كشفت فتوى قضائية، صادرة من الجمعية العمومية قسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، عن أوجه العوار الدستورى فى لائحة العاملين بالجهاز المركزى للمحاسبات رقم 196 لسنة 1999، وما تحويه من تمييز وتفرقة بين العاملين بالجهاز من المسلمين وغيرهم من غير المسلمين، فيما يتعلق بمنح العام إجازة خاصة بأجر كامل ولا تحسب من الإجازة السنوية أو المرضية فى عدة حالات منها أداء فريضة الحج، دون أن تمتد إلى حق العاملين المدنيين بالدولة غير المسلمين فى زيارة بيت المقدس.
وسبق للمحكمة الدستورية العليا، أن أصدرت حكماً قضائياً، بعدم دستورية قصر نطاق تطبيق الإجازة شهر على أداء فريضة الحج، دون زيارة بيت المقدس بالنسبة للعامل المسيحى الديانة، وذلك تأسيسياً على أن زيارة الأماكن المسيحية ببيت المقدس تعد من الواجبات الدينية لدى المسيحيين، بما لازمه صيرورة هذه الشعيرة من الشعائر الدينية التى أوجب الدستور على المشرع العادى كفالة الحق فى ممارستها بحرية لأصحاب الأديان السماوية الثلاثة.
وأضافت المحكمة الدستورية أن عدم تضمين تقرير الحق فى إجازة وجوبية للعاملين المسيحيين، لمدة شهر بأجر كامل، ولمرة واحدة طوال حياتهم الوظيفية، لزيارة بيت المقدس، وقصر منحها على أداء فريضة الحج، فإن هذا التنظيم يغدوا تنظيماً قاصراً غير متكامل، لا يحيط بالحقوق والحريات التى كفلها الدستور من مختلف أقطارها وجوانبها، ويكون بذلك قد أخل إخلالاً جسيماً بها، بما يفقدها تكاملها وترابط أجزائها، ويقع من ثم مخالفاً لنصوص الدستور.
وتقدم كل من وجدى أنيس فؤاد سويحة، وشقيقته "ميرفت"، بطلب إلى رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، فى مارس 2015، يلتمسان فيه الموافقة على منحهما إجازة لمدة شهر لزيارة بيت المقدس، وذلك استناداً إلى أن المادة 49 من لائحة العاملين بالجهاز المركزى للمحاسبات الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 196 لسنة 1999 والتى تنص على أن يمنح العامل إجازة خاصة بأجر كامل ولا تحسب من الإجازة السنوية أو المرضية فى عدة حالات منها أداء فريضة الحج، وتكون لمدة شهر ولمرة واحدة طوال مدة الخدمة، وارتأى الجهاز أن منح هذه الإجازة يقتصر على العاملين الذين يريدون أداء فريضة الحج باعتبارها أحد أركان الإسلام الخمس، دون العاملين غير المسلمين، فتم عرض الموضوع على الجمعية العمومية لإبداء الرأى القانونى فيها.
الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع أشارت إلى أن الدساتير المصرية المتعاقبة، بدءاً بدستور 1923 وحتى الدستور القائم، قد التزمت مبدأ حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية، ورددت مبدأ المساواة أمام القانون، الذى يستهدف حماية حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها، أو تقيد ممارستها، وهو بذلك يعد وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة، فلا يجوز للقانون أن يقيم تمييزاً غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التى تتماثل فى عناصرها.
ذكرت أن المادة 49 من لائحة العاملين بالجهاز المركزى للمحاسبات رقم 196 لسنة 1999 قد نصت صراحة على أن يمنح العامل إجازة خاصة بأجر كامل لمدة 30 يوماً لمرة واحدة طوال مدة خدمته، لداء فريضة الحج، ومن ثم فإن تقرير الحق فى هذه الإجازة يقتصر على أداء فريضة الحج كأحد أركان الإسلام الخمس، ولا يمتد إلى حق العاملين المدنيين بالدولة غير المسلمين فى زيارة بيت المقدس، بحسبان أن هذه الزيارة لا تدخل تحت حكم أداء فريضة الحج على النحو الذى جاء باللائحة.
ورغم حكم المحكمة الدستورية العليا، بعدم دستورية قصر الإجازة للمسلمين إلا أن الفتوى والتشريع قال أن قضاء المحكمة الدستورية العليا فى الدعاوى الدستورية يكتسب حجية مطلقة فى مواجهة الكافة بما فى ذلك أجهزة الدولة وسلطاتها المختلفة باعتباره قولاً فصلاً لا يقبل تأويلاً ولا تعقيباً من أية جهة، وأن هذه الحجية المطلقة لا يفارق نطاقها النصوص التشريعية التى كانت مثارا للمنازعة بشأن دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسماً بقضائها، أما غيرها مما لم يكن مطروحاً عليها، ولم تفصل فيه فعلاً، فلا تمتد إليه تلك الحجية، فيبقى النص التشريعي، أو اللائحى –الذى لم يكن مطروحاً أمام المحكمة الدستورية العليا ولم تفصل فيه فصلاً حاسماً بقضائها- قائماً ونافذاً مادام لم يلغ صراحة، أو ضمنا، ولم يقض بعد دستوريته أو عدم مشروعيته.
وأهابت الجمعية العمومية السلطة المختصة بإصدار لائحة العاملين بالجهاز المركزى للمحاسبات أن تتدخل لمحو جميع صور التمييز والتفرقة بين العاملين بالجهاز من المسلمين وغيرهم من العاملين غير المسلمين، وتعديل المادة 49 من لائحة العاملين بالجهاز المركزى للمحاسبات رقم 196 لسنة 1999، لتشمل الحق فى هذه الإجازة الخاصة لمن يقوم بزيارة بيت المقدس، حسبما ورد فى قانون العمل، ولتجنب الحكم بعدم دستورية نص هذه المادة حال الطعن عليها أمام المحكمة الدستورية العليا وفقاً للإجراءات المقررة.