عندما وطأت قدمى عتبات منزله انتابتنى حالة من الطمأنينة والشعور بالأمان والسكينة ، ولم لا وانا فى معية درة من الرجال الذين جاد بهم الأزهر الشريف وأمام عامل اشتهر بالعلم الوفير والعمل الدءوب تشهد له على ذلك مؤلفاته ومصنفاته الكثيرة فى علوم الفقه والحديث والتفسير وفتاواه العديدة ، بالاضافة الى ولعه بالشعر الذى وظفه فى مدح رسول الله (ص ) واله الكرام حتى استحق أن يدعى شاعر الرسول ( ص) فشعره ملحمة في مديح النبي وصحبه الكرام، فما كتبه يعد سيرة ذاتية لحياة النبي منذ ولادته، فرضاعته، وكفالته بعد يتمه، ثم عذاباته مع قومه، وهجرته وهجرة أصحابه، كما نظم في التوسل والأدعية، وكتب عن الرق، وعن مفهوم الحرب في الإسلام ، تميل لغته إلى المباشرة وخياله قريب حيث التزم النهج القديم في بناء قصائده
انه الشيخ الجليل محمد خليل الخطيب والمشهور بقرى الصعيد بالامام " النيدى " نسبة الى محل مولده قرية " نيده " بمركز اخميم والتى تشهد كل عام مولد كبير لاحياء ذكراه ورغم وفاته منذ امد طويل الا منزله بمدينة طنطا مازال مقصدا للجميع وللمستضعفين الذين يلجؤن اليه لنيل مزيد من العطايا وبركات الشيخ المتعددة
استقبلنى بحفاوه بالغه ابنه الأكبر " أحمد " مستشار سابق بوزارة الثقافه والذى بدأ حديثه معنا بقوله : والدى رحمه الله ولد بقرية " نيده " احدى قرى مركز اخميم بالصعيد ونشأ فى جو من التدين وحفظ القران الكريم صغيرا وقال شعرا مبكرا ، نشأ والدى رضى الله عنه نشأة طيبه مباركه،فقد عزم والداه على تربيته تربيه دينيه ليكون داعيا إلى الله عز وجل وسمياه محمداًتيمناً بإسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وفى ذلك يقول شيخنا الخطيب " إنى لحبك قد دعيت محمدا وكذا دعوت محمداً أولادى " وكان والده يغرس فيه محبه النبى صلى الله عليه وسلم منذ صغره ، حتى نمت وترعرعت وأثمرت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما كان يروى له السيرة النبويه العطرة بإسلوب مؤثر حتى أشربها قلبه فعملت فيه عملها حتى فاضت على لسانه نظماً ونثراً بعد ذلك
ويقول نجله : وكم سمعت من والدى غفر الله له السيرة المحمدية بإسلوب مؤثر فغرس حبه صلى الله عليه وسلم فى قلبى ونماه، وهو أرجى عمل ألقى به الله ،وقد حملنى ذلك الحب الكريم لصاحب الخلق العظيم على أن أقف شعرى عليه وعلى ما يقربنى منه"هذا، ومدرسته رحمه الله مبنية على ثلاث ركائز هى العلم والعمل به بإخلاص، والركيزة الثانية هى الذكر فهو ركن قوى من أركان الطريق إلى الله تعالى وأسرع فى الفتح ، أما الركيزة الثالثة وهى الاقتداء بسيد الانبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آل بيته وصحابته الأبرار ، وكان من أشعارة فى هذة الركائز الثلاث التى بها قوام الطريق إلى الله
تعلم فى معهد اسيوط الدينى وحصل على العالمية من الازهر ثم تخصص اللغه العربية وعين مدرسا بمعهد الاحمدى بطنطا فمدرسا بكلية الدعوة وقت افتتاحها ومكث فى مدينة طنطا حتى مماته ليكون قريبا من شيخ العرب سيدى احمد البدوى و صنف مايزيد على سبعين كتابا فى العلوم الاسلامية والادب.
