قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن ظاهرة فوضى تعدد الزواج، وفوضى الطلاق أيضا، وما ينشأ عن هذه الظاهرة من عنت يلحق بزوجة أو أكثر، وتشريد يدمر حياة الأطفال، وضياع يسلمهم إلى التمرد والإجرام.
وأضاف خلال كلمته بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم تحت عنوان "التأهيل العلمى والإفتائى لأئمة المساجد للأقليات المسلمة"، بمشاركة وفود من حوالى 80 دولة: "أبادر بالقول بأننى لا أدعو إلى تشريعات تلغى حق التعدد، بل أرفض أى تشريع يصدم أو يهدم تشريعات القرآن الكريم أو السنة المطهرة، أو يمسهما من قريب أو بعيد؛ وذلك كى أقطع الطريق على المزايدين والمتصيدين كلمة هنا أو هناك، يقطعونها عن سياقها؛ ليتربحوا بها ويتكسبوا من ورائها" متسائلا: "ما الذى يحمل المسلم الفقير المعوز على أن يتزوج بثانية -مثلا- ويترك الأولى بأولادها وبناتها تعانى الفقر والضياع، ولا يجد فى صدره حرجا يرده عن التعسف فى استعمال هذا الحق الشرعى، والخروج به عن مقاصده ومآلاته؟".
والإجابة فى نظرى: "إن الدعوة إلى شريعة الإسلام فى هذه القضية لم تصل لهؤلاء على وجهها الصحيح، وأن الفتاوى –فى هذه القضية- تراكمت على المشروط الذى هو إباحة التعدد، وسكتت عن شرط التعدد، وهو: العدل وعدم لحوق الضرر بالزوجة، ومعلوم أن عدم الشرط يستلزم عدد المشروط لأن الشرط هو الذى يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، نعم لقد ترسخ هذا الفهم حتى باتت العامة تتصور أن التعدد حق مباح بدون قيد ولا شرط، وترسخ فى وجدانها أنه لا مسئولية شرعية تقف فى طريق رغباتها ونزواتها، ما دامت فى الحلال كما يقولون".
وتابع الإمام الأكبر: "إن أحكام الشريعة التى تعلمناها، ولا نزال نتعلمها، من كتب الفقه فى أول باب النكاح، تقرر أن الزواج تعتريه الأحكام الخمسة، ومنها الكراهة والحرمة، وأن الأحناف يحرمون الزواج إن تيقن الزوج أنه سيجور على زوجته، لأن حكمة الزواج فى الإسلام أنه إنما شرع لتحقيق مصلحة؛ هى تحصين النفس، وتحصيل الثواب بجلب الولد الذى يعبد الله، فإذا خالط ذلك ظلم أو جور أو ضرر، أثم الزوج وارتكب محرما، ويخضع وقتئذ لقاعدة: دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
ومع أن الجميع متفق على وجوب الزواج عند خوف الوقوع فى الزنى، إلا أنهم يشترطون معه عدم الخوف من الضرر، حتى قال الحنفية: إن تعارض خوف الوقوع فى الزنى لو لم يتزوج، وخوف الجور وإلحاق الضرر بالزوجة؛ قدم خوف الضرر، وحرم الزواج، قالوا: «لأن الجور معصية متعلقة بالعباد، والمنع من الزنى حق من حقوق الله تعالى، وحق العبد مقدم عند التعارض، لاحتياج العبد، وغنى المولى سبحانه وتعالى»، والشىء نفسه نجده فى فقه المالكية والشافعية.
والدرس المستفاد هنا -فيما أفهم– أن الجور على الزوجة جريمة تفوق جريمة الزنى، وأن الزنى ضرر أصغر بالقياس إلى ظلم الزوجة الذى هو ضرر أكبر. وهذا فى الزواج لأول مرة، ومع الزوجة الواحدة، فكيف بالزواج الثانى والثالث مع خوف الجور، بل مع نية الجور وتعمده وقصد الإضرار بالزوجة الأولى؟
وأضاف: "ولعل قائل يقول: إذا وقع الضرر على الزوجة فمن حقها طلب الطلاق، فإن تعسف الزوج خالعته، فاترك الزوج ينتقل بين من يهوى ويريد، واترك الزوجة: إما أن ترضى، وإما أن تخالع".
وإجابتى: "أن هذا القول يجمع على الزوجة ضررين: ضرر الهجر، وضرر الاضطرار بالتضحية بكل حقوقها كما هو حكم الخلع، وفى الوقت نفسه يجمع للزوج منفعتين: تمكينه من تحصيل رغبته التى أمره الشرع بتهذيبها، وأخذ حقوق الزوجة التى اضطرها الجور إلى التنازل عنها.
ولعل هذا هو السبب فى أنك لا تجد فى كلام الفقهاء فى هذه المسألة إشارة من قريب أو بعيد إلى إباحة الزواج مع خوف الجور، ومع تخيير الزوجة بعد ذلك بين الرضا أو الانخلاع، وإنما ترد عباراتهم على مورد واحد هو: تحمل المسئولية الأخلاقية تجاه الشريك قبل البدء فى مشوار هذه الشراكة، انطلاقا من أن الزواج حقوق قبل أن يكون نزوة أو رغبة عارضة، وأنه مسئولية كبرى عبر عنها القرآن الكريم بالميثاق الغليظ فى قوله تعالى: ﴿وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا﴾ [النساء: 21]، وأنه لم يشرع أبدا لمكايدة العشير، وأن تشريعات الزواج إنما فرضت لمصلحة الأسرة والمجتمع معا.
حضر الجلسة الافتتاحية الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، والمستشار حسام عبد الرحيم، وزير العدل، ووزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، بالإضافة إلى رئيس جامعة الأزهر الدكتور إبراهيم الهدهد، وجمع كبير من علماء الأزهر الشريف، والسيد محمود الشريف، نقيب الأشراف، والدكتور عبد الهادى القصبى، شيخ مشايخ الطرق الصوفية.