قال الشيخ ذو الكفل محمد البكرى، المفتى الفيدرالى لدولة ماليزيا، إن من أهم الضوابط لسلامة الفتوى تجردها من الأهواء، سواء كان مبعثها المستفتى أو المفتي، أما المستفتى: فقد يدفعه هوى متبع فيزين الباطل بألفاظ حسنة ليغرر بالمفتى حتى يسوغ ذلك للناس، مع أن ما يسأل عنه من أبطل الباطل، ولهذا اشترط العلماء فى المفتى أن يكون متيقظا حتى لا تغلب عليه الغفلة والسهو، عالمـا بحيل الناس ودسائسهم حتى لا يغلبوه بمكرهم، فيستخرجوا منه الفتاوى حسب أهوائهم.
وأضاف فى كلمته بالجلسة الخامسة والأخيرة لمؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء، فى يومه الثالث والأخير، والمنعقد بعنوان "دور الفتوى فى استقرار المجتمعات"، من ضوابط الفتوى أهلية المفتى، لما كان الإفتاء اخبارا عن حكم الله، وكانت الفتوى توقيعا عن الله، فلا بد للمتصدر للفتوى أن تتحقق فيه الأهلية الشرعية، وقد اشترط الأصوليون لتحقق هذه الأهلية شروطا معينة، وصفات محددة، نجملها فيما يلى: "أن يكون مكلفا، مسلما، ثقة، مأمونا، متنزها من أسباب الفسق ومسقطات المروءة، لأن من لم يكن كذلك فقوله غير صالح للاعتماد حتى وإن كان من أهل الاجتهاد، ويكون مع ذلك متيقظا، فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح التصرف والاستنباط".
ثانيا الاعتماد على الأدلة الشرعية: إن أول ما يجب توافره فى الفتوى لتكون محلا للاعتبار اعتمادها على الأدلة الشرعية الصحيحة المعتبرة لدى أهل العلم، وأول هذه الأدلة كتاب الله تعالى، وثانيها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز للمفتى أن يتعداهما إلى غيرهما قبل النظر فيهما، ثم الاعتماد عليهما، كما لا يجوز مخالفتهما اعتمادا على غيرهما.
ثالثا التحلى بصفات الإفتاء: بما أن وظيفة المفتى وظيفة جليلة، ومهمته عظيمة، كان لا بد أن تتوافر فيه الأهلية للقيام بهذه المهمة، ولا بد له أن يتحلى بمجموعة من الصفات حتى يكون أهلا للقيام بعمله على أكمل وجه، فمن الصفات التى لا بد أن يتحلى بها من يتصدر للإفتاء
رابعا: تعلق الفتوى بموضوع الاستفتاء: إن الفتوى إذا تعلقت بموضوع الاستفتاء بلغت بالمستفتى حاجته، وحصل منها على مراده، فإذا خرجت عن ذلك فإنها لا تسد له حاجة، ولا تحل له مشكلة، ولا تنقذه من معضلة، ولم يشرع الإفتاء إلا للإجابة على التساؤلات، وحل مايعرض للإنسان من مشكلات، غير أن المفتى إذا توقع من السائل استغرابا للحكم، فله أن يمهد له بمقدمة
خامسا تيسير الفتوى: لقد فطر الله سبحانه وتعالى الإنسان على حب التيسير والسعة، وكراهة العسر والحرج، ولا شك أن من خصائص الشريعة الإسلامية السماحة واليسر ورفع الحرج، حتى ذكر العلماء أن الأدلة على رفع الحرج فى هذه الأمة بلغت مبلغ القطع.
سادسا سلامة الفتوى من الغموض: لما كانت الفتوى بيانا لحكم شرعى، وتحمل فى طياتها تبليغه للسائل، وجب تقديمها بأسلوب مبين، وكلام واضح قويم، فقد أمر الله تعالى نبيه الكريم بالبلاغ المبين، فقال سبحانه: {وما على الرسول إلا البلاغ المبين}. لذا كان من وضوح الفتوى خلوها من المصطلحات التى يتعذر على المستفتى فهمها، وسلامتها من التردد فى حسم القضية المسؤول عنها.
سابعا مراعاة الحال، والزمان، والمكان: إن لكل عصر مشكلاته وواقعه وحاجاته المتجددة التى تتجدد مع مرور الأيام، وفى عصرنا وجد الكثير من المستجدات والأحداث والوقائع التى لم يكن لها وجود فى زمن السابقين، ولم يكونوا يعرفونها، مما يستدعى علاج هذه المستجدات باجتهادات وفتاوى تبين حكم الله فى ذلك، وهذا أمر ضرورى لحياتنا الإسلامية، وعلاج لمشكلاتنا المعاصرة.