" الممارسة الصحفية"، وفى القلب منها عملية انتقاء الأخبار وتطويرها وتحريرها، تبقى فى حاجة إلى قواعد إرشادية واضحة وعملية، تجمع بين قيم العمل الصحفى الرشيد من جهة، والمهارات التحريرية من جهة أخرى وتُقدم فى إطار يراعى الخصوصية المصرية من جانب ويلتزم بالمعايير الدولية من جانب آخر".. هكذا قدم الخبير الإعلامى ياسر عبد العزيز، دوافعه لتأليف "دليل الإرشادات التحريرية للصحفيين المصريين" والذى صدر حديثا عن النادى الإعلامى DMC بالمعهد الدنماركى المصرى للحوار DEDI.
الدليل الذى يقع فى 83 صفحة ويسد حاجة أساسية فى المكتبة العربية والمصرية ويوفر الإرشادات والنصائح والتوجيهات العملية لممارسة صحفية تتسق مع المعايير الدولية للجودة فى الكتابة الخبرية، يقول عنه الأستاذ الدكتور شريف درويش اللبان، وكيل كلية إعلام جامعة القاهرة، إنه أعاد للأذهان فكرة التقرير الشهرى الدورى الذى قرر المجلس الأعلى للصحافة عام 1998 إصداره لتقويم الأداء الصحفى للصحف المصرية بقطاعاتها المختلفة القومية والحزبية والخاصة والصادرة بتراخيص من خارج مصر، وذلك بعدما أصدر المجلس ميثاق شرف صحفى جديد فى أعقاب سقطة أخلاقية غير مسبوقة لإحدى الصحف المصرية الخاصة، ورغم رصد تقرير الممارسة الصحفية لعديد من الملاحظات الخاصة بالأخبار المجهلة وعدم الدقة وبث التحريض والكراهية وإثارة الفتنة الطائفية والتشهير بالشخصيات العامة وعدم احترام الخصوصية علاوة على بعض الانتهاكات الخاصة بنشر الإعلانات إلا أن الصحف التى كان يوزع عليها هذا التقرير بشكل منتظم فى الفترة من 1998 وحتى 2010 لم تلتزم بماء جاء فيه، مما أوقعنا فى حيرة بين الأخلاقيات والانتهاكات.
ويضيف اللبان فى مقدمة الدليل أن السنوات الأخيرة التى شهدت انفلاتا أخلاقيا ومهنيا، ألزمت إرساء قواعد المهنة لتخليصها من الشوائب والخروقات التى حلت بها ومن هنا جاءت الحاجة لإعداد هذا الدليل المقسم إلى سبعة أقسام، يتناول الأول منها المعايير الدولية للجودة فى العمل الصحفى الأخبارى والتى تمثلت فى خمسة عشر معيارا من حيث التقديم الواقعى للأحداث والإيجاز فى التعبير والوضوح واللاذاتيه والدقة والإنصاف والاستقامة والحياد والاستيفاء والقيمة المضافة والعمق والمساندة والاستدلال والتنصل والموضوعية.
أما القسم الثانى فيؤصل لقاعدة مهمة فى العمل الصحفى وهى نسب الأخبار إلى مصادرها وقد تناول هذا القسم مصادر الأخبار المختلفة وهى الصحفى نفسه والخدمات العامة والمصادر الشخصية والجمهور وشهود العيان والصحفيون غير المتفرغين ووكالات الأنباء وشبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعى وأجندة الأحداث المتوقعة وأرشيف المعلومات والأحداث السابقة والمنافسون والمقابلات الخبرية والبيانات الصحفية والمؤتمرات الصحفية والندوات.
ويرصد القسم الثالث من الدليل، أهم الأخطاء الشائعة فى التغطية الإخبارية وأهم هذه الأخطاء هو الانحياز فى التغطية وإن تعددت صوره وأشكاله ومن بين أشكال الانحياز التى ينبه الدليل للابتعاد عنها: الانحياز بالحذف الاختيارى، والانحياز بالمحاباة، والانحياز باختيار القصص، والانحياز باختيار مواقع مميزة للقصص الخبرية، والانحياز باختيار المصادر، والانحياز بالتنميط، الانحياز بالاستحسان او الاستهجان، والانحياز باستخدام المصطلحات والتعريفات الخاطئة، والانحياز بتقديم الرأى كخبر، وانحياز نقص السياق، أو بإستخدام حقائق للوصول إلى نتائج زائفة، والانحياز بتشويه الحقائق، أو باستخدام الكلمات حمالة الأوجه والمعانى، أو بعدم توافق العنوان مع النص، وهناك أيضا انحياز النزاهة، والسرعة، والأخبار السيئة، وانحياز الجدة وللصورة والمشاركة وانحياز الحبكة والاعتبارات التجارية.
كما عرض هذا القسم أيضا الانحيازات فى التغطية الإخبارية فى وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والتى تتمثل فى الانحياز بمدة العرض وترتيب الأولوية والانحياز بعناصر الإبراز واختيار المواد المرئية واستخدام الإثارة والعواطف واختيار زوايا الكاميرا وأيضا الانحياز باستخدام لغة الجسد وانحياز الاستهلال والخاتمة.
ويعرض القسم الرابع من الدليل عملية انتقاء الأخبار والعوامل المؤثرة فيها من جهة وأهميه تشخيص الجمهور وتحديد أولوياته عن انتقاء هذه الأخبار فى حين يعرض القسم الخامس للمرحلة التالية لانتقاء الأخبار وهى المرحلة المتعلقة بصياغة هذه الأخبار والمهارات المتضمنة فيها من حيث استخدام علامات الترقيم والفاظ الاستهلال والعناوين والمقدمات وجسم الخبر كما يتناول القسم السادس بناء القصة الخبرية وكيفية كتابة مكوناتها من عنوان ومقدمة وفقرات انتقالية.
اما القسم السابع والأخير فهو عبارة عن نماذج من الصحف لاستعراض الممارسات الجيدة والسيئة فى التغطية الخبرية ولا يهدف الدليل من وراء ذلك إلى تعنيف صحيفة أو تقريظ أخرى ولكن يهدف إلى تعليم شباب الصحفيين بالممارسات الجيدة ليتمسكوا بها ويتجنبوا الوقوع فى الممارسات السيئة.
وإلى جانب هذا يقدم الخبير الإعلامى، ياسر عبد العزيز مجموعة من النصائح لابد من الأخذ بها فيما يتعلق بالتحرير الصحفى، وهى:
• فى عالم الصحافة لا يوجد ما هو أفضل من خبر لا يخدم سوى الجمهور، ولا يهدف سوى إلى إظهار الحقيقة.
• لا تكتب الحقائق.. أكتب ما يمكن أن تثبت أنه حقائق.
• لا تذكر الوقائع إلا بعد الاستدلال عليها.
• الأخبار ليست حربا، وليست سلاحا فى المعارك والصراعات لكنها الوسيلة التى يفترض أن نعرف من خلالها ما جرى فى الحروب والصراعات.
• الصحفى ليس جنديا يحارب معركته بالأخبار وليس زعيما يقود الجمهور ويحاسبه وليس فليسوفا يعرف كل شىء عن أى شىء وليس محاميا ليدافع عن الناس ولكنه عين الناس ورقيبهم على السلطات والراوى الملتزم بأن يحكى للجمهور ويكشف للحكومات ويسجل للتاريخ ما جرى وما يجرى بدقة وأمانه ونزاهة وشمول وعمق.
• الصحافة مهنة صعبه جدا، تحفل بالتفاصيل الدقيقة والمعقدة ولا يجب أن يعمل بها سوى من يؤمن بدورها وأهميته ويمتلك الوسائل والقدرات اللازمة للوفاء بمهمته ولا يدعى لنفسه دورا آخر أكبر أو أصغر من ذلك.
يذكر أن الخبير الإعلامى ياسر عبد العزيز، عمل مستشارا ومدربا فى صندوق الإنماء التابع لهيئة الإذاعة البريطانية"بى بى سى"، فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما قدم تدريبا واستشارات لعدد من المنظمات الدولية والحكومات، منها: برنامج الأمم المتحدة الإنمائى"يو إن دى بى" ومنظمة اليونسكو ومنظمة مراسلون بلا حدود ومؤسسة الصوت الحر الهولندية والمجلس الثقافى البريطانى ومركز الدوحة لحرية الإعلام ومنظمة "إنتر نيوز" ومكتب المبادرات الانتقالية الأمريكى وعدد من الحكومات العربية.
كما عمل ياسر مستشارا لصحيفتى "المصرى اليوم" و"الوطن" السعودية ومديرا للتدريب فى وكالة أنباء الشرق الأوسط وقدم تدريبا واستشارات لصحف "المدينة"، "الحياة"، "عكاظ" فى السعودية وأكثر من 20 منظمة إعلامية عربية بارزة.
درب عبد العزيز مئات الصحفيين والسياسيين والتكنوقراط والدبلوماسيين فى 16 دولة عربية وأجنبية على العمل الصحفى وسبل تعزيز أنشطة الاتصال، وفى عام 2013 تم اختياره عضوا فى المجلس القومى لحقوق الإنسان بمصر، وقد قام بتدريب عشرات من الناشطين فى المجتمع المدنى فى دول عديدة فى موضوعات التعليم المدنى والتخطيط الإستراتيجى واستخدام الإعلام فى تعزيز رسالة المنظمات غير الحكومية، ويكتب عبد العزيز فى عدد من الصحف منها المصرى اليوم والوطن والجريدة الكويتية وصدر له عدد من الأبحاث المتعلقة بأخلاقيات الصحافة وتنظيم المجال الإعلامى.
وكان عدد من المؤسسات الإعلامية قد تلقت تدريبا على هذا الدليل مؤخرا لتقويم أداءها الإعلامى من بينها مؤسسة انفراد. وتأتى سلسلة التدريبات تلك التى ينظمها النادى الإعلامى DMC بالمعهد الدنماركى المصرى للحوار DEDI ويقدمها الخبير الإعلامى ياسر عبد العزيز، بهدف تعزيز قدرة الصحفيين المصريين على انتاج مواد خبرية تتسق مع المعايير الدولية المتبعة فى هذا الصدد لتكون أكثر احترافية وموثوقية مما سيعزز دور الصحافة ويدعم الدفاع عن حريتها واستقلاليتها.