خارج حدود الوطن الجغرافية يكمن حل الأزمة الحالية التي تمر بها سوريا، فالحل لم يعد في أيدي أبنائها النظام أو المعارضة على إختلاف أطيافها السياسية على السواء، بل بات في ما وراء الحدود ربما بلاد الجوار القريب ونقصد هنا إسرائيل وإيران في المقام الأول ومن ثم تركيا وبعيدًا تأتي روسيا والولايات المتحدة بطبيعة الحال كلاعبين أساسيين في الأزمة السورية.
وتبقى روسيا وإيران أبرز وأقوى الفاعلين الدوليين في الأزمة السورية، حيث تعد سوريا ورقة ضغط قوية لكل منهما في الصراع على تقاسم النفوذ والسلطة في المنطقة العربية، وخاصة بعد دخول الولايات المتحدة بقوة على ساحة الرغبة في إيجاد لها موطئ قدم في سوريا، لأسباب عدة معلومة للجميع لعل أهمها هو الحفاظ على حدود آمنة لإسرائيل، والحيلولة دون سيطرة روسيا وإيران وحدهما على سوريا.
التدخل الأمريكي في سوريا جاء من خلال نشرها 400 جنديا وبطارية مدفعية لمشاة البحرية دعماً للهجوم على معقل تنظيم "داعش" في الرقة، بحسب ما أعلن مسؤول أمريكي، حيث أن جنوداً من الوحدة 11 لمشاة البحرية نشرت بطارية "هاوتزرز" من عيار 155 ملم في أحد المراكز الأمامية في سوريا.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تدرس نشر ما يصل إلى 1000 جندي أميركي في الكويت كقوة احتياطية خلال الحرب على داعش.
ويبدو أن داعش باتت كلمة السر في جميع التحركات العسكرية داخل سوريا، حيث لم تتحرك الولايات المتحدة بشكل فعلي على الأرض إلا لمحاربة التنظيم، فيما إكتفت بمد المعارضة المعتدلة ببعض الآليات غير القتالية والأدوية والمعونات للنازحين، والأمر نفسه استخدمه النظام السوري، حيث كان يترك بعض المدن التي استولى عليها لتنظيم داعش لإستيلاء عليها مثل مدينة "تدمر"، ليبرر استمراره في أعماله القتالية ضد المدنيين وقوات المعارضة أيضاً حتى خلال فترات الهدنة أو المفاوضات بحجة محاربة داعش، انطلاقاً من نظريته السياسية المعتمدة على خلق مناطق ساخنة على الأرض باستمرار ليبرر قصفه لمدن ومناطق غير مواليه له.
أما إسرائيل فهي تعمل جاهدة لإستكمال مخططاتها الأبدية الرامية إلى إقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، حيث تسعى بشكل جدي هذه الأيام للإستفادة من الوضع القائم في سوريا والعمل على إضعافها ومن ثم تقسيمها إلى دويلات عدة، لكي تضمن حدود آمنة معها، وخاصة بعد أن سيطرت الأزمة السورية على مفاوضات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو مع الرئيس الروسي خلال زيارة الأول لروسيا، وتشديده على أن الوضع في الجولان غير قابل للنقاش.
إيران هي الأخرى تمد شباك خيوطها حول سوريا لتنضم إلى حدود نفوذها في المنطقة العربية بعد أن تمكنت من إحكام سيطرتها على العراق، وحزب الله في لبنان، حيث تؤكد طهران على أن دفاعها عن الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه دفاعاً عن أمنها القومي، بل أن مرشدها أكد أكثر من مرة أن بقاء الأسد في موقعه بسوريا تعد مسألة حياة أو موت لإيران، وهي تصريحات تكشف العديد من المخططات الإيرانية لبسط سيطرتها على المنطقة العربية في غياب لأبرز الفاعلين الخليجيين أقرب المتضررين بالسياسات الإيرانية في المنطقة.
