قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن الإحصائيات التى أجريت على أطفال الشوارع أثبتت أن ما لا يقل عن 90% منهم ضحايا أسر عبثت بها فوضى الزواج وفوضى الطلاق، وأن كل أنواع الجرائم الخلقية والاجتماعية التى يفرزها مجتمع أطفال الشوارع، إنما مرده إلى تعسف فى استعمال حق شرعى، أو فهم لنصف الحقيقة الشرعية، مع سوء فهم ردىء لنصفها الآخر، وهو ما أدى إلى ما يشبه حالة الانفصام بين فقه النص وفقه الواقع.
وأضاف خلال كلمته بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم تحت عنوان "التأهيل العلمى والإفتائى لأئمة المساجد للأقليات المسلمة"، بمشاركة وفود من حوالى 80 دولة، وحضر الجلسة الافتتاحية الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والمستشار حسام عبد الرحيم، وزير العدل، ووزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، بالإضافة إلى رئيس جامعة الأزهر الدكتور إبراهيم الهدهد، وجمع كبير من علماء الأزهر الشريف، والسيد محمود الشريف، نقيب الأشراف، والدكتور عبد الهادى القصبى، شيخ مشايخ الطرق الصوفية.
وقال شيخ الأزهر، إن السبب فى ذلك فيما أعتقد، ومن خلال تجارب واقعية عديدة هو حاجز الخوف بين أهل الفتوى من الفقهاء والعلماء، وبين الاجتهاد والنظر فى الحكم والدليل، بعد النظر فى محل الحكم، وما يعتوره من مصالح أو مفاسد، مشيرا إلى أنه من المؤلم جدا أن أسجل هنا أن علماءنا ومفتينا فى القرن الماضى كانوا أكثر شجاعة من علمائنا اليوم على اقتحام قضايا وأحكام مست حاجة الناس إلى تجديدها والاجتهاد فيها فى ذلكم الوقت.
وقدم شيخ الأزهر مثلا قائلا: "اجتهاد علمائنا فى أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد يقع طلقة واحدة، رغم أننا نجد شبه إجماع من علماء الأمة على خلافه، وأن القاضى عبد الوهاب المالكى يراه قولا من أقوال المبتدعة، ويقـول عنـه ابن عبد البر: «إنه ليس من أقوال أهل العلم» إلا أن علماء الأزهر لم يتحرجوا فى ذلكم الوقت من اقتحام هذه المشكلة، ومن الخروج بفتوى رسمية خالفوا فيها المذاهب السائدة على الساحة، ولم يعدم العلماء أن يجدوا لفتواهم سندا من التراث الفقهى، فأفتوا بأن هذه الصيغة تقع بها طلقة واحدة.
وقد حدث هذا الاجتهاد عام 1929م، فى القرن الماضى، ودخل كنص قانون فى قوانين الأحوال الشخصية، ودار الإفتاء المصرية التى استقرت فتواها على هــذا الرأى منذ تسـعين عاما تقريبا، تتردد اليوم –هى ومجمع البحوث الإسلامية-فى اقتحام قضايا أكثر خطرا فى حياة الأسرة من قضية الطلاق الثلاث بلفظ واحد، ويمنعها ويمنع أغلب علماء الأمة حاجز الخوف الذى تحدثنا عنه، والإبقاء على باب الاجتهاد موصدا أمام المهمومين بآلام هذه الأمة، مما يؤدي، أو كاد يؤدى إلى انسحاب الشريعة من واقع الناس ومجتمعاتهم، والانزواء بها فى دوائر البحث والدرس.
وأشار الدكتور أحمد الطيب، إلى أن بعض فضلاء المعاصرين فطنوا، إلى أن إحجام الفقهاء عن الاجتهاد سيترك المجتمعات الإسلامية «للآخر» يملؤها بما يشاء، وهو: «لون من الوقوع فى فصل الدين عن الحياة، أو فصل الحياة عن الدين، الذى نتنكر له كشعار، ثم نمارسه كواقع".