يعانى السوق المصرى، من فجوة كبيرة بين عدد السكان وعدد من يملكون حسابات بنكية، حيث لا يتجاوز من يملكون حسابات بنكية 5 إلى 6 ملايين فرد (عدد السكان نحو 92 مليون نسمة) أى بنسبة حوالي 7% من السكان وهي نسبة ضئيلة جدا.
هذه الفجوة جعلت التعاملات المالية خارج النظام المصرفى تتجاوز 93% من التعاملات اليومية، وهو ما يؤثر بشكل كبير على حجم الإيرادات الضريبية على هذه التعاملات، كما أنه يسهل عمليات تمويل الأنشطة غير المشروعة وخصوصا عمليات غسيل الأموال لأن هذه التعاملات لا تخضع لأي رقابة حيث تتم بشكل يدوى، ودعم من ذلك أيضا نشاط السوق الموازي أو غير الرسمي، والذي تقدر قيمته في مصر بين ترليون إلى 2 ترليون جنيه حسب دراسات متعددة رسمية وغير رسمية.
ولذلك دعت دراسة أعدها منصور البربرى، الخبير فى مجال الاستثمار والتمويل، الحكومة لإيجاد آليات قانونية لدمج الاقتصاد غير الرسمى فى منظومة الاقتصاد الرسمى للبلاد، معتبراً أن تلك الخطوة كفيلة بالحل السريع لمشاكل البلاد الاقتصادية.
وأظهرت الدراسة أنه تختلف التقديرات الرسمية للوقوف على حجم الاقتصاد غير الرسمى فى مصر، فهناك تقدير للاقتصادى الشهير فرناندو دوستو بأن الاقتصاد غير الرسمى فى مصر يقدر بنحو 395 مليار دولار،بما يعادل 2.6 تريليون جنيه، غير أن تقديرا حديثا لاتحاد الصناعات المصرية يقدر حجم الاقتصاد غير الرسمى فى مصر بنحو تريليون جنيه، متضمنة العقارات غير المسجلة.
وتقدر دراسة اتحاد الصناعات وجود الاقتصاد غير الرسمى فى مجال الصناعة بنحو 40 ألف مصنع غير قانونى، تمارس نشاطها فى أماكن غير مرخص بها، أو أنها تعمل فى إطار بعيد عن إجراءات الأمن الصناعى، فضلًا عن شروط السلامة والصحة، ويطلق على هذه الصناعات فى مصر مصانع «بير السلم».
ومعروف أن الاقتصاد غير الرسمى يضعف قوة الاقتصاد الرسمى لأن أسعار سلع الاقتصاد غير الرسمى منخفضة لعدم سداد الضرائب وعدم دفع الرسوم الجمركية لأنها رديئة الصنع غير مطابقة للمواصفات خاصة أن مستوى الدخول لأكثر من %70 من المصريين منخفض أو متوسط.
واقترح البربرى عدة حلول أمام الحكومة لدمج الاقتصاد غير الرسمى لعلاج هذه القضية، تكمن فى ضرورة النظر لهذا القطاع على أنه المشغل الأكبر فى سوق العمل، فنحو %70 من الداخلين فى سوق العمل الجدد يشتغلون فى الاقتصاد غير الرسمى خاصة بعد ثورة 25 يناير 2011، مع الاهتمام بعدم النظر على هذا الاقتصاد من منطلق الجباية وتحسين الحصيلة الضريبية فقط.
وأضاف أن ضم الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى يتطلب تخفيض الضرائب على أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة %10 ومشاركة الدولة فى تحمل التأمينات الاجتماعية وتخفيض نسبة صاحب العمل، وطالب بتيسير إجراءات التراخيص وخفض الرسوم الخاصة بتراخيص تأسيس المشروعات الصغيرة.
وذكر البربرى أن عودة الاقتصاد غير الرسمى وضمه لاقتصاد الدولة الرسمى يضاعفان حصيلة الضرائب وإيرادات الدولة إلى 150 مليار جنيه أو ما يزيد على ذلك ويقلل ويخفض الاحتكار، إضافة لتطبيق شروط السلامة والصحة على السلع والخدمات التى تقدم، وتنويع مصادر الدخل للاقتصاد وبشكل عام وزيادة معدلات النمو بنحو 1.3: %2 سنويًا وزيادة الناتج القومى المصرى وتحقيق العدالة الضريبية لكل من يسدد ما عليه للدولة.
ولذلك كان لابد من صدور قانون أو أو تنشأ جهة تصوب الوضع السابق وتققن تداول "الكاش" في السوق المحلي، وهو ما دعا إليه كثيرا اتحاد الصناعات المصرية الذي طالب أكثر من مر بإصدار "قانون الكاش".
إلا أن الرئيس عبد الفتاح السيسى أصدر القرار الجمهورى رقم 89 لسنة 2017 بإنشاء المجلس القومى للمدفوعات برئاسته ليقوم بنفس الأدوار تقريبا.
وتضمنت المادة الأولى، من القرار المنشور فى الجريدة الرسمية، أن ينشأ مجلس يسمى "المجلس القومى للمدفوعات" برئاسة رئيس الجمهورية، وعضوية كل من رئيس مجلس الوزراء وينوب عن رئيس المجلس فى حال عدم حضوره ومحافظ البنك المركزى ووزراء الدفاع والتخطيط والإصلاح الإدارى والداخلية والاتصالات والعدل والمالية ورئيسى جهاز المخابرات العامة وهيئة الرقابة الإدارية ونائب محافظ البنك المركزى المصرى المختص بنظم الدفع ورئيس الهيئة العامة للرقابة المالية ورئيس مجلس إدارة أحد البنوك ويصدر بتعيينه لمدة عامين قرار من المجلس بناءً على ترشيح محافظ البنك المركزى ووكيل المحافظ أو وكيل المحافظ المساعد للبنك المركزى المصرى المختص بنظم الدفع ومستشار قانون ويصدر بتعينة لمدة عامين قرار من المجلس ومقرر للأعمال يحدده المجلس دون أن يكون له صوت معدود .
الجميع الآن يترقب تفعيل هذا المجلس وتحويله إلي أداة فعالة تحل مشكلة المدفوعات النقدية وترفع من درجة فرص دمج الاقتصاد غير الرسمي مع الرسمي .
صلاح حيدر – خبير سوق المال - يري ضرورة البدء خلال الفترة الحالية ببعض الخطوات التي ستساهم في تأهيل المجتمع لمرحلة وضع ضوابط لتداول السيولة النقدية من خلال الجهاز المصرفي المصري ومنها إصدار وزارة المالية ممثلة في مصلحة الضرائب قرارا يبدأ تطبيقه بعدم الاعتراف بأي معاملات نقدية تقوم بها الجهات المسجلة بمصلحة الضرائب إلا إذا تمت من خلال الجهاز المصرفي وذلك لأي معاملة للممول تفوق قيمتها مبلغ معين.
وأضاف أنه من الهام في إطار المنظومة المقترحة منع تقاضي أي جهة حكومية لمستحقات أو رسوم أو غير ذلك من معاملات نقدية تفوق قيمتها 1000 جنيه إلا من خلال حساباتها البنكية وينطبق ذلك أيضا علي أي مشتريات للجهاز الحكومي تتجاوز هذا المبلغ، كذلك إيقاف صرف أي معاشات أو مرتبات أو مكافآت أو حوافز أو بدلات أو غير ذلك مما يصرف من العاملين بالجهاز الإداري للدولة إلا من خلال البنوك سواء بتحويلات مصرفية أو بشيكات بنكية.
وطالب حيدر، بتفعيل قرار البنك المركزى بخصوص إنشاء فروع صغيرة للبنوك بالمحافظات والمناطق النائية مع ضرورة العمل علي تخفيض رسوم وإجراءات فتح الحسابات البنكية المتبعة حاليا لتشجيع المواطنين علي فتح حسابات لدي البنوك مع السماح لهيئة البريد بإطلاق بطاقات دفع علي حسابات المودعين لديها بالتزامن مع خطة تدشين ماكينات صراف آلي بمكاتب البريد وهو ما سيحقق تنشيطا كبيرا في حجم التعاملات من خلال جهات مؤمنة ويمكن تتبعها خاصة في الأماكن النائية والقري .
وأكد ضرورة قيام البنك المركزي بالتعاون مع الجهاز المصرفي بدراسة تقديم حافز للمواطنين والتجار علي حد سواء للتعاملات التي تتم من خلال البطاقات الأليكترونية بحيث تكون هذه الحوافز أو المزايا بمثابة الدافع الأساسي والمحرك الرئيسي في عملية التحول من الاقتصاد النقدي إلي المعاملات الأليكترونية.