علاقته بالسادات
ويواصل الابن الحديث قائلا : كان الرئيس السادات يتفاءل كثيرا برؤية والدى رحمه الله فى مسجد السيد البدوى وكان كلما زار طنطا اصر على ان يزوره وان يطلب منه الدعاء والبركه وفى احدى الزيارات طلب الرئيس السادات منه ان يدعو له قأخبره الشيخ " أن الله سينصره على المتأمرين عليه ممن حوله وسينصره ايضا على أعدائه من الصهاينة وسيعينه الله على استرداد الارض المحتله
وتابع : كان الشيخ الخطيب يرى أشياء فى منامه ويبلغها للدكتور محمود جامع لتوصيلها للرئيس السادات " بحكم قرب وعلاقة جامع من السادات " وكانت رؤياه تصدق دائما لانه من رجال الله المخلصين وكان السادات قبل اقدامه على اى قرار مصيرى خطير كان يزور سيدى البدوى والشيخ الخطيب تبركا ولا أنسى يوم ان ذهب السادات يصلى فى مسجد سيدى البدوى وقد كان السادات يحب دائما أن يجلس عند النصف الأخير من المصلين وأن يستند بظهره الى الحائط وبينما خطيب الجمعه يستعد لألقاء خطبته لاحظ الشيخ الخطيب ان بعض رجال الحرس يعطون ظهورهم للقبلة بينما عيونهم على الرئيس فاستشاط الشيخ الخطيب غضبا وطلب اخراجهم من المسجد وكاد يضربهم بعصاه وطلب منهم الجلوس للصلاة وكادت تحدث مشكلة كبرى وكانت الصلاة مذاعه على الهواء مباشرة لولا أن تدخل السادات وأشار الى الحرس أن يطيعوا الشيخ الخطيب وبالفعل ذهب بعضهم وتوضأ وصلى مع الرئيس
وفى كتاب " عرفت السادات " ذكر مؤلف الكتاب الدكتور محمود جامع " كان الرئيس السادات يتفاءل كثيرا برؤية الامام الشيخ محمد خليل الخطيب ويعلق صورة الامام فى منزله تبركا وحبا واحتراما وكان رحمه الله لا يخشى فى الله لومة لائم وكان يرى الرسول " ص " كثيرا رؤيا يقظة ويخبرنا بما رأه وكنا نصدقه لانه من اولياء الله الصالحين فعلا وقولا حذر الامام الخطيب الرئيس السادات من مراكز القوى وبشره بانتصاره على الصهاينة وتحققت نبوءة الشيخ عندما تخلص السادات من مراكز القوى ثم نصره الله على الصهاينة عام 1973 ".
علاقته بالشعراوى
وذكر الدكتور محمود جامع فى كتابه الاخر " وعرفت الشعراوى " ان الشيخ الشعراوى كان من المقربين للشيخ الخطيب وكان كثيرا ما يصطحبنى " والكلام على لسان د جامع " فى زيارة الشيخ الخطيب وكنا نرى فى اجتماعهما العجب العجاب وكل الحب والمودة والاحترام والحنان وكان يعرف عن الشيخ الخطيب بانه رجل صالح من اهل الكشف وكانت له فيوضات غريبة كنت اشاهدها بنفسى وكان من شدة حبه لرسول الله " ص " انه كان يتمثل بكل طبائعه وكان يحافظ تماما على سنته ويحاول المسير دائما على نهجه فى كل حركاته وسكناته وكان حافظا لسنته داعيا لها " وكنت عندما ازوره مع فضيلة الشيخ الشعراوى وتكون الصحبة الكريمة الكبيرة من الاحباب كان يأمرنى ان انشد قصيدة من ديوانه المطبوع وهى فصيدة " أمير الانبياء لزمت بابك " حتى انه اطلق عليه شاعر الرسول فى جميع انحاء العالم من محبيه ومريديه وعارفى فضله الذين كانوا يزورونه على الدوام فى بيته المفتوح الليل والنهار ".
الشيخ والتصوف
ويتابع الابن حديثه قائلا : لوالدى مدرسة كبرى في التصوف أعادت لنا الصورة المضيئة النقية لما كان عليه المسلمون الأوائل أركانها : العلم والذكر والقدوة الحسنة- يسير عليها الآلاف من تلامذته المخلصين وما زالوا ينقلونها إلى كل مكان فكان غفر الله لنا وله مقتفياً آثار النبي وأصحابه الكرام لا يخرج عما كانوا عليه، وقصده إحياء سنته وإقامة طريقته وتوضيح منهجه، الله غايته ووجهته، والقرآن الكريم والسنة النبوية زاده وعدته، ومحبته للنبي هي روحه وسر قوته .
الشيخ والكرامات
ويؤكد الابن ان كرامات الشيخ في كل يوم مئات بل مع كل نفس للإمام الراحل كرامة ولن أتعرض هنا للحديث عنها فهي أمور عادية جداً لشيخنا الإمام ومن كثرتها واعتيادنا عليها كنا لا نلتفت إليها؛ وهذه هي رغبة الشيخ حتى تخيلنا أنه لا يعتقد فيها ولم يكن هناك أحد يجرؤ على التحدث عنها في مجلسه فهو يفصل تماماً بين حياته الخاصة مع ربه وحياته بين الناس كعلم من أعلام الشريعة يقف عند نصوصها ويسير مع روحها فلا يتجاوز ذلك ولو كلفه حياته.
مجاهدا فى سبيل الله
وقال الدكتور احمد عبد السلام ابو الفضل استاذ اللغة العربية بكلية التربية جامعة المنصورة فى تحقيق كتاب الشيخ الخطيب " الطريق الى الله " الطبعه الخامسة عام 2007 " هكذا كان شيخنا رضى الله عنه وهكذا عاش حياته مستقيما على منهج الله ظاهرا وباطنا قولا وفعلا ملتزما التزاما كاملا بسنة سيد المرسلين مجاهدا فى سبيل الله يدعو اليه ببصيرة صادقة واخلاص تام وفناء منقطع النظير متخلقا بالفضائل الدينية والاخلاق النبوية المحمدية عالى الهمه متواضعا شهما شامخا متسامحا متقللا من الدنيا وزخرفها زاهدا فى مباهجها وزينتها فكم عرضت عليه الدرجات والترقيات فرفضها بل كان يحيلها الى غيره من اخوانه وزملائه كما هو مشهور عنه حتى انه رفض مشيخة الازهر لتفرغه فى الدعوة حيث عرض عليه المنصب مرتين من قبل الرئيس السادات رحمه الله الذى كان محبا للشيخ حبا جما يقدره ويجله ويزوره ويستشيره ويعمل برأيه فقد كان للشيخ معه كرامات "
رفض الامام الخطيب كل عروض العمل التى عرضت عليه من الهند وباكستان والسعودية وغير ذلك من البلدان ولم يغادر مصر الا لتأدية فريضة الحج وانتقل الامام الخطيب الى رحمة ربه فى 22 فبراير عام 1986 ودفن بضريحه الموجود بمسجد المحافظة بمدينة طنطا.
نبذه مختصرة عن الشاعر
محمد خليل محمد الخطيب النيدي
ولد في قرية نيدة (التابعة لمركز أخميم - محافظة سوهاج - بصعيد مصر)، وتوفي في مدينة طنطا (دلتا مصر)
حفظ القرآن الكريم في طفولته، ثم التحق بمعهد أسيوط الديني فحصل على الشهادة الابتدائية عام 1924، وعلى الثانوية الأزهرية عام 1928، ثم قصد الأزهر بالقاهرة وحصل على شهادة العالمية (1933) فشهادة التخصص عام 1936.
عمل مدرسًا بمعهد طنطا الديني عام 1936.
أسّس الطريقة الخطيبية الشاذلية الصوفية.
تعددت نشاطاته: فمن الخطابة إلى التدريس بمسجده الشهير في مدينة طنطا إلى جانب عكوفه على طلب العلم وتعليمه.
الإنتاج الشعري
له عدد من الدواوين منها: «رباعيات الخطيب»، «لامية الخطيب في الوعظ والحكم وشرحها»، «تشطير الخطيب النيدي للامية ابن الوردي وشرحها»، «روضات الخطيب»، «بشرى العاشقين» (قصيدة مطولة على بحر البردة الشهيرة وقافيتها)، «ديوان الخطيب» (ويقع في خمسة أجزاء)، «النظم البديع الأسنى لأسماء الله لحسنى» (قصيدة مطولة)، «النظم المقبول لأسماء الرسول».
الأعمال الأخرى.
- له عدد من المؤلفات والشروح والمنظومات، منها: «غاية المطالب في شرح ديوان أبي طالب»، «ديوان أبي الفتح البستي وشرحه»، «مدرسة الشعراء»، «ألفية الخطيب في فن الصرف»، «شرح وترتيب حكم ابن عطاء الله»، «تفسير الخطيب للقرآن الكريم».