارتداء الملابس المخيطة حال الإحرام بالحج أو العمرة؟، سؤال ورد للجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية، وجاء رد اللجنة كالآتى:
تفيد لجنة الفتوى بالآتي:
1- تقوم عبادة الحج على تعظيم المناسك، وإظهار الخضوع لله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
2- مناسك الحج من الشعائر التي لها خصوصية في الأداء.
3- تعمُّد فعل محظور من محظورات الإحرام؛ يُخِلُّ بقدسية المناسك المعظَّمة، ويُعدُّ مخالفة لمقصد الحج.
4- لا إثم على من ارتدى المخيط لعذر معتبر؛ كالمريض والذي به أذى مع وجوب الفدية، بخلاف من ارتداها عامدًا بغير عذر فهو آثم ومفرِّط في أداء النُّسُك على وجهه الصحيح، وتلزمه الفدية.
التفصيل:
أولًا: من المعلوم شرعًا أن عبادة الحج تقوم على تعظيم المناسك، وإظهار الخضوع لله تعالى؛ بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه؛ قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].
والشعائر : كُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ به في مناسك الحج. التحرير والتنوير (17/ 256)، وتعظيم الشعائر: توقيرها، وترك الاستهانة بها، ومن شعائر الحج المحافظة على النظام العام ، والذي يتمثل في الامتناع عن محظورات الإحرام ، وترك الترفه بلبس المخيط وترك الطيب وحلق الشعر وسائر محظورات الإحرام .
ولذا أكَّد النبي صلى الله عليه وسلم على أداء الحج على هذه الهيئة التي يجتمع عليها الحجاج؛ فقد روي عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قال: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : مَا الْحَاجُّ؟ قَالَ: " الشِّعِثُ التَّفِلُ" السنن الكبرى للبيهقي (4/ 540) والشعث : الذي تفرَّق شعره، والتفل: الذي لا يستعمل الطيب .
ثانيًا: مناسك الحج من الشعائر التي لها خصوصية في الأداء، فالحج عبادة لها نظام خاص؛ قال تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ } [الحج: 67] ، قال القرطبي: أي : "لَا يُنَازِعَنَّكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِيمَا يُشْرَعُ لِأُمَّتِكَ" تفسير القرطبي (12/ 93) .
ولذا وجب الامتثال على هذه الكيفية التي تتميز بها عبادة الحج عن غيرها كحظر ارتداء الملابس المخيطة أو المفصَّلة على هيئة البدن، والتي أكَّد عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله؛ فقد ثبت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَلْبَسُ القُمُصَ، وَلاَ العَمَائِمَ، وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ، وَلاَ البَرَانِسَ، وَلاَ الخِفَافَ إِلَّا أَحَدٌ لاَ يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلاَ تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ» صحيح البخاري (2/ 137 ).
ثالثًا: الناظر في النصوص الشرعية يراها قد تحدثت عن فعل محظورات الإحرام في حالة العذر ؛ كما في قوله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] وذلك لأن المسلم لا يتعمد فعل المحظور ؛ فليس لمن كان قادرًا على كفارة الجماع في نهار رمضان أن يخرق حُرمة الشهر مثلًا، وقد نبَّه الإمام النووي إلى خطورة فهم ضعاف العقول من العامة هذا الفهم؛ لما فيه من التجرؤ على حدود الله وأحكام شريعته، فقال: " رُبمَا ارْتكَبَ بعضُ العَامةِ شيئاً من هذه المُحرَّمات وقال: أنَا أفْتدِي مُتوهِّماَ أنهُ بالْتزِام الْفِدْية يَتَخَلَّصُ مِنْ وَبَال المعصية؛ وذلك خَطَأ صَريحٌ، وجَهْلٌ قَبيح؛ فإنَّهُ يحْرُمُ عليه الفعلُ، وإذَا خَالَفَ أَثمَ وَوَجَبَت الفِدْيةُ، وليست الْفِدْيةُ مُبيحَةَ للإقْدَام على فعل المُحرَّم، وجَهَالَةُ هذا الفاعل كَجَهالَة مَنْ يقُولُ: أنَا أشربُ الخمر وأزني والْحدُّ يُطَهرني، ومَنْ فَعَلَ شيئًا مما يُحْكَمُ بتَحْريمه فقد أخْرَجَ حَجهُ عن أنْ يكونَ مَبْروراً". الإيضاح في مناسك الحج والعمرة للنووي(ص: 188).
