صاحب الصوت الذي يمس قلبك، ويسكن روحك، من نقائه وعذوبته، الصوت الذي ارتبطنا به قبل الأفطار في شهر رمضان الكريم، كأنة صوت أرسل من السماء، أو أوتي مزمار من مزامير "أل داوود" عليهم السلام ، "الصوت البكاء" هكذا لقب ملك القلوب الخاشعة الشيخ محمد صديق المنشاوي .
وينشر "انفراد" أبرز المحطات في حياة الشيخ محمد صديق المنشاوي الذي يصادف اليوم ذكرى ميلاده، وتوفي في سن صغيرة وهي ما دون الخمسين :
"الاذاعة المصرية" ورفضه التسجيل لها
كان صيته وشهرته وحسن قراءته وتلاوته، حديث الناس في مصر ولما علم المسؤلون بالإذاعة بتلك الموهبة أرسلوا إليه يطلبون منه أن يتقدم بطلب للإذاعة ليعقد له اختبار فإن اجتازه يعتمد مقرئاً بها فرفض الشيخ هذا المطلب وقال: لا أريد القراءة بالإذاعة فلست في حاجة إلى شهرتها ولا أقبل أن يعقد لي هذا الامتحان أبداً... فما كان من مدير الإذاعة في ذلك الوقت إلا أن أمر بأن تنتقل الإذاعة إلى حيث يقرأ الشيخ محمد صديق المنشاوي وبالفعل فوجئ الشيخ وكان يحي حفلاً رمضانياً في قرية إسنا بدار أحد الأثرياء لعائلة حزين بأن الإذاعة أرسلت مندوبها لتسجل قراءته وتلاوته وفي ذات الوقت كانت مجموعة أخرى من الإذاعة قد ذهبت لتسجل قراءة أبيه الشيخ صديق المنشاوي والذي كان يقرأ بقرية العسيرات بمحافظة سوهاج في بيت الحاج أحمد أبو رحاب وكانت تلك التسجيلات من جانب الإذاعة لتقييم صوتيهما فكانت تلك أول حادثة في تاريخ الإذاعة أن تنتقل بمعداتها والعاملين بها ومهندسيها للتسجيل لأحد المقرئين وفعلاً كتبت إحدى المجلات عن هذه الواقعة.
تدخل احد المقربين من الشيخ محمد صديق وكان ضابطاً كبيراً برتبة اللواء وهو عبد الفتاح الباشا، في الأمر موضحاً للشيخ محمد أن هذا الرفض ليس له أي مبرر و لا يليق به خاصة وأن الإذاعة قد أرسلت إليه مهندسيها وفنييها لتسجل له بعد رفضه، وطالما أن المسؤلين قد أعطوه قدره وأنصفوه فليس هناك أي مبرر للرفض ولا بد أن يحسن معاملة المسؤلين كما أحسنوا معاملته، وبعد إلحاح شديد ذهب الشيخ محمد صديق المنشاوي للإذاعة واستكمل تسجيلاته وظل قارئاً بالإذاعة منذ ذلك إلى أن توفاه الله، أما والده فقال: يكفي الإذاعة المصرية من عائلة المنشاوي ولدي محمد .
إشاعة صوته الضعيف
هي بالفعل كانت إشاعة ونكاية وحقداً من أحد المقرئين وروى عن بعض المخلصين من المقرئين عن واقعة أثبتت عكس ما أشيع عنه، حيث دعي الشيخ محمد لأحياء سهرة بمحافظة المنيا ودعي معه مقريء آخر وكان الحضور كثيرين جداً قد يزيد عددهم عن العشرة الآلاف جاءوا جميعاً ليستمعوا على القرآن بصوت الشيخ محمد فلما أحس ذلك المقريء بشغف الناس ومطالبتهم صاحب الدعوة بتعجل الشيخ محمد صديق بالتلاوة فما كان منه إلا أن أوصى عامل الميكرفون بافتعال عطل فني في الميكرفون وأطلق بين الناس شائعة أن صوت الشيخ محمد ضعيف جداً ولولا الميكرفون ما كان له هذا الصيت، وعندما بدأ الشيخ محمد صديق يستعد للقراءة فوجيء بعامل الميكرفون يخبره بوجود عطل فني بالميكرفون يتعذر إصلاحه في حينه فاستشعر الشيخ محمد صديق بأن هناك مؤامرة لإحراجه وسط هذا الجمع الغفير فما كان منه إلا أن استعاذ من الشيطان الرجيم وأخذ يقرأ بين الناس ماشياً على قدميه تاركاً دكة القراءة والناس تتجاوب معه حتى أبهر الناس بقوة صوته فانخسأ هذا المقريء الحاقد تاركاً الحفل للشيخ محمد صديق المنشاوي الذي أحياه على تلك الحالة حتى ساعة متأخرة ولم يتسنى معرفة اسم المقرء الذي فعل مع المنشاوي هذا الفعل المشين .
