في إطار اهتمام مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء برصد وتحليل كل ما هو متعلق بالتقارير الدولية التي تتناول الشأن المصري أو تدخل في نطاق اهتماماته، سلط المركز الضوء على تقرير للبنك الدولي بعنوان "الثروة الخفية للأمم: اقتصاديات المياه الجوفية في أوقات تغير المناخ"، والذي يسلط الضوء على الدور الذي يمكن للمياه الجوفية أن تسهم من خلاله في حماية الأمن الغذائي وتعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل خاصة وأنها توفر نحو 49% من إجمالي المياه المسحوبة لأغراض الاستخدام المنزلي لسكان العالم، وحوالي 43% من إجمالي استخدام المياه لأغراض الري، مشيرًا إلى أنه في معظم الحالات، تعرض مورد المياه الجوفية للتقييم بأقل من قيمته الحقيقية والإفراط في استغلاله، دون إيلاء الاعتبار الكافي فيما يتعلق باستدامته على الأجل الطويل، الأمر الذي يرجع في شقٍ منه إلى عدم توافر بحوث منهجية حول الأهمية الاقتصادية لهذا المورد.
وأفاد التقرير أن المياه الجوفية تُعدّ بالغة الأهمية للنشاط الاقتصادي والنمو والأمن الغذائي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن التكيف مع الآثار الناجمة عن تغير المناخ. لكن استدامة هذا المورد الحيوي محاطة بالخطر في العديد من المناطق، كما أن المياه الجوفية هي أهمَ موارد من المياه العذبة - لاسيما في الأوقات التي يضرب فيها الجفاف، ومع ما يشهده تغير المناخ من تطورات، يتعين على واضعي السياسات رفع مستوى الإدراك والوعي بأهمية هذا المورد الحيوي وحُسن إدارته. وعليه فإن التقرير يبحث في القيمةَ الاقتصادية للمياه الجوفية، وتكاليف سوء استخدامها، والفرص المتاحة للاستفادة منها بشكل أكثر فعالية.
وأشار مركز المعلومات إلى أن تقرير البنك الدولي يقدم بيانات وأدلة وشواهد جديدة على أنه بالإمكان تعظيم حصاد المياه الجوفية حالياً أو مستقبلاً، إذا وُضعت سياسات صحيحة وتم تطبيقها، حيث تُعتبر المياه الجوفية هي آلية التأمين الخاصة بالطبيعة، حيث يمكنها درء ثلث الخسائر الناجمة عن موجات الجفاف في النمو الاقتصادي العالمي، مع ضمان عدم نفاد المياه في المدن في أثناء فترات الجفاف الممتد.
ذكر التقرير أن هذا المورد يكتسب أهمية خاصة بالنسبة للقطاع الزراعي، حيث يمكنه خفض ما يصل إلى نصف الخسائر الناجمة عن تقلبات هطول الأمطار في إنتاجية هذا القطاع. وهذا يعني بدوره توفير الحماية من سوء التغذية.
وعلى هذا النحو، يمكن استخدام هذا المورد في السعي لتحقيق الأهداف الإنمائية الجماعية. فعلى سبيل المثال، يمكن للمضخات التي تعمل بالطاقة الشمسية ويتوفر لها ضمانات وقائية كافية أن تزيد من الري باستخدام المياه الجوفية في أفريقيا جنوب الصحراء، وبالتالي الحد من الفقر وحماية المجتمعات المحلية من الصدمات المناخية.
لكن استنفاد منسوب المياه الجوفية وتدهور نوعيتها والمنافسة المتزايدة على هذا المورد يهدد استدامته. وهذا يعني أن المجتمعات يمكن أن تصبح أكثر عرضة للصدمات المناخية.
وأكد التقرير على أنه بالرغم من عدم كفاية استخدام المياه الجوفية في بعض البلدان، فإن بلدانا أخرى أصبحت تعتمد عليها اعتمادًا مفرطًا. وبالفعل، فإن ما يصل إلى 92% من مكامن المياه الجوفية العابرة للحدود في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا تُظهر مؤشرات على نضوب المياه الجوفية. وفي جنوب آسيا، وفرت المياه الجوفية ميزة في الإيرادات الزراعية تتراوح بين 10% و20%، لكن هذه المنافع آخذة في التراجع مع نضوب الموارد.
وعلى الجانب الآخر، لا يتم استخدام المياه الجوفية في أفريقيا جنوب الصحراء، حيث يعيش أكثر من 255 مليون شخص في المنطقة في فقرٍ بمناطق يمكن فيها التوسع في نطاق استخدام المياه الجوفية الضحلة. وعن طريق استخدام هذا المورد على نحو مسؤول - وتقديره على نحو ملائم - يمكن لهذه المنطقة تحسين غلاتها الزراعية والنهوض بالجوانب الإنمائية فيها.
وفي الوقت نفسه، يؤدي انخفاض تكلفة الطاقة الشمسية والتحرك المتسارع نحو الطاقة النظيفة بشكل عام إلى إتاحة الفرصة أمام واضعي السياسات للنظر في إدارة المياه الجوفية في سياساتهم ومؤسساتهم واستثماراتهم الخضراء.
ومع سهولة الحصول على تكنولوجيا الطاقة الشمسية بأسعار معقولة، يمكن أن يحدث توسعًا في استخدام المياه الجوفية في الري وإمدادات المياه، مما يزيد من مخاطر الإفراط في استغلالها.
وأشار المركز إلى أن إحدى الرسائل الرئيسة لتقرير البنك الدولي تتمثل في ضرورة قيام واضعي السياسات بإعطاء الأولوية للمياه الجوفية لضمان استخدامها بطريقة تعود بالنفع على المجتمع والاقتصاد والبيئة، فقد بات من الضروري اتخاذ إجراءات سياسية رفيعة المستوى لمواءمة التكاليف الخاصة والاجتماعية لاستخدام المياه الجوفية.