كما أن في تعمد فعل محظور من محظورات الإحرام كلبس المخيط دون عذر إخلال بقدسية المناسك المعظمة، ومخالفة لمقصد الحج؛ الذي هو إذابة الفوارق بين الناس واستشعار يوم البعث والظهور بحالة التذلل والمسكنة لله رب العالمين ، وهذه الحالة يباهي الله بها ملائكته ويقوله لهم " انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا ... " المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 636)
وكذا فيه مخالفة للسُّنة النبوية المشرفة؛ فقد ثبت عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ»، قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْلِقْ رَأْسَكَ، وَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوْ انْسُكْ بِشَاةٍ» صحيح البخاري (3/ 10).
كما أن المسلم إنما يحج بيت الله الحرام لمغفرة ذنوبه، وتحصيل المثوبة والأجر العظيم، وليس ليأثم بمخالفة أمر الشارع الحكيم، وسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم؛ ولذا نصّ الفقهاء على إثم مرتكب محظور من محظورات الإحرام عمدًا دون عذر معتبر، ومن ذلك قول الإمام القرطبي:
أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من حلق شعره وجزِّه وإتلافه بحلق أو نورة أو غير ذلك إلا في حالة العلة كما نص على ذلك القرآن-يقصد قوله تعالى: "فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية"- وأجمعوا على وجوب الفدية على من حلق وهو محرم بغير علة ، واختلفوا فيما يلزم من فعل ذلك ، أو لبس أو تطيب بغير عذر عامدا ، فقال مالك : بئس ما فعل وعليه الفدية..". الجامع لأحكام القرآن (2/ 384).
رابعًا: نصَّ الفقهاء على أن من حلق شعره أو لبس مخيطا قبل التحلل الأول؛ لعذر؛ لزمته فدية، مخيرة بين ثلاث خصال: إما صيام ثلاثة أيام ، وإما إطعام ستة مساكين لكل مسكين وجبتان ، وإما شاة، قال النووي في المجموع: "إذا احتاج إلى ستر رأسه، أو لبس المخيط لعذر كحر أو برد أو مداواة، أو احتاجت المرأة إلى ستر الوجه؛ جاز الستر ووجبت الفدية؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } [البقرة: 196].المجموع شرح المهذب (7/ 259)
ويدخل في هذا من ارتدى هذه الملابس لعذر كالطبيب وضابط الأمن فإنه لا إثم عليهم في ارتدائها مع وجوب الفدية. قال الحطاب: "وتأثير الضرورة عند وقوعها في رفع المأثم وجواز الفعل، لا في سقوط الفدية كما في لبس المخيط". مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل (4/ 210)
- أما من ارتداها عامدًا بغير عذر معتبر فهو آثم ومفرِّط في أداء النُّسك على وجهه الصحيح الذي أمر الله تعالى به في قوله سبحانه: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وعليه الفدية مخيرًا بين الخصال الثلاث وإن صحَّ حجه باكتمال أركانه وشروطه، لكنه يُخشي ألا يكون حجه مبرورا كما نصَّ عليه النووي.
على أن بعض الفقهاء كالحنفية قد ذهبوا إلى أن من أتي بمحظور من محظورات الإحرام متعمدًا دون عذر؛ فإنه يسقط تخييره في خِصال الفدية ولا يجزؤه في الفدية إلا الدم (ذبح شاه)، قال الإمام الكاساني: " فعليه دم لا يجزيه غيره؛ لأنه ارتفاق كامل من غير ضرورة .. ولأن الضرورة لها أثر في التخفيف فخير بين الأشياء الثلاثة تخفيفا وتيسيرا". بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 192)
وجدير بالذكر التنبيه على ما يلي :
1. بعد التحلل الأول – برمي جمرة العقبة يوم عيد الأضحى - يباح للحاج أن يلبس المخيط كما تباح سائر محظورات الإحرام سوى الجماع، فإن رمى وطاف أبيحت له كل محظورات الإحرام حتى الجماع .
2. هناك فرق بين إحرام الرجل وإحرام المرأة ، فالمرأة تحرم في ملابسها العادية بغير نقاب ولا قفازين ، أما الرجل فيحظر عليه ارتداء الملابس المفصلة على هيئة البدن من المخيط أو المحيط.