فى الرحلة التى تستمر ساعتين بين الصحراء والقطع الزراعية المتناثرة بمحافظة بنى سويف، بالتأكيد سيقودك هذا الفراغ لتهيم فى ذكريات طفولتك، كانت السيارة «تنشال وتنهبد» حسب التعبير الدارج، مع كل منحنى وفوق كل مطب، ومعها تتقلب صور الطفولة، حيث كثير من المتع التى لم تشاهدها بطلتنا «ندى» التى بلغت 11 عاما لتجد نفسها داخل دائرة الهموم مبكرا، فهى تستيقظ فجرا وتذهب للعمل فى الأراضى الزراعية على ظهر سيارة نصف نقل هى وزميلاتها لتجد نفسها فى ربوع أراضى زراعية وسط برد قارس.
فى السابعة صباحا تقف ندى رمضان محمد «11 سنة» أمام مدرستها الإبتدائية، ليس سعيا للتعليم، ولكن لإنتظار سيارة «الريس ياسر» التى تنقلها مع أطفال فى سنها، إلى «الغيط»، للعمل 10 ساعات يوميا فى حصاد البصل وتجهيزه للتصدير إلى إيطاليا، فى انتهاك صارخ للقوانين التى تحظر تصدير المنتجات الصناعية والمحاصيل الزراعية لبلدان العالم التى يشارك فى صناعتها الأطفال دون سن الـ18 عاما، حسب المواثيق الدولية التى وقعت عليها مصر، ويشرف على تنفيذها عضو دائم لدى مصر فى منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة.
تقول ندى، خلال حديثها لكاميرا فيديو7 قناة انفراد المصورة، إن عملها يجبرها على الغياب من المدرسة، بسبب أسرتها التى أصبحت تعتمد بشكل أساسى على الـ40 جنيها التى تتقاضاها كل يوم، وتسلمها ليد أحد والديها، وأكثر ما تخافه هو الإصابة من «الكتر» الذى تنظف به البصل، أو إصابتها بالبرد الذى يقعدها فى المنزل ويعطل مسيرة العمل، بسبب الطقس القاسى.
و بعيدا عن الجدل القانونى حول عمالة الأطفال، يبقى جانب اللاإنسانية هو الأكثر إظلاما فى التفاصيل اليومية لهؤلاء الأطفال، فهم يتعرضون يوميا للإنتهاك البدنى أو اللفظى، بدءا من عملية نقلهم فى سيارات «المواشى»، مرورا بمعاملة مقاولى الأنفار لهم الذين يمارسون كل ما تعرفه الوحشية من أساليب لـ«ظبط الشغل»، حسب اعتراف «م.ع» الذى يعمل مقاول الأنفار بقرية تمام كساب ببنى سويف منذ 20 عاما، ويؤمن بأن استخدام الضرب أثناء عمل الأطفال فى الأراضى الزراعية «مباح»، وواجب أغلب الأوقات، مؤكدا أنه لا يوجد مقاول أو متعهد أنفار لا يمارس الضرب مع العاملين، وصولاً إلى حالة القتل التى شهدتها قرية ناصر بمركز الواسطى بذات المحافظة منذ عام مضى.
ويعد أحمد عبدالتواب، من جمعية «الحياة أفضل»، سعى الجمعية لتمكين الأطفال داخل المحافظة من بعض حقوقهم بشأن العمل، بمثابة محاولات «بائسة»، لأن خط نجدة الطفل يستهدف ما يقارب 300 ألف طفل عامل فى المحافظة، إلا أننا لم نتلق سوى 10 بلاغات خجولة بشأن الانتهاكات خلال شهر، وغالبا ما تكون الاتهامات لأصحاب العمل بالضرب والأذى المعنوى، وهو ما يعد انتهاكا صارخا لحقوق العامل، ناهيك عن كون عمل الأطفال مخالفة من الأصل.