موقف طريف بينة وبين رجل المسيحي
وكان الشيخ محمد شديد التواضع وكان كثيراً ما يتحرر من عمامته ويرتدي جلباباً أبيض وطاقية بيضاء ويجلس أمام باب بيته فكان بعض الناس يعتقدون أنه بواب العمارة وخاصة وأن بشرته قمحية ولكن ذلك لم يكن يضايقه، وذات مرة اقترب منه أحد الأخوة المسيحيين وكان جاراً لهم في المسكن فلما اقترب من الشيخ محمد صديق لم يعرفه وقال له "لو سمحت يا عم ما تعرفش الشيخ محمد صديق المنشاوي موجود في شقته ولا لأ" ، فنظر إليه الشيخ محمد قائلاً له "حاضر يا بني انتظر لما أشوفو لك" ، وبالفعل تركه الشيخ محمد صديق وصعد إلى شقته وارتدى العمة والجلباب والنظارة ثم نزل إليه وسلم عليه هذا الذي سأل عنه منذ لحظات ولم يقل له الشيخ عندما سأله أنه هو من يسأل عنه حتى لا يسبب له حرجاً لعدم معرفته به وهو صاحب الصيت والشهرة في العالم العربي وقضى لذلك الرجل مسألته .
تعرض تسجيلاته للأهمال من قبل الاذاعة المصرية
لقد سجل الشيخ محمد صديق القرآن بصوته مجوداً للإذاعة ينقصه خمس ساعات تقريباً ولكن للأسف الشديد فإن المسؤلون في الإذاعة لا يهتمون بتسجيلات المقرئين وفي عام 1980م ذهب بعض اقاربة للإذاعة ووجدوا أن الشرائط المسجل عليها القرآن بصوت الشيخ محمد صديق تم تسجيل برامج أخرى عليها، مثل ما يطلبه المستمعون أو خطاب الرئيس عبد الناصر وللأسف لم ينتبهوا الى هذا الإهمال إلا عندما ذهبوا إلى الإذاعة للحصول على نسخة من القرآن بصوته مجوداً، أما فيما يتعلق بالقرآن المرتل فقد سجله للإذاعة كاملاً وحصلنا على نسخة منه .
دهشتة من خشوع الشعب الاندونيسي للقرءان
وقال أنة لم يرى استقبالاً لأهل القرآن أعظم من استقبال الشعب الإندونيسي الذي يعشق القرآن بل ويستمع إليه في إنصات شديد ويظل هذا الشعب واقفاً يبكي طوال قراءة القرآن مما أبكاني من هذا الإجلال الحقيقي من الشعب الإندونيسي المسلم وتبجيله لكتاب الله .
رفضه للقراءة أمام جمال عبد الناصر
وجه أحد الوزراء دعوة إلى الشيخ محمد المنشاوي قائلاً له: "سيكون لك الشرف الكبير بحضورك حفل يحضره الرئيس عبد الناصر"
فرد الشيخ محمد صديق وفاجأه بقوله "ولماذا لا يكون هذا الشرف لعبد الناصر نفسه أن يستمع إلى القرآن بصوت محمد صديق المنشاوي؟ "
ورفض الشيخ أن يلبي الدعوة قائلاً "لقد أخطأ عبد الناصر حين أرسل إلي أسوأ رسله"
محاولة قتله
قيل ان محاولة قتلة كانت بسبب نبوغه المبكر في تلاوة القرأن و لقد حكى هذه الواقعة بنفسه،
فقد جلس يحكي لجده الشيخ صديق المنشاوي أنه كان مدعواً في إحدى السهرات القرأنية عام 1963م وبعد الانتهاء من السهرة دعاه صاحبها لتناول الطعام مع أهل بيته على سبيل البركة، ولكنه رفض فأرسل صاحب إليه بعضاً من أهله يلحون عليه فوافق وقبل أن يبدأ في تناول ما قدم إليه من طعام أقترب منه الطباخ وهو يرتجف من شدة الخوف، وهمس في إذنه قائلاً: يا شيخ محمد سأطلعك على أمر خطير وأرجوا ألا تفضح أمري فينقطع عيشي في هذا البيت فسأله عما به، فقال: أوصاني أحد الأشخاص بأن أضع لك السم في طعامك فوضعته في طبق سيقدم إليك بعد قليل فلا تقترب من هذا الطبق أو تأكل منه، وقد استيقظ ضميري وجئت لأحذرك لأني لا أستطيع عدم تقديمه إليك فأصحاب السهرة أوصوني بتقديمه إليك خصيصاً تكريماً لك، وهم لا يعلمون ما فيه ولكن "فلان" ،ولم يذكر الشيخ محمد صديق المنشاوي اسمه أمام الحاضرين، أعطاني مبلغاً من المال لأدس لك السم في هذا الطبق دون علم أصحاب السهرة ففعلت فأرجوا ألا تبوح بذلك فينفضح أمري، ولما تم وضع الطبق المنقوع في السم عرفه الشيخ كما وصفه له الطباخ وادعى الشيخ ببعض الإعياء أمام أصحاب الدعوة ولكنهم أقسموا عليه فأخذ كسرة خبز كانت أمامه قائلاً: هذا يبر يمينكم ثم تركهم وانصرف .
يذكر أن الشيخ محمد صديق المنشاوي كان على رأس قراء مصر في حقبة الخمسينيات من القرن الماضي مع القراء امثال الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وغيرهم من القراء وما زالوا إلى يومنا هذا على رأس القراء لما كان عندهم من رونق في صوتهم جعلهم يحرزون المراتب الأولى بين القراء، وقال عنه قال عنه إمام الدعاة الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي: "إنه ورفاقه الأربعة مقرئون، الآخرون يركبون مركبًا ويبحرون في بحر القرآن الكريم، ولن يتوقف هذا المركب عن الإبحار حتي يرث الله -سبحانه وتعالى- الأرض ومن عليها "