بدأ الاقتصاد المصرى فى استعادة توازنه مرة أخرى بعد صدمة الصعود القوى للدولار وانفلات التضخم منذ منتصف عام 2016، وقفز التضخم على أثر ذلك ليصل لمستويات قياسية بلغت 30% الشهر الماضى إلا أن الإدارة النقدية بالبنك المركزى وبرنامج الإصلاح الاقتصادى الذى يدعمه الرئيس عبد الفتاح السيسى شخصيا بدأت فى إظهار قدرا من التوازن خصوصا المالى فى الاقتصاد القومى.
وبدأت الحكومة فى إعادة هندسة الاقتصاد وأخذت بعض القرارات الصعبة ومنها التعويم وتخفيض الدعم ونتج عن ذلك ارتفاع الدولار إلى 20 جنيها واستطاعت الإدارة النقدية ضبط الأوضاع طبقا للمعطيات المتاحة فكانت النتيجة انضباط الموازين.
كما لجأت الحكومة للاقتراض لزيادة الاحتياطى مما دعم الثقة فى الاقتصاد المصرى خصوصا من المؤسسات الدولية، وتم رفع التصنيف الائتمانى لها ومن ثم قدرتها على تسويق سندات دولارية فى الأسواق العالمية وهذا يعنى الكثير، منها القدرة على استبدال الديون وقت استحقاقها مما يزيد الثقة فى الاقتصاد المصرى بجانب عوامل أخرى مما نتج عنه تدفق استثمارات الأجانب سواء فى الدين العام أو الاستثمار غير المباشر فى البورصة ولذلك كانت النتيجة الحتمية هى تراجع الدولار بصورة كبيرة أمام الجنيه ليكسر مستوى 16 ويفقد 20% من قيمته ويكسر صنم الدولار الذى كان لا يتراجع أمام الجنيه أبدا.
وهنا نقف ونتساءل بعيدا عن الفرحة والزهو ماذا ينتظرنا فى المستقبل هل يواصل الدولار التراجع أم يعاود الصعود؟ وما هو المطلوب حتى ينجح برنامج الإصلاح الاقتصادى؟
وقال محمد الدشناوى خبير سوق المال إنه للإجابة على هذه التساؤلات فإنه يجب أن نعرف أنه: أولا: بتراجع الدولار أصبح الآن سعر الدولار ليس هو المعضلة فى الاقتصاد المصرى لأنه لن يبعد كثيرا عن منطقة 14-16 جنيها فى الأجل القريب إلا بتغير ملموس فى معطيات الاقتصاد الكلى، وأرى أن التحدى الأكبر الآن أمام الحكومة هى السيطرة على الأسواق ومواجهة التحدى الأكبر وهو التضخم والقضاء على الممارسات الاحتكارية خاصة فى السلع الاستراتيجية وفى تسعرها للعودة بالتضخم إلى رقم أحادى (أقل من 10%) يستطيع تحفيز الاستثمار ويستطيع جذب استثمار مباشر أجنبى يأتى ليستمر لوقت طويل ويخلق فرصا ويصنع التوازن مع تدفق الأموال الساخنة.
ثانيا: يجب السير قدما فى إصلاح تشريعى يساعد على خلق مناخ استثمارى منافس ولا يحتاج لمعاناة للدخول أو الخروج من الأسواق بجانب تدخل الدولة ودعم القطاعات المطلوب زيادة تدفق الاستثمار بها لعوامل مهمة أهمها أن تكون كثيفة العمالة وجاذبة للعملة الأجنبية وبها صفة الاستثمار ولتعلم الحكومة بأن الدول التى تقدمت كانت دول برجماتية لا تضع أمامها أى اعتبار إلى دعم الفقراء إلا من خلال خلق فرص عمل لهم للقضاء على الفقر.
ثالثا: الأهم فى هذه المرحلة هو عدم المبالغة فى تقدير قدرة الجنيه على الارتفاع أمام الدولار لأن الإنجاز الحقيقى فيما بعد هو القدرة على الاستمرارية فى إصلاح معدلات النمو وخلق الوظائف وتنويع الاقتصاد وعمل توازن بين قطاعات الاقتصاد فى تحمل أعباء نموه وذلك لبناء جسور الثقة بين الدولة والأسواق وملاحظة أن الجنيه يحتاج تقوية دائما ليكسب صلابة من الاقتصاد ويعبر عن أدائه لأن العملة القوية مزايا وعيوب أيضا.