تكنولوجيا ما بعد الألفية الثالثة باتت في خدمة أساطير ما قبل التاريخ، ذاك إيجاز يتحدث عن سالف ما يعتبره الإخوان، معركتهم في حسم الفضاء الإلكتروني، كمحرك للشعوب وجرها للغضب والسخط على حكوماتهم ومؤسسات دولهم، كأهم وسائل وأدوات ما تسمى "القوة الناعمة" التى كانت قد اعتمدت عليها الولايات المتحدة الأمريكية في تنفيذ إستراتيجيتها الجديدة في الشرق الأوسط ولا تزال تستخدمها كبديل عن التدخل العسكرى المباشر.
تعددت أدواتها وكثرت خيوطها ومواقعها لدى الجماعة لدرجة أنها عرفت إصطلاحًا بـ "كتائب الإخوان الإلكترونية"، هي تلك المواقع التي عملت الجماعة على إنشائها، ومن ثم استخدامها في الترويج لأفكارها أو مهاجمة خصومها.
خيرت الشاطر يعد من أوائل قيادات الإخوان الذين عملوا على إيجاد كيان إلكتروني يتحدث بلسان الجماعة، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تعداه إلى محاولات الشاطر المستمرة لتطوير هذه الشبكة من المواقع الإلكترونية لتكون نوعًا جديدًا من أسلحة الجماعة ولكنها غير واضحة المعالم.
كتائب الإخوان الإلكترونية اعتمدت أساليب عدة في عملها بيد أن أبرزها على الإطلاق الإغتيال المعنوي للخصم، وإطلاق الشائعات التي تصب في صالح الجماعة، بحسب منشقين عن صفوفها.
خبراء الإتصالات أكدوا أن كتائب الإخوان الإلكترونية، نشطت بشكل واضح وكبير بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، حيث سمحت الجماعة لـ "كتائبها الإلكترونية" أن تتحرك في مساحات واسعة، محاولةً كسب جميع الأزمات التي يمر بها الإخوان عبر التأثير على الرأيين العامين الداخلي والدولي سواء بسواء.
كتائب الإخوان الإلكترونية، اعتمدت بشكل صريح على طبيعة وتركيبة الشخصية المصرية، التي تهول أية شائعة صغير و تضخمها إلى أن تصل لكارثة، ربما تؤدي لإيقاف الحياة في البلاد، على الرغم من عدم وجود جذور لها على أرض الواقع.
خيرت الشاطر صاحب النظرية التي تقول "لا داعي أن تدخل الجماعة في مواجهة صريحة مع معارضيها، بل أطلق الشائعات عليهم واتركها تأكلهم" طبق نظريته على أرض الواقع في جميع المعارك التي مرت بها الجماعة مستغلاً الفضاء الإلكتروني وشباب الإخوان المدرب على استخدامه.
الكتائب الإلكترونية للجماعة، يعود تاريخها الأول إلى آواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي، حيث كانت هناك رؤية لدى الإخوان تعتمد على استخدام الميديا واستغلال الصحف، وهو ما دفع الجماعة إلى سعيها لشراء بعض الصحف واستخدامها للتأثير على الرأى العام، حيث قاموا بشراء جريدة "النور" التابعة لحزب الأحرار، ثم صحيفة "الأسرة العربية" التي كانت تتبع حزب العمل وقتها، ثم تمكنت الجماعة من السيطرة على صحيفة "الشعب"، حيث استطاعت من خلالها توجيه الرأى العام في كثير من القضايا، واتهام بعض قيادات الدولة حينها بالفساد.
لم يتوقف الإخوان عند حد شراء الصحف، بل عملوا على شراء مساحات في عدد من صحف أخرى لا يملكونها، لنشر مقالاتهم التي تعكس أفكارهم، أما الفكرة التي أبتدعتها الجماعة، فكانت تعتمد بالأساس على استخدام بريد القراء في الصحف الكبرى كالأهرام والأخبار.
الإخوان وضعوا في ذلك الوقت استراتيجية قائمة على وجوب إرسال رسائل مرة في الأسبوع على الأقل إلى بريد القراء الخاص بالصحف القومية من أجل عرض مشكلات المجتمع بهدف تأليب الرأي العام على النظام في ذلك الحين.
القيادي المنشق عن الجماعة "ثروت الخرباوي" كشف عن وجود مجموعات مؤهلة لدى الإخوان تتولى مهمة إطلاق الشائعات، بينما يطلب من بقية أعضائها تفعيل البوستات والأخبار بالتعليقات والمشاركات من أجل ترويجها ونشرها، مشدداً على أنه بعد سقوط حكم الإخوان، أصيبت تلك الكتائب بحالة من الإرتباك، وبدأت في اتباع سياسة التحريض المباشر، وتوجيه التكليفات لشباب الإخوان في المحافظات.
الخرباوي أكد أيضاً أن الحكومات السابقة لم يكن لديها مانع من وجود مواقع علنية للإخوان مثل "إخوان أون لاين ونافذة مصر"، لتكون متنفسًا يمكن من خلالها إخراج شحنة الغضب الشعبي لدى رجل الشارع.
ومع تطور تكنولوجيا الإتصالات، وظهور مواقع التواصل الاجتماعي، صدرت أوامر من قيادات الإخوان، تقضي بإنشاء صفحات تحمل أسماءً وهمية بموقع "فيس بوك"، على أن يكون ظاهرها صفحات ليبرالية أو ناصرية أو حتى شيوعية، بيد أنها تتضمن كمًا من الأخبار المعادية للدولة والنظام حسب مفردات الخرباوي.
أما عن أبرز المعارك التي نشطت فيها كتائب الإخوان الإلكترونية فكانت تلك المتعلقة بترويج شائعات عن حدوث انقسامات وانشقاقات بين صفوف الجيش بعد عزل محمد مرسي وتولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الأمور، ثم إثارة أخرى متعلقة بصراع اتخاذ القرارات بين أجهزة الدولة، إضافة إلى العديد من الأحداث التي تصدرت الساحة المصرية، حيث لم تقتصر على الجانب السياسي فقط، بل شملت جميع الميادين والأصعدة على اختلاف أنواعها، ليكون الحل الأوحد أمام الحكومة لمواجهة تلك الكتائب الإلكترونية التي لا يظهر القائمون عليها على الملأ، هو امتلاك جهاز إعلامي ناجح يكشف جميع الحقائق للمواطنين حتى لا يكون مبتدى الأمر ومنتهاه بأيدي نشطاء الشبكة العنكبوتية هم لا غيرهم.