جميع القوى الإقليمية والدولية التي تحارب بالأصالة عن مصالحها هناك، جاءت قواتها تحت شعار مستشارين لهذا الطرف أو ذلك قالها الأمريكيون والإيرانيون والروس، الذين قالوا إن قواتهم جاءت للدفاع عن قاعدتهم البحرية في طرطوس السورية، ثم قاعدة حميميم الجوية باللاذقية، أما الأمريكيون فقد رفعوا علمهم في الشمال السوري ليكون إعلاناً واضحاً لإعطاء وجودهم العسكري بعدًا سياسياً أكبر.
مما لا شك فيه أن الوجود العسكري لأكثر من دولة على الأراضي السورية يعني أنها جميعًا تبحث عن بسط نفوذها على أكبر جزء ممكن من أراضي سوريا وأن التقسيم بات قريباً حتى وإن لم يكن واضح المعالم وخاصة في ظل مطالبات كردية بإقامة كيان لهم كما حدث في العراق، وهو ما تخشاه بطبيعة الحال تركيا، وهو ما دفعها للتدخل كطرف ولاعب أساسي في الأزمة السورية لمنع حلم أكرادها بإقامة وطن لهم ضمن الحدود التركية إنطلاقًا مما يسعى إليه أكراد سوريا، خاصة بعد أن تصدوا بشكل مباشر لمحاربة تنظيم الدولة داعش، لكسب ثقة الأمريكان، ومن ثم الوقوف معهم ومنحهم حكمًا ذاتيًا أو دويلة كما حدث في كردستان العراق، ومما يعزز حظوظهم في ذلك هو خشية الأمريكيين من أن تقع المواقع المحررة من داعش في سوريا تحت سيطرة إيران، وهو ما تخشاه أيضًا إسرائيل، لذا ستسعى واشنطن جاهدة لدعم الأكراد للإستيلاء على الأراضي المحررة من داعش، وربما إقامة دولة عليها، لتدخل تركيا في هذه اللحظة الحلبة لتكون سوريا مرشحة وبقوة لأن تكون مسرحًا للحروب بالإنابة والأصالة معًا.
روسيا هي الأخرى تدعم بشكل أو بآخر الأكراد، وهو أيضا يقع تحت راية تقسيم سوريا، حيث
حرصت على منحهم دوراً مركزياً في مسودة دستور لسوريا تحمل بموجبه اسم "الجمهورية السورية" وليس "الجمهورية العربية السورية"، كما تساءل نائب وزير خارجية روسيا ميخائيل بوجدانوف في تصريحات صحفية قائلاً: "لماذا توافق تركيا على كردستان العراق ولا توافق على كردستان سورية؟ أعتقد أن هذا ليس من شأنهم" في إشارة واضحة عن مباركة بلاده لتقسيم سوريا، وقوله عندما طُرِح عليه سؤال حول مخاوف من التقسيم في المنطقة العربية، في إشارة إلى سيناريو الدولة الكردية في العراق و احتمالات التقسيم في العراق وسوريا. بوجدانوف قاطع ليضيف "وفي اليمن وليبيا"، مؤكداً احترام سيادة الدول مقابل مبدأ حقوق الشعوب في تقرير مصيرها.
ومما يؤكد أن سيناريو تقسيم سوريا يعد له الآن وهو ما يصب بالدرجة الأولى في مصلحة إسرائيل وإيران ومن ورائهما الولايات المتحدة وروسيا، عقد اجتماع ثلاثي أمريكي - روسي - تركي في انطاليا ضم رئيس أركان الجيش التركي، خلوص أكار، وقائدي الجيشين الروسي، فاليري جيراسيموف، والأمريكي جوزيف دانفورد، بداية الأسبوع لبحث الملفات الإقليمية وفي مقدمتها الملفان السوري والعراقي بطبيعة الحال.
إذن الحرب في سوريا تدار بالنيابة عن المصالح الإسرائيلية والإيرانية بالأساس ومن ورائهما كما أسلفنا الأمريكية والروسية، وبالأصالة عن الرغبة في الحفاظ على السلطة من جانب نظام الأسد، ليبقى الشعب السوري مجرد رقم في معادلة الدم المراقة على جنبات الشوارع